برنامج تدريبي لأعضاء هيئة التدريس عن التنمية المستدامة بجامعة سوهاج    برامج جديدة للدراسة بكلية التجارة بجامعة المنوفية    من هو الشهيد إبراهيم قبيسي خبير الصواريخ في حزب الله؟    "المقاومة العراقية" تستهدف قاعدة رامون الجوية الإسرائيلية بطائرة مسيرة وتل أبيب تفرض حظرا على النشر    بعد إعلان إسرائيل اغتياله.. حزب الله ينعى القائد العسكري إبراهيم قبيسي    «ألماس» كلمة السر.. حزب الله يستعد لمواجهة جيش الاحتلال بريا    اليوم، مؤتمر صحفي بنقابة الصحفيين حول أزمة تأشيرات مباراة السوبر الإفريقي    محمود الليثي وإسلام إبراهيم يكشفان تفاصيل دورهما في فيلم عنب (فيديو)    وفري في الميزانية، واتعلمي طريقة عمل مربى التين في البيت    الجرام يتخطى 4100 جنيه رسميًا.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    بريطانيا تدعو مواطنيها لمغادرة لبنان "فورا"    أحمد موسى: مصر لها جيش يحمي حدودها وشعبها ومقدراته    تحرك عاجل من كاف قبل 72 ساعة من مباراة الأهلي والزمالك بسبب «الشلماني»    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بأكتوبر    «القليوبية» تنفي تلوث مياه الشرب في المحافظة    وزير خارجية لبنان: حوالي نصف مليون نازح بسبب العدوان الإسرائيلي    بعد ظهورها في أسوان.. تعرف على طرق الوقاية من بكتيريا الإيكولاي    جولة مرور لوكيل «صحة المنوفية» لمتابعة الخدمات الصحية بالباجور    بشرى للموظفين.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 للقطاع العام والخاص والبنوك (هتأجز 9 أيام)    ريم البارودي تعود في قرار الاعتذار عن مسلسل «جوما»: استعد لبدء التصوير    «صعبت عليا نفسي جامد».. محمد شريف يتحدث عن لقطته مع كيروش    عمارة ل«البوابة نيوز»: جامعة الأقصر شريك أساسي لتنمية المحافظة وبيننا تعاون مستمر    البحرين وكينيا تبحثان تطوير أوجه التعاون الثنائي في مختلف المجالات    محافظ أسوان يطمئن المصريين: ننتظر خروج كل المصابين نهاية الأسبوع.. والحالات في تناقص    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء في الدوري الإسباني وكأس كاراباو بإنجلترا    خطر على القلب.. ماذا يحدث لجسمك عند تناول الموز على معدة غارفة    محافظ الأقصر: «أي مواطن لديه مشكلة في التصالح يتوجه لمقابلتي فورًا»    محافظ الأقصر ل«البوابة نيوز»: المرحلة الثانية لمبادرة حياة كريمة تستهدف قرى البياضية والقرنة    بعد اختفائه 25 يوما، العثور على رفات جثة شاب داخل بالوعة صرف صحي بالأقصر    غلطة سائق.. النيابة تستعلم عن صحة 9 أشخاص أصيبوا في انقلاب سيارة بالصف    وزير الاتصالات: التعاون مع الصين امتد ليشمل إنشاء مصانع لكابلات الألياف الضوئية والهواتف المحمولة    قطع المياه اليوم 4 ساعات عن 11 قرية بالمنوفية    وفاة إعلامي بماسبيرو.. و"الوطنية للإعلام" تتقدم بالعزاء لأسرته    "صورة مع التورتة".. محمود البزاوي يحتفل بعيد ميلاده    ما حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور    فريق عمل السفارة الأمريكية يؤكد الحرص على دفع التعاون مع مصر    زيادة جديدة في أسعار سيارات جي إيه سي إمباو    حال خسارة السوبر.. ناقد رياضي: مؤمن سليمان مرشح لخلافة جوميز    فابريجاس يحقق فوزه الأول في الدوري الإيطالي    حريق داخل محل بجوار مستشفى خاص بالمهندسين    رياضة ½ الليل| الزمالك وقمصان يصلان السعودية.. «أمريكي» في الأهلي.. ومبابي يتألق في الخماسية    بعد الاستقرار على تأجيله.. تحديد موعد كأس السوبر المصري في الإمارات    زيلينسكي يؤكد لمجلس الأمن الدولي أن أوكرانيا ستهزم روسيا    الكيلو ب7 جنيهات.. شعبة الخضروات تكشف مفاجأة سارة بشأن سعر الطماطم    حظك اليوم| الأربعاء 25 سبتمبر لمواليد برج الحمل    خلال لقائه مدير عام اليونسكو.. عبد العاطي يدعو لتسريع الخطوات التنفيذية لمبادرة التكيف المائي    حظك اليوم| الأربعاء 25 سبتمبر لمواليد برج القوس    حدث بالفن| وفاة شقيق فنان ورسالة تركي آل الشيخ قبل السوبر الأفريقي واعتذار حسام حبيب    محافظ شمال سيناء يلتقي مشايخ وعواقل نخل بوسط سيناء    هل الصلاة بالتاتو أو الوشم باطلة؟ داعية يحسم الجدل (فيديو)    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    مقتل عنصر إجرامي خطر خلال تبادل إطلاق النار مع الشرطة في قنا    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأربعاء والأرصاد تزف بشرى سارة لمحبي الشتاء    لرفضه زواجه من شقيقته.. الجنايات تعاقب سائق وصديقه قتلوا شاب بالسلام    هل هناك جائحة جديدة من كورونا؟.. رئيس الرابطة الطبية الأوروبية يوضح    رسائل نور للعالمين.. «الأوقاف» تطلق المطوية الثانية بمبادرة خلق عظيم    أمين عام هيئة كبار العلماء: تناول اللحوم المستنبتة من الحيوان لا يجوز إلا بهذه الشروط    خالد الجندي يوجه رسالة للمتشككين: "لا تَقْفُ ما ليس لكم به علم"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



'مسيرة الأكفان': رواية لم تنشر للراحل محمد عبد السلام العمري تنبأت بثورة الشباب في مصر
نشر في 25 يناير يوم 13 - 07 - 2011

كان من المشاهد اللافتة خلال ثورة شباب مصر في ميدان التحرير بالقاهرة مشهد بعض المتظاهرين الذين ارتدوا أكفانا بيضاء ، تعبيرا عن استعدادهم للاستشهاد فداء لقضية الوطن والحرية. وقد جسد ذلك المشهد تعبيرا قويا عن كل العوامل التي دفعت إلى الوصول إلى اللحظة الثورية التي اندلعت شرارتها في الخامس والعشرين يناير 2011 , يشكل هذا المشهد محور عمل روائي عظيم لم ير النور، أبدعه الراحل محمد عبد السلام العمري، الذي وافته المنية في الرابع عشر من يوليو 2010 ، قبل اندلاع شرارة الثورة ببضعة شهور .
جدير بالذكر أن السجل الأدبي لمحمد عبد السلام العمري مثل تاريخا ناصعا في معارضة نظام ما قبل الخامس والعشرين من يناير 2011، حيث تصدي في مختلف أعماله لكل قضايا الفساد السياسي والاجتماعي، سواء داخل مصر أو على اتساع خريطة الوطن العربي , وتصدى العمري بوجه خاص لفساد الثقافة العربية والمسؤولين عنها، وأصدر، على حسابه الخاص، دراسة بالغة الأهمية تحت عنوان 'ثقافة الهزيمة' كشف فيها عن كل موبقات السلطة الثقافية التي احتكرت مقاليد التحكم في الشأن الثقافي في مصر لسنوات عديدة.
وإذا كانت بعض رواياته قد اتخذت من الممالك الخليجية مسرحا لشخوصها وأحداثها، فقد كان همه الأول هو الدفاع عن حرية الإنسان العربي عموما والتطلع إلى مستقبل ينعم بالحرية والتقدم الإجتماعي والتحرر من الهيمنة الأجنبية بكل صورها .
ومن أبرز أعمال العمري : 'اهبطوا مصر، النخيل الملكي، صمت الرمل، قصر الأفراح، مأوى الروح' , وكل هذه الأعمال تنبض بالفكر المعارض واللصيق بتراب الوطن والمتطلع دائما إلى مستقبل أفضل لأبناء وطنه والوطن العربي عموما.
رواية "مسيرة الأكفان "
احملوا الأكفان، شعار غير مسبوق، تجمعت حوله جماهير الشعب عن بكرة أبيها، مؤيدة، هل أجبروا الشعب على حمل كفنه، أو أن الموت تساوى مع الحياة عند الناس، فخرجوا رافعين أكفانهم؟ لبسوا ملابس الإحرام البيضاء، الشعب بكل فئاته، خرج إلى الشوارع منذ صباح اليوم، عارفا أن يوم موتهم طويل، تداخل الليل بالنهار، يحمل كل واحد كفنه، صائحا: احملوا الأكفان، يمد كل فرد يديه أمامه، في وضع أفقى متواز، واضعا كفنه عليهما.
