أظن أن صناع القرار سيضطرون إن آجلا أو عاجلا إلى القيام بعملية تأميم محدودة وقانونية لثروات اللصوص الذين سرقوا ونهبوا أموال الشعب. هذه العملية ستكون اضطرارية لأننا سنكتشف فى نهاية المطاف أنه لا يمكن للثورة أن تنجح إلا بإعادة الأموال لأصحابها الأصليين وهم الشعب. ثورة يوليو 1952 ما كان لها أن تنجح دون قانون الإصلاح الزراعى الذى استرد الأراضى من كبار الإقطاعيين التى أهداها لهم محمد على وأولاده ومن دون عملية التأميم الواسعة للشركات والمصانع أوائل الستينيات. لا أتحدث هنا عن عملية مشابهة، ولا أطالب باشتراكية علمية أو حتى استنساخ بعض تجارب بلدان أوروبا الشرقية أثناء الحقبة السوفييتية. الدنيا تغيرت ولا يمكن إلغاء دور القطاع الخاص الوطنى.. كل ما أطرحه للنقاش هو استرداد ما تمت سرقته فقط. لا أقصد أيضا القضايا التى يحقق فيها جهاز الكسب غير المشروع الآن، فهذا الجهاز يسأل أحمد عز عن كيفية تضخم ثروته، وقد يسترد من عز مثلا 200 مليون جنيه رسما لرخصة مصنع الحديد فى السويس لم يدفعها.. أو يسترد بعض أراضٍ حصل عليها محمد أبوالعينين أو غيره ولم يسدد ثمنها. ما أقصده هو ثروات هؤلاء الذين يقولون إنهم حصلوا عليها بطرق مشروعة. السؤال بصيغة أخرى: إذا كان عز قد سيطر على شركة حديد الدخيلة المملوكة للدولة طبقا لقوانين أقرها وصادق عليها نظام فاسد، فهل ستقف الدولة عاجزة لمجرد أن عز يملك مستندا رسميا عليه ختم النسر يقول إن عملية السيطرة كانت قانونية؟!. كثير من رموز النظام السابق كونوا ثروات ضخمة نتيجة قوانين فاسدة لكنها أمام القانون سليمة، ومثال ذلك الذين حصلوا على ملايين الأمتار من أراضى الدولة بأسعار متدنية جدا ثم باعوها بعدها بأيام بأسعار خيالية أو احتفظوا بها حتى الآن وصارت ثرواتهم بالمليارات. هذه الثروات ورغم انها سليمة على الورق وأمام القانون إلا أنها مال حرام تم الاستيلاء عليه من الشعب بالخداع والتدليس والتزوير. مثل هذه الأموال والثروات لابد أن تعود للشعب ليس فقط لأسباب قانونية، لكن لأسباب سياسية واجتماعية واخلاقية أيضا. سنفترض أن ثروة أحد رموز نظام مبارك هى مليار جنيه كونها من المال الحرام لكننا لن نستطيع أن يسترد منه بالقانون سوى 100 مليون جنيه... فماذا سيحدث وقتها؟. الإجابة بسيطة: مثل هذا الفاسد وأمثاله سوف يتم سجنهم لفترات قليلة أو يخرجون من القضايا بعد رد بعض الأموال ثم يتفرغون لشن حرب مضادة نرى بعض إرهاصاتها الآن، فهل بالله عليكم هناك ثورة تترك خصومها يمرحون هكذا؟. مرة أخرى لا أتحدث عن رجال أعمال شرفاء كثيرين اكتسبوا أموالهم أثناء حكم مبارك بالقانون. وربما تضرروا من الفساد والمفسدين.. لكن أتحدث عن الطبقة الفاسدة التى جرفت ثروات مصر ونزحتها وحولتها للخارج، ومن حسن الحظ أنها لا يمكنها أن تهرب الأرض للخارج!!. لو كنا جادين فعلا فعلينا بحث هذا الأمر فورا.. لا يمكن سجن لص سرق مال الشعب وأفسد حياته السياسية فى حين أن أمواله تواصل اللعب والتأثير. وتذكروا أن عبدالناصر ظل يرفض التأميم لسنوات، لكنه اكتشف أنه شىء لا مفر منه. لم نسمع عن ثورة نجحت فى أى بقعة فى العالم سجنت اللصوص ثم تركت فلوسهم تواصل اللعب والتأثير خارج السجن.