مطلوب من كل القوى السياسية والمجتمعية أن تجيب عن مجموعة من الأسئلة المهمة فى هذه اللحظة العصيبة. السؤال الأول: هل تعتبر أن ما جرى فى مصر يوم 25 يناير ثورة أم حركة أم انتفاضة أم انقلاب أبيض؟ إذا كانت الإجابة هى ثورة فهذا ينقلنا مباشرة إلى السؤال الثانى: هل لدى هذه القوى والتيارات الاستعداد والرغبة فى اكتمال الثورة؟ السؤال الثالث: هل لدى هذه القوة الشجاعة الكافية للاعتراف بأن فصيلين من الفصائل المشاركة فى الثورة، هما حركة كفاية وحركة شباب 6 أبريل، كانا أول من نزل إلى الشارع المصرى منذ عامى 2004 و2005 يعلنان صراحة ولأول مرة فى زمن حكم حسنى مبارك معارضة بقاء الرئيس المخلوع فى الحكم أو توريثه لابنه؟ إن حركة كفاية التى ضمت مزيجا جامعا لكل أطياف الشعب المصرى، من الليبراليين والقوميين واليساريين والإخوان المسلمين كانت أول إطار وطنى يقول لحسنى مبارك كفى، وتعلن بمنتهى الوضوح مقاومتها لانتقال الحكم من بعده إلى ابنه. وفيما بعد كانت حركة شباب 6 أبريل المشكلة من قطاعات عريضة من الشباب المصرى بمختلف انتماءاته وتوجهاته الفكرية والسياسية، تمتلك الجرأة على النزول إلى الشارع لمعارضة نظام حسنى مبارك، فى الوقت الذى كانت فيه الأحزاب التقليدية تلعب دورها المرسوم لها فى ورشة سيناريوهات صفوت الشريف، والذى لا يتعدى ممارسة لون من ألوان المعارضة المسرحية الهزلية، فقط من أجل تجميل صورة النظام، ودون أدنى محاولة أو تفكير فى إزاحته. وتلا ذلك ظهور محمد البرادعى فى الساحة السياسية المصرية عام 2009، وتشكلت الجمعية الوطنية للتغيير، ولأول مرة يسمع حسنى مبارك من أحد أنه لم يعد جديرا بالاستمرار فى حكم البلاد.. وأن هناك من يسعى بوضوح وإصرار إلى إزاحته والتصدى لسيناريو توريث ابنه، ومثلما تشكلت «كفاية» من مختلف ألوان الطيف السياسى المصرى، ضمت الجمعية الوطنية للتغيير فى بداياتها الليبرالى والقومى واليسارى والإسلامى والوسطى، ولأول مرة صار المصريون يتعاملون مع التغيير على أنه واقع يمكن تحقيقه والوصول إليه، وليس مجرد حلم يستبد بالمشاعر والتمنيات. وبما أن ذلك كذلك، فإن على الجماعة الوطنية المصرية أن تدرك أن الطعن فى وطنية فصيل منها هو طعن وتخوين لها جميعها، وبالتالى يصبح الصمت على اتهام فصيلين مهمين من صناع التغيير فى مصر صمتا على اتهام للثورة المصرية كلها، وخدشا لبهائها وتشكيكا فى مصريتها. وبما أن القوات المسلحة المصرية أعلنت شراكتها فى هذه الثورة وحمايتها واحتضانها لها، فإنه يصبح غريبا أن يتحدث أعضاء المجلس العسكرى عن رافدين أساسيين من روافد هذه الثورة باعتبارهما ناقصى الوطنية، وغير مكتملى المصرية، ومرتبطين بالخارج، ومنفذين لمخططات تهدف إلى تقويض الدولة المصرية. إن ترديد مثل هذا الكلام الأجوف يعنى أن رجلا مثل الراحل العظيم الدكتور عبدالوهاب المسيرى أحد آباء حركة كفاية العظام لم يكن مكتمل الوطنية والمصرية. كما أن التنكر لميدان التحرير ونهش سمعته ورمزيته على هذا النحو لا يعنى سوى أن روح مصر فى التحرير، بينما عقلها فى «العباسية» وقانا الله وإياكم كل مكروه.