احتشادات متنوعة مجتاحة من كل اتجاه، سمة الحشود البياض، خرجت المظاهرات، معبرة عن التمرد على القهر، والأوضاع القائمة، وكان الجوع الدائم قد عض البطون، فوضح المتظاهرون هكذا، هياكل عظمية.
بدأت أحداث شغب حاملي الأكفان بالهتافات المعادية، متقدمين إلى مناطق منع الأمن وجود المظاهرات فيها، معبرين تعبيرا دقيقا، عن رغبة مجنونة في الموت، اجتاحت الشعب، اشتعلت المظاهرات أخذت تطوف العاصمة، رأى البعض أنها جديرة بالتأييد، بالأسلوب نفسه، انضموا إليها، حاملين أكفانهم، التي بدت في الأوان الأخير ملازمة للشخصية المصرية أينما رحلت.
رددت المظاهرات هتافات عدائية ضد الأجهزة والقائمين على أمور الوطن، بدت واضحة حتى هذه اللحظة سمة التحضر والتنوع على المتظاهرين؛ حتى لا يعطوا الأجهزة الأمنية فرصة التصادم معهم، لم يتلفوا المنشآت، لم يحرقوا السيارات، تجمعاتهم الكثيرة في أنحاء متفرقة من العاصمة، بعض المدن، عطلت المواصلات العامة والخاصة، استعانوا بالأشجار والأحجار؛ لحماية أنفسهم من هجمة الأمن الشرسة، المتوقعة، التحموا بالشوارع، وأشعلوها، هتافا مقاومة، وقد انضمت المظاهرات إلى بعضها، والتحمت، فأضحت العاصمة هديرا جارفًا من الهتافات والعداءات للحكم، متماسكة الالتحام، الرؤوس بالنسبة إلى الناظر من أعلى شوارع أسفلتية أفقية.
تنطلق الحجارة من أكفانهم، تأتى أصوات ميكروفونات التحذير من مناطق متفرقة، متفهمة، داعية، منذرة، متوعدة، تسللت إلى الصفوف شراذم من الغوغاء، ضعاف النفوس، المخربين، جابت الشوارع والميادين الفرعية، والرئيسة، وقد أصر المتظاهرون على استمرار الشغب المتواصل؛ إذ في لحظة إنارة أيقنوا أن الحياة والموت متساويان، وأن لا فرق، وقد نالت مباني أقسام الشرطة بالذات ورجالها القسط الأوفر من الهجوم.
نتج عن ذلك وقوع حوادث حريق، وإتلاف وتعد، قاوموهم باستدعاء فريق استخدام طلقات الرش في الهواء، القنابل المسيلة للدموع.
تتطاير الأكفان في الهواء؛ جراء الاختناق، مستنجدة بمسامها التي تخترق قدرا من الهواء النقي والأكسجين، معترضة على طريقة الخنق المستحدثة هذه، تتساقط من عليائها، من أعلى شظايا طلقات الرش، لكنها الأكفان تأخذهم، تحرضهم، تساعدهم على اختراق جموع أبناء الوطن وحشوده، حاملي الأكفان.
استعدوا للموت استعدادا يليق بشعب عريق؛ فقام كل واحد بطريقته الخاصة، باختراع الوشم اللائق به، والمريح وتصميمه وتنفيذه، وشم أحدهم اسمه بين الكتفين، ثم أضاف إليه رقم قسيمة الزواج، آخر سهلت له إحدى شركات المحمول رقما متطابقا، مع رقم لوحة سيارته، منهم من وشم عضوه، آخر وشم باطن قدمه، تشابهت الوشمات كثيرا؛ حيث ملايين الشعب بدأت بنقش الأوشام؛ فتعددت عناوين المنازل على أجساد البعض، مفكرا في تلك اللحظة، التي تعاقبت فيها طلقات الرش، أن يضيف هواتف أخرى لعدد من الأصدقاء والأقارب، ربما على السواعد والأقدام.
بثت ظاهرة الجثث مجهولة الهوية الرعب في أرجاء الوطن، دفعت الشعب إلى البحث عن وسائل تمكن ذويهم من التعرف على جثثهم.
