هذا الكتاب ليس دعوة للهجرة .. و ليس كتاب لنقد مصر .. ولا للتغزل في أوروبا .. هذا الكتاب هو قصة اثني عشرة يوماّ قضيتهم في عدة مدن أوروبية .. رأيت فيهم الكثير من المميزات التي اتمني رؤيتها في مصر .. كما رأيت فيهم الكثير من العادات السيئة و العيوب التي اتمني الا ننقلها عن تلك المدن بدعوي انها "بلاد بره" ! .. هذا الكتاب ما هو الا محاولة لوصف مظاهر الحياة الأوروبية - بمختلف مكوناتها – و التي رأيتها و عايشتها بنفسي، اّملاّ في أن يكون وصفي كافياّ لينتقل كلاّ منُا بنفسه الي ما هو افضل، له و لبلاده.. اتمني ان توفقني كلماتي في تغيير بعض القناعات التي نعيش كلنا في ظلالها .. فتعطل عقولنا عن التفكير .. و تعطل سواعدنا عن العمل .. و تعطل مخيلتنا عن الإبداع .. هذا الكتاب هو قصة تغيير جذري حدث في حياتي .. اتمني ان انقله اليكم ، اعزائي القراء .. اجزاء من "القاهرة – مدريد": " توجهت الي هيئة التجنيد للحصول علي تصريح السفر, لأفاجئ بعسكري الجيش قائلاّ "انت طالب , ملكش تصريح سفر" . تعجبت من الكلمة و رددت "يعني ايه" , لأفاجيء مرة اخري بالرد ... " " و هنا وقعت الطامة الكبري ، فقد اغلقت رحلتي ، و لم يعد بأسطاعتي الصعود الي الطائرة ! " " وصلنا الي المكان , و كان العداد يشير الي خمسة يوروهات و خمسة و خمسون سنتاّ .. اعطيت السائق عشرة يوروهات , فأخرج حقيبة سفري من السيارة , ادخلها الي بيت الشباب , و اعطاني اربعة يوروهات و خمسة و اربعون سنتاّ !! .. نظرت اليه متعجباّ , شكرته و دخلت الي بيت الشباب, حيث سأقيم خلال المؤتمر .. و فور دخولي , قابلي شخصاّ اسبانياّ يبدو عليه الانفعال .. و قال " اأنت فادي ؟ " ... " " علمت في النهاية انني مخير بين احدي ثلاث .. كوكا كولا , فانتا , او سبرايت .. سألت عن المياه فلم اجد , بينما كانت هناك ماكينة للخمر كتلك الموجودة في المطاعم في مصر , و لكن هذه للخمر و تلك للمشروبات الغازية .. اذا , "مفيش ميه ، والخمره ماشين ! " " و هنا قاطعني "اليكس" و سألني "هل انت مؤمن بوجود الأديان و الرب ؟ " " في الحقيقة ، خشيت ان اخبره عما يحدث لأهل النوبة من تهميش و تجاهل للغتهم و هويتهم , خوفاّ عليه من هول الصدمة ! " " تلقيت هذه التحذيرات من عدة اشخاص لا اعرفهم , و لكن يبدو انهم كانوا يعرفونني , فقد كنت العربي الوحيد في المؤتمر ! " " في الموعد المحدد , وصلت الي محطة " مينديز البارو" , و هنا كانت اولي الصدمات الحضارية العنيفة التي مررت بها ..." "علي مدار اسبوع كامل - استخدمت فيه المترو كوسيلة رئيسية للتنقل - لم اري رجلاّ يضايق امرأة بأي شكل من الأشكال ،لم اري شاباّ يجلس و عجوزاّ يقف ،كما لم اري شخصاّ يشغل اغنيته المفضلة علي هاتفه المحمول ، ليسمعها كل من في العربة رغماّ عنهم ! .. " " و بينما انا في سريري, بدأت الأفكار و التطلعات تتراكم علي عقلي , زخم فكري غير معتاد , في ايام