أصبحنا الآن أشبه بمن يريد تكبير صورة حتى يرى تفاصيلها جيدا، ولكن ولأن الصورة غير واضحة أصلا كلما قمنا بتكبيرها «بكسلت» منا. والبكسلة لمن لا يعرفونها هى ما يحدث من ضياع لملامح الصورة عندما نقوم بتكبيرها بما لا يتلاءم مع حجمها الأصلى حيث تصبح الصورة أكبر مقابل ضياع وتشوش الملامح لتصبح الصورة أشبه بصورة أشباح ترون فيها خيالات غائمة وهائمة وضبابية دون القدرة على تحديد التفاصيل الدقيقة. فبعد عودة الثوار إلى ميدان التحرير للضغط من أجل تحقيق مطالب الثورة أصبح لزاما على «فرقة النظام البائد للفلول الشعبية» اللجوء إلى استراتيجية جديدة تقتضى منهم تقسيم أنفسهم بين ميادين مصر بشكل مختلف، فتمركز بعضهم فى ميدان التحرير لتشويه صورة الثورة والثوار -وهو الهدف الأهم الآن- بينما لجأ آخرون إلى ميدانهم الأثير (ميدان مصطفى محمود) لمواصلة رقصتهم الفلولية العبيطة.. ولجأ آخرون إلى استقطاب حزب الكنبة حيث قاموا باستغلال موجة الحر التى تمر بها مصر اليومين دول لإقناع السادة أعضاء وقيادات حزب الكنبة بضرورة الخروج من المنازل حيث الحر والرطوبة إلى ميدان روكسى حيث الهواء والطراوة، وقاموا بتسمية أنفسهم الأغلبية الصامتة التى قررت الكلام الآن تحديدا. ليصبح عندنا الآن ثلاثة ميادين: واحد للتحرير، واثنان للعبودية والكنب! نفس تلك التركيبة سوف تجدونها فى جميع محافظات مصر الجميلة.. وهو ما يجعل الصورة أكبر والتفاصيل أكثر، وهو ما يساعد على بكسلة الصورة أكثر كلما أردنا تقريبها لاستيضاح الأمور وملاحظة التفاصيل. ولكن وعلى الرغم من كل تلك البكسلة تظل هناك تفاصيل واضحة ليست بحاجة إلى عين تلاحظها بقدر ما هى بحاجة إلى عقل يرصدها. لا تنتظروا من الإخوان أو السلفيين فكرا جديدا، فهم لا يعلمون سوى ما لقنه إياهم قياداتهم. لهذا.. لماذا يجهدون خلايا عقلهم فى التفكير ما دام أن أولى الأمر منهم يفكرون بالنيابة عنهم، ويخططون بالنيابة عنهم، ويقولولهم يا إخوان: يمين، فيتحرك الإخوان يمين، ثم يقولولهم يا إخوان: شمال، فيتحرك الإخوان شمال. وعلى الرغم من أن بعضكم قد يعتبر جمع الإخوان والسلفيين فى سلة بيض واحدة خطأ سياسيا ومنهجيا، فإنى لا أعتبره كذلك، حيث إنه حتى إن اختلفت المنهجية الفكرية والمرجعية الدينية وكل هذا الكلام الكبير الذى أصبحتم تسمعونه كتير وعمال على بطال اليومين دول فإن كلتا الجماعتين تتفق على السعى تجاه الماضى والرجوع بعجلة الزمن إلى الوراء وهم فى سبيل ذلك ينفقون الغالى والنفيس من خلايا عقولهم التى أوقفوها منذ زمن عن التفكير على الرغم من أن الله خلقنا وزودنا بهبة العقل لسبب رئيسى.. أن نستخدمه فى التفكير! لا تنتظروا من الشعب الذى يتشكل منه نسيج مجتمعنا الملىء بالتناقضات أن يصبح فجأة متسقا مع نفسه بين ليلة وضحاها. وفى هذا الصدد أراهنكم أن كثيرين من أبناء هذا الوطن الجميل والغرائبى والعجيب قد اختلطت المفاهيم جميعها عليهم ولم يعودوا قادرين على التمييز بين هؤلاء وهؤلاء، ولم يعودوا قادرين على تحديد من ينبغى أن يصدقوه ومن ينبغى أن لا يعطوه آذانهم.. كله دخل فى بعضه.. وأصبحت الثورة التى ذهبت بالعصابة التى كانت تحكمنا هى الثورة التى شقلبت حال البلد التى كان حالها أصلا مشقلب.. وطبعا أنتم لستم فى حاجة إلى أن أذكركم بأن شقلبة المتشقلب تعد عدلا له.. مش شقلبة ولا حاجة.. وبدأ أبناء ميدانى روكسى ومصطفى محمود والإخوان والسلفيون يتملقون المجلس العسكرى الذى لم يطلب من أحد أن يتملقه أساسا.. وتحت دعوى حرية التظاهر تم إخلاء ميدان التحرير من أى قوات للجيش أو الشرطة منعا لحدوث أى اشتباكات بينهم وبين الشعب، ليصبح الميدان مرتعا للجميع، اللى بجد واللى مش بجد، الفاهمين واللى مش فاهمين، من يفكرون ومن لا يفكرون. هذا على الرغم من أن حرية التظاهر والاعتصام الحقيقية تقتضى حماية السلطات المسؤولة تلك التجمعات.. مش يسيبوهم منهم للبلطجية والفلول والهمج! أما بقى فى ما يخص المجلس العسكرى، فبعد بيانه الأخير الذى يتهم فيه بالاسم مجموعة شباب 6 أبريل بمحاولات إثارة الوقيعة بين الجيش والشعب (اللى كانوا إيد واحدة ثم اكتشفوا مؤخرا أنهم إيدين اتنين).. انتظروا فى الأيام القادمة أن تزيد بكسلة الصوره أكثر و أكثر وأكثر...