وقد أتقنوا نقش الوشم على الجسد عندما كانوا نزلاء سجون زاهي بدران مسؤول أمن الوطن، مارسوا النقش من باب الهواية، وتزجية الوقت، وخدمة الأصدقاء، وعندما انتشرت هواية نقش الأجساد، أصبحت هناك أيدٍ عاملة متخصصة، بعد أن كانت عاطلة، احترفت المهنة، تزاحموا، وقفوا طوابير طويلة، من دون أن يعرفوا الأسباب، كعادة المصريين، ارتعدوا من فرق الموت الخاطفة، ومن المصير الذي انتهى إليه البعض.
ترددت الأنباء عن الجثث المجهولة التي ملأت شوارع القاهرة، والمدن المصرية الأخرى، يتم العثور عليها يوميا عقب صلاة الفجر، يجدونها مشوهة، ممثلاً بها؛ فلجأوا إلى النقش التعريفي. عارفين أن هذا النقش لن ينفع إذا أرادوا تشويه الجثة وإحراقها.
استسلم المصريون للأمر الواقع مع حوادث الموت، مجهولة المصدر؛ باعتبارها أمرا محتوما، فظهرت موضة بين المتخصصين موازية لحوادث الموت، على مستويات اجتماعية متعددة، حكومية، دينية، قبلية نتجت عن تأثير موجات العنف والقتل، المتبادل على الهوية الوطنية.
في أوان آخر، لاحظوا ارتفاع مستويات التشويه؛ نتيجة استحداث أجهزة التعذيب؛ إذ ظهرت جثث عليها آثار الحرق بحامض النتريك، على الوجوه تحديدا.
وقف الشعب طوابير طويلة عديدة أمام مشارح المستشفيات العامة والخاصة، كأول خطوة تسبق البحث في مراكز الشرطة، فيما نجحت طريقة الوشم على الجسد، في تمييز بعض الأهالي لضحاياهم من بين مئات الجثث الملقاة في زوايا مشارح المستشفيات، قررت الحكومة تنفيذ مشروع توسعتها عدة مرات عن سعتها الحالية.
اتخذت خطوات سياسية وأمنية لتحد من نفوذ فرق الموت الحكومية، غير المرصودة، غير المعروف مركزها، لم يكن أحد يعرف لمن تتبع؟ استعاروا أسلوب التعرف على الهوية من عصابات العالم المنظمة، المتخصصة، معاينة بعض الجثث أثبتت وجود نسق معين للوشم، سواء في اختيار المكان والخط، أو في الشكل المنقوش.
الإبر والرماد والألوان الخضراء والحمراء حسب طلبات الشعب هي وسيلة الوشم وسمته، كما أن البعض وشم جسده ببرج حظه، فظهرت العقارب، العذراء، الجوزاء، الحملان، الأسود، وغيرها من الأوشام، مثل الطيور والنساء العاريات، والأخرى محجبات ومنتقبات.
طلب البعض كتابة الرسائل الوشمية التي تفيد بأنه إنسان مسالم، ليس له في أي أحزاب سياسية، أو معتقدات دينية، غير مشاغب بالمرة، يرغب في المشي على الحائط، أو داخله إن أمكن، يرغب في سلام دائم.
وهكذا بدت عدوى الموت في الانتشار، عندما تمشي في شارع ما أو تقود سيارتك في شارع آخر، تجد الجثث المشوهة الملقاة على جانبي الطريق، إلى الدرجة التي لاحظ فيها أحد أصحاب السيارات، جثثا ممدة بالتوازي على الطريق الدائري، بدءا من المنيب حتى مسكنه عندما نزل في التجمع الأول بالقاهرة الجديدة ، وعندما ركن سيارته وجد جثثا في الجراج، وأخرى على باب فيلته، وأينما تكن تظهر الجثث، وقد انتشرت الروائح متنوعة الكراهة.
سمة الجثامين التشوه، في مكان ما من جسده، هناك مجزرة، تبدو أحيانا غير واضحة، وأخرى ظاهرة للعيان، كسحق الجماجم، وقطع الرقاب، الكلاب دائمة تنهش الجثث، تتناوبها واحدا إثر آخر، وبدا أن لكل جثة عدة كلاب، تتناطح، و'تهوهو'، وتقاتل في التمزيق، والنهب والقطع، تمزق الملابس والأجساد وتنهش، تسيل الدماء من أشلائها، وعندما تبدو أنها تناولت القدر الكافي، تتأنى ثم ترفع رأسها، تهزها شمالا ويمينا، ثم تتقمص زئيرا، وعواء المنتصرين، مستعدة لنهش جديد.