غير الأيام , مجتمع غير المجتمع ،و مكان غير المكان .. افكار كزيارة المتاحف الشهيرة , او استاد فريق "ريال مدريد" ، الذهاب الي مصارعة الثيران ،او شرب الخمر .. التعرف الي شخصيات جديدة , او التوجه الي "برشلونه" .. فتح عالم التلفاز مجدداّ , او ترك هذا العالم بكل ما فيه .. وسط هذه الخواطر , لا مكان لنوم العقل , فالعقل مستيقظ , بينما الجسد منهك ، و جفون العين تغلق ابواب هذا العالم ، لا ارادياّ .. " " تعجبت من التصرف للحظة ، و لكنني فهمت بمجرد ان نظرت الي الكرسي ،فقد كانت هناك دمائاّ علي ظهر الكرسي ! " " وصلت الي محطة "سانتياجو برنابيو" ، و في طريق الخروج من المحطة ، كان اغلب الناس يرتدون ملابس "ريال مدريد" و يرددون الشعارات و الأغاني الخاصة به .. خرجت من المحطة ، لأفاجئ بمنظر غريب اخر .. " " و بينما انا اركض ، فهمت السبب وراء هذا الجنون، ليزداد "الادرينالين" في جسدي , و اواصل الركض بأتجاه الحافلة .. " " فعلي ملامحها تبدو اّثار الحرب العالمية الثانية ، و في عيونها الضيقة رأيت اصرار علي تحقيق الذات و اثبات النفس في بلد غريب عنها ، و غريبة هي عنه .. فهي لا تبدو غنية مادياّ , و لا يبدو انها ابنة "ضابط شرطة" في بلدها .. و لكنها ،- و علي الرغم من ذلك – متفائلة و مصره علي ان تصبح انسانة ناجحة، و هي لم تلعن حظها العاثر ، و لم تتذمر لأنها ليست من اصحاب الملايين .. هي "ايكا" من اليابان .. " " استمر الحديث بيني و بين كلاّ من "اليخاندرا" و "كريستينا" ، حتي اعربت عن تقديري للحكومة الأسبانية , و ذلك لسماحها لسكان "كتالونيا" بأستخدام لغتهم كلغة رئيسية في المقاطعة بدلاّ من اللغة الأسبانية .. و عند هذه اللحظة قاطعتني سيدة عجوز كانت تجلس في الحافلة .. " " سألت الرجل "بالأسبانية" اذا ما كنت يتحدث الأسبانية ، فأجاب بنعم .. سعدت كثيراّ بهذا الأمر ، و قررت ان استخدم اللغة الأسبانية كلغة اولي هنا في روما .. بدأت اتسائل عن مكونات البيتزا و اسعارها و انواعها ، و بدأ الرجل في الاجابة, حتي نظرت في اعين الرجل، و بشكل لا ارادي سألته " انتا منين ؟ ... " كانت هذه بعض المواقف التي مررت بها خلال الرحلة التي تضمنت سالامانكا, برشلونه, روما, بالاضافة الي مدريد .. فمن ورقة الأحلام الي حافلة الانترنت الي غرفة السجناء الي الموسيقيين المتسولين, مروراّ بالمظاهرة, اقدم مطعم في العالم وسبايدر مان, المعبد الفرعوني, ورقة الخمسين يورو و الرحلة المدرسية, الثغرة, ارض الدول و الماتادور، اشارة الدراجات, مامبو تانجو و المتحف المفتوح, ارنولد شوارزينيجر و .. افضل رحلات حياتي .. الرحلة التي غيرت نظرتي للعالم، للناس و لنفسي .. الرحلة التي بدأت بكلمة علي تذكرة ..... كلمة "القاهرة – مدريد". 22– يناير- 2012 .. معرض القاهرة الدولي للكتاب .. "موعدنا مع صدور "القاهرة – مدريد للكاتب فادي صلاح الناشر: دار دون للنشر و التوزيع