وصف أستاذ القانون بجامعة القاهرة ونائب رئيس الوزراء السابق د. يحيى الجمل، الرئيس السابق مبارك بأنه كان يتمتع بعناد شديد وبأفق ضيق، وفي الفترة الأخيرة من رئاسته كان الفاعلان الأساسيان في حياته هما زوجته وابنه جمال، وهما من أهم أسباب تصاعد الأحداث، ويحكي الجمل عن الخطاب الذي وجهه للرئيس المصري قبل تنحيه بعامين يحذره فيه من فكرة التوريث واصفا نجله بأنه شخص غير مقبول شعبيا. وكشف الجمل في الحلقة الأولى من حواره المطول الذي تنشره الشرق الأوسط على عدة حلقات عن سر بقاء مبارك في مصر بعد تنحيه ورفضه لعروض عربية كثيرة قدمت له كي يخرج إليها بصورة مشرفة تتناسب مع تاريخه السياسي والعسكري، في وقت كان الموقف يسمح بذلك قبل 11 فبراير 2011، كما يؤكد نائب رئيس الوزراء السابق أن المجلس العسكري رفض صراحة خروج مبارك بعد التنحي، معتبرا الحديث في هذا الأمر تدخلا يمس السيادة الوطنية، وهو ما تفهمه الطالبون. وهذا بعض مما جاء في الحوار... عما حدث في الخامس والعشرين من يناير الماضي، وبعد مضي أكثر من 8 شهور تسمح لنا بأن نقيم ونحلل، في رأيك ما هو الاسم العلمي الدقيق للفعل السياسي الذي حدث في هذا اليوم وما أعقبه من أيام تالية وحتى تنحي مبارك عن الحكم؟ - استأذنك في أن نبدأ من قبل 25 يناير، آخر عشر سنوات من عمر حكم مبارك كانت حافلة بالعديد من صور التوتر والاحتقان الذي كان متصاعدا يوما وراء يوم، وسنجد ازدراء النظام لإرادة الناس وازدراءه كذلك لإرادة القانون، وهناك أناس قالوا (لا) وكنت من أوائل الناس الذين قالوا (لا) وتحديدا منذ عام 2005 مع إعلان التعديلات الدستورية التي قلت عنها وقتها إنها (خطيئة) دستورية، ولقد وجهت كذلك خطابا مفتوحا لمبارك في بداية رمضان 2008، قلت له فيه بكل وضوح: "ابنك لا قبول له عند أحد ولا تحاول العمل على فكرة التوريث، ابنك يمشي في الأرض مرحا ويصعر خده للناس وخير لك أن تدعو للجنة تأسيسية تدعو إلى دستور جديد وتعلن أنك باق في فترة محدودة في الحكم وبعدها ستتركه". وبطبيعة الحال لم يلتفت مبارك إلى هذا الخطاب وأنا أعرفه جيدا فهذه طبيعته. في رأيك ما هي العوامل الأخرى التي ساعدت على تفجر الوضع وصولا إلى يناير 2011 وما أعقبه من أحداث؟ - الثورة في مصر لم تكن نبتا شيطانيا ظهر على الساحة فجأة، بل عوامل عدة وتراكمات كبيرة على مدار سنوات فجرت الثورة وممن أسهم في اندلاع الثورة الدكتور محمد البرادعي وحركات التغيير مثل كفاية والجمعية الوطنية وغيرها من القوى السياسية العديدة ومن ضمنها الإخوان المسلمون، على الرغم من أنهم كانوا يعملون (من تحت الترابيزة) ولهم طرقهم في الكر والفر ولكنها كانت قوة سياسية معارضة، واذكر أن الإخوان عندما حصلوا على 85 مقعدا في البرلمان، جمعني لقاء بصفوت الشريف وحبيب العادلي وبعض رجال السياسة وقلت وقتها لحبيب العادلي: "حينما تمت الانتخابات البرلمانية تحت إشراف القضاء حصل الإخوان على 85 مقعدا، لكن عندما قمتم بإلغاء الإشراف القضائي في المرحلتين الثانية والثالثة وقمتم بتزوير الانتخابات، الإخوان لم يحصلوا على مقعد واحد"، فقال لي مستنكرا: "وهل أترك البلد تحترق يا دكتور يحيى؟"