بدا المشير طنطاوى فى تصريحاته الأخيرة غاضبا. هو غاضب بسبب حركة الإضرابات، ويقول: هى تكية؟ أجيب لكم منين؟ وهو غاضب لأن المواطنين استنكروا تجوله فى شوارع وسط المدينة بالملابس المدنية، ويقول: يعنى ألبس بدلة مقطعة؟ وهو غاضب لأن ذات المواطنين وقعت عليهم شهادته كالصاعقة، ويعود ويكرر: مافيش حد إدانا أوامر بالضرب، أنا راجل صادق، أخون ربنا؟ وهو غاضب لسبب ما مجهول، إذ قال: مصر مش حتسقط! وهو غاضب لأننا لا ننظر لمن حولنا، ويقول: وكان ممكن نبقى زى اللى حوالينا من الأول.. إحنا صابرين صابرين صابرين... وهو غاضب ويذكرنا بأنه «مقاتل باقاتل أكتر من أربعين سنة، لله أولا، ثم لمصر». يا سيادة المشير أنت لا تحتاج إلى تذكيرنا بأنك مقاتل، هذه معلومة متداولة ومعروفة، والناس تعلم أنك كدت تضحى بحياتك فى حربى الاستنزاف وفى معركة المزرعة الصينية سنة 73، مما يجعلنا نسأل الله حسن الخاتمة. كما أن حقيقة قتالك لوجه الله ومن أجل مصر، هى معلومة أخرى معروفة ومتداولة.. واحد رايح يموت نفسه فى الحرب، حيكون بيموت عشان إيه؟ كذلك من نزلوا إلى الشوارع يواجهون رصاص الشرطة المصرية وهم على أتم الاستعداد للموت، بل إنك ذهبت إلى الحرب إما قاتلا أو مقتولا، أما هم فقد نزلوا إلى الشوارع إما مقتولين أو مقتولين، وليس فى أيديهم ما يدافعون به عن أنفسهم، فى ظنك يا سيادة المشير، ما الذى يدفع شابا فى مقتبل العمر للوقوف أمام المدرعات وفتح الصدر العارى للرصاص إلا ابتغاء وجه الله ولصلاح الوطن؟ فلماذا يكون مصيرك التكريم ويكون مصيرهم المحاكمات العسكرية؟ المعلومة الثالثة المتداولة هى أنك صادق حقا فى ما تقوله عن إيمانك بالله، فالجميع يعلم أنك تصلى كل الفروض فى المسجد المجاور لمنزلك، أو هكذا يقول المواطنون عنك.. أنا شخصيا ماشفتكش. وتصديقا لإيمانك بالله، أذكرك ونفسى بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. وليس فى نصحك ما يقلل من شأنك، أو يدفعك لتذكيرنا بتاريخك القتالى، ولست أفضل من سيدنا عمر الذى أنصت لنصيحة امرأة مجهولة الاسم، ولست أفضل منه حين قال له الصحابة: والله لو فعلت لقومناك بالسيف. أنت قاتلت فى سبيل الله من أجل مصر، وغيرك من الرجال والنساء والشباب، بل والأطفال نزلوا واجهوا الرصاص فى سبيل الله ومن أجل مصر. أنت صادق فى شهادتك بأن المخلوع لم يعطك أمرا بقتل المتظاهرين، وهم صادقون حين شهدوا على قوات الأمن بفتح الرصاص عليهم، والدم أصدق إنباء. لم يقتل الشهداء عناصر مندسة كما زعم عمر سليمان وأمنت على كلامه، قائلا: احتمال وارد. لا... مش وارد، نحن من كنا فى الشارع ونحن من نقول لك إن هذا احتمال غير وارد، فإن كنت لا تخون الله فى شهادتك، فلا تؤمن على شهادة رجل يخون الله منذ تعيينه رئيسا للمخابرات. أنت لا تريد لمصر أن تسقط، وغيرك من المواطنين نزلوا إلى الشوارع حماية لمصر من أن تسقط، كما أن مصر لا تسقط. إن كنت تعنى مصر التى هى مصر، هذه المصر... لا تسقط، وما أقوله ليس كلاما إنشائيا، بل هو حقيقة علمية ثبتت بالتجربة: مصر بأعين الله وشعبها حلت عليه البركة منذ آلاف السنين، لا يضام بنوها، ولا يخذل ناصرها، ولا يفلح مريدها بسوء. أما إن كنت تعنى ب«مصر» النظام الذى أراد الشعب إسقاطه، فهذا سقط، ويسقط، وسيسقط، لأنه نظام خائن، والله لا يهدى كيد الخائنين. الله لا يحفظ نظاما مواليا لقوة استكبارية استبدادية استعمارية، ولا يحمى نظاما خدم إسرائيل وحماها وتبرع لها بقوت شعبه. الله لا يرضى بالظلم ولا عن الظالم. الله يسمع استغاثات المظلومين فى غيابات السجون الحربية، وسينصرهم ولو بعد حين. الله يقتص لمن قتل مظلوما فى الدنيا والآخرة. الله يحب الفقراء والمساكين، وينتقم ممن يحاربهم فى أقواتهم، ويسطو على حقهم فى معيشة كريمة. الله سن لنا أفضل الجهاد: كلمة حق عند سلطان جائر. الله لا يرضى عن ترويع العزل بالتهديد بالقتل. الله لا يحب المن والأذى، والله غنى عن الصدقة المصحوبة بهما، هذا إن اعتبرنا أن عدم قتل القوات المسلحة للمتظاهرين صدقة علينا بحقنا فى الحياة. يا سيادة المشير، أخذت دورك فى الدفاع عن الوطن والقتال فى سبيل الله، وممن هم فى سن أبنائك وأحفادك، من أراد أن يضحى فى سبيل الله حماية ودفاعا عن وطنه، فلم تظن أن الوطنية حكر على البزة العسكرية؟ المصدر : التحرير