، فرددت عليه: "أرجوك لا تقل لي ذلك، أنا رجل عملت على بناء هذا الوطن منذ ستين عاما وحتى اليوم، بل انتم من ستحرقون البلد، والمعالجة الأمنية فقط هي التي ستحرق البلد". وهذا ما حدث فعلا في يناير 2011. لكن هل وصل هذا الانفجار أو الحريق إلى مرتبة الثورة؟ - ثورة 25 يناير وصفها الحقيقي أنها (بداية ثورة) استطاعت أن تقتلع رأس النظام وهذا عمل عظيم ولكنها لم تهدم نظاما كاملا ولم تستطع أيضا أن تبني نظاما جديدا حتى هذه اللحظة، وهي بداية ثورة عظيمة مما لا شك فيه، ولكن مع نهاية شهر فبراير وبداية شهر مارس الماضيين بدأ يدخل فيها عناصر كثيرة ليست منها وشباب الثورة الذين قاموا بالثورة لم يعودوا يتصدرون المشهد الآن بل عناصر كثيرة بعضهم دخلاء على الثورة وبعضهم يحاول أن يختطفها أيضا. هل أنت قلق من الوضع الحالي في مصر؟ - المسلمون قبل المسيحيين قلقون.. ومنزعجون.. خائفون، فعجلة الإنتاج تكاد تتوقف، عجلة السياحة معطلة وتغلق شريان الاقتصاد في البلد وهذا يعني مزيدا من الاختناق. كيف كانت علاقتك بالرئيس السابق مبارك؟ - كنت على صلة به منذ أن كان نائبا وفي المرحلة الأولى من رئاسته وبعد ذلك بدأ يتغير وبدأت أنا في الانسحاب من الدائرة المحيطة به، ثم انقطعت علاقتي به تماما منذ عام 1988 وحتى خروجه من المنصب، وهو يتميز للأسف بعناد شديد وبأفق ضيق، وفي الفترة الأخيرة من رئاسته كان الفاعلان الأساسيان في حياته هما زوجته وابنه جمال، وهما من أهم أسباب تصاعد الأحداث. فسر البعض تنحي مبارك وتكليفه للمجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد، بأنه أشبه بمن يقلب الطاولة أو يهدم المعبد على رأس الجميع، لأنه وفق آراء متعددة حول 25 يناير من ثورة شباب إلى انقلاب عسكري؟ ما تعليقك؟ - هذا غير صحيح وتفكيرك أعمق كثيرا من تفكير مبارك!! ومستوى مبارك في التفكير لا يصل إلى هذا المستوى، ولي أن أدلل على ذلك بحكاية بسيطة عشتها معه ولها شاهدان أحدهما على قيد الحياة والآخر رحل، وهما: أسامة الباز ورفعت المحجوب، وتعود وقائعها إلى عهد الرئيس السادات الذي أصفه بالحنكة السياسية الكبيرة، وهي أنه عندما قام بتعيين مبارك نائبا لرئيس الجمهورية جمعتنا جلسة مشتركة تضم كلا من السادات ومبارك والباز والمحجوب، وأثناء الجلسة وجه السادات كلامه لكل من المحجوب والباز قائلا: "حسني أهو، ما يعرفش حاجة (واصل)، وعليكو إنكم تعلموه وتفهموه". ثم قال لمبارك: "وأنت يا حسني اللي يقولك عليه الباز والمحجوب تعمله، فاهم؟؟؟".. والمدهش أن مبارك لم ينطق بكلمة واحدة. لكن الكاتب الصحافي المصري حسنين هيكل أشار إلى لقاء جمعه مع مبارك عام 1982، وحكى أن مبارك قال إنه إذا ما شعر بأي قلاقل شعبية من أي نوع اعتراضا على شخصه فإنه سيقوم بتسليم البلد للجيش (قالها وكأنه سيعاقب الشعب وفق هيكل)، فما تعليقك؟ - كلام مبارك في بداية الثمانينات يختلف تماما عن أفعاله في 2011، فالأمر تبدل كليا، فلقد كان ما زال (ساذجا) وليس متعلقا بالسلطة، وفي أغلب المدة الأولى من توليه الرئاسة كان خائفا، ولا يعرف شيئا، لدرجة أنه في إحدى المرات قال لي: "أنا أمتلك مبلغ 250 ألف جنيه وأريد أن أشتري شقتين لعلاء وجمال في عمارة جديدة في المعادي (جنوبالقاهرة) على النيل ولكن المبلغ هو ثمن شقة واحدة فقط". (هذا المبلغ نتاج مكافأة نهاية خدمة عن خدمته في الحبانية في العراق خلال عمله في الطيران، بالإضافة إلى مكافأة نهاية الخدمة من الجيش عندما عين نائبا)، فقلت له: هل تعرف الحزب الوطني الذي أنت ترأسه، من يملك فيه 10 ملايين جنيه يقال عنه فقير "وهذا ليس حزبك ولا أنت منهم ولا هم منك، فصمت قليلا وقال لي عندك حق"! هل فكر مبارك في هذه الفترة أن يبتعد عن الحزب الوطني؟ - أعلن هذا الأمر لأول مرة، وهي أن مبارك فكر جديا عقب توليه الحكم في أوائل الثمانينات، تقريبا عام 84 في تأسيس حزب جديد خاص به خلاف الحزب الوطني، فقد كان خائفا وقتها من منصب رئيس الجمهورية، وطلب مني ترشيح 50 اسما لكي يكونوا أعضاء في اللجنة التأسيسية للحزب، وحينما قرأ الأسماء كان الاسم الوحيد الذي اعترض عليه هو دكتور مراد غالب، حيث كان يتصور أنه ماركسي، ثم أردف قائلا لي: "أنا عندي اقتراح آخر، وهو أن تأتي برجالك من العروبيين والناصريين وندخلهم الحزب الوطني لكي نسيطر عليه من خلال رجالك!". فاندهشت وغضبت منه بشدة وقلت له "هل تريد أن تحرقني"، وغضبت ثم حدثت بيننا قطيعة كبيرة وبالطبع لم ينشأ الحزب المزعوم. كنت مرشحا لتولي منصب رئيس مجلس الشعب (البرلمان المصري) قبل أن يذهب المنصب إلى الدكتور فتحي سرور، احك لنا ملابسات استبعادك من هذا الترشيح؟ - لقد رشحت لرئاسة مجلس الشعب بعد وفاة الدكتور رفعت المحجوب وقد كلمني في هذا الأمر وزير الداخلية بشكل صريح، ولكن حدث في ذات التوقيت أن أجرى معي صحافي من الأهرام حوارا صحافيا وكان من ضمن الأسئلة التي وجهت لي، ما رأيك في الحزب الوطني؟، فقلت له: إن الحزب الوطني ما خير ما بين أمرين إلا اختار أسوأهما، فنزل هذا التصريح ثاني يوم مانشيت رئيسي وعنوانا للحوار، وفوجئت أن مبارك يهاتفني ويقول لي: ماذا أقول لهم الآن وأنت تقول عليهم ذلك، فقلت له أنا لم أطلب شيئا يا سيادة الرئيس ولم أسع للمنصب، وأغلق الموضوع بعد ذلك. وهناك واقعة طريفة حدثت بعد ذلك بسنوات، حيث قابلت صدفة في الشانزليزيه الصحافي سيد علي وهو من أجرى معي الحوار الذي أشرت إليه، ولاحظ محرر صحيفة الأهرام أن الكثير من المصريين والعرب يقومون بتحيتي بحرارة، فقال لي: بذمتك لو كنت أصبحت رئيسا لمجلس الشعب بدلا من فتحي سرور، هل كان الناس سيحتفون بك هكذا!! بحكم قربك الشديد من الأحداث خلال الشهور الستة الماضية، لماذا تنحى مبارك يوم 11 فبراير؟ - بكل صراحة وشهادة للتاريخ أقول إن مبارك طلب من الجيش ضرب المتظاهرين والجيش رفض، وقتها أدرك أن النهاية اقتربت فلم يكن هناك مفر من التنحي. وبعد تنحيه هل تكرر طلب استضافته خارج مصر؟ - نعم تكرر طلب بعض الدول العربية أن يسافر مبارك وعائلته لديها وتم ذلك بقدر شديد من اللباقة والكياسة والاحترام، ولكن قيل لهم بوضوح وحسم "إن الأمر يتعلق بالسيادة الداخلية لمصر ولا مجال للكلام في هذا الأمر"، وبالفعل لم يطلب منا هذا الأمر مرة أخرى.