لقد تعددت الأسباب التي جعلت اجتماعات الحكومة من الأهمية بمكان، آخر من يعلم دائما، وآخر من يحضر، وآخر من يتفاعل، ثم تشكل اللجان عديمة الفائدة، وقد حملوا المواطنين تبعات الأخطاء المتعددة، والمتكررة.
بدا أن الشعب لديه رغبة عنيفة في الموت، يتحين الفرص ليخلق جو الموت المناسب، يتحركون في كل مكان مستعدين له بحمل الأكفان، التي ظهرت واضحة أعلى قطارات السكك الحديد، بكثرة غير متعارف عليها، يتسلقون سطوح القطارات، يعبثون بأجهزة الربط، بسبب غلق الجزرة المتصلة بقوة الفرامل، من خلال كومبروسر الهواء، من الجرار إلى العربات، يؤدي إلى فصل الهواء بين الجرار والعربات، اندفاع رهيب، يخرج الجرار من مساره ، يرتطم بالأسوار، والمحلات والأسواق ، والعمارات، تأتي الأوناش، وعربات الإسعاف متأخرة، كتل الأهالي المتوجسة، الملتاثة، تحيط بالمكان، يعيقون حركة الإسعافات، مثل انهيار العمارات، سمتها تكدس الموتى والجرحى، تضيع هوية البعض، يدفنون بمدافن الصدقة التي امتلأت عن آخرها.
عجز الوطن عن التخلص من موتاه، أو الوصول إلى اتفاق معهم، يطاردهم ويطردهم؛ مما حفز الموتى على التضامن مع حملة الأكفان، خرجوا من مقابرهم، متبرعين بأكفانهم للموتى الذين ليس لديهم المقدرة على شرائها. أوقدوا شموعا في القبور لاستقبال القادمين، وقد عرفوا سر الموت، فما ان يرقد الإنسان ، حتى يبدأ التراب في احتوائه داخل الأرض من جديد؛ فمنذ لحظة ولادته من بطن أمه، تبدأ قوة الأرض وجذبها تعمل عملها فيه.
بدا أن الشعب لديه رغبة عنيفة في الموت، يتحين الفرص ليخلق جو الموت المناسب، يتحركون في كل مكان مستعدين له بحمل الأكفان، التي ظهرت واضحة أعلى قطارات السكك الحديد، بكثرة غير متعارف عليها، يتسلقون سطوح القطارات، يعبثون بأجهزة الربط، بسبب غلق الجزرة المتصلة بقوة الفرامل، من خلال كومبروسر الهواء، من الجرار إلى العربات، يؤدي إلى فصل الهواء بين الجرار والعربات، اندفاع رهيب، يخرج الجرار من مساره ، يرتطم بالأسوار، والمحلات والأسواق ، والعمارات، تأتي الأوناش، وعربات الإسعاف متأخرة، كتل الأهالي المتوجسة، الملتاثة، تحيط بالمكان، يعيقون حركة الإسعافات، مثل انهيار العمارات، سمتها تكدس الموتى والجرحى، تضيع هوية البعض، يدفنون بمدافن الصدقة التي امتلأت عن آخرها.
عجز الوطن عن التخلص من موتاه، أو الوصول إلى اتفاق معهم، يطاردهم ويطردهم؛ مما حفز الموتى على التضامن مع حملة الأكفان، خرجوا من مقابرهم، متبرعين بأكفانهم للموتى الذين ليس لديهم المقدرة على شرائها. أوقدوا شموعا في القبور لاستقبال القادمين، وقد عرفوا سر الموت، فما ان يرقد الإنسان ، حتى يبدأ التراب في احتوائه داخل الأرض من جديد؛ فمنذ لحظة ولادته من بطن أمه، تبدأ قوة الأرض وجذبها تعمل عملها فيه.
والحال هكذا، تزايد بلا حدود إلى درجة الازدحام، الضرب والمضايقات، السحل والسحق، أعطى هذا معنى واحدا، فهمه كل من شارك في مسيرة الأكفان، هذه التي تتجه إلى قبلة الوطن، من كل اتجاه، خروج تلقائي هكذا بالفطرة، من دون أي تخطيط، مطالبهم تعددت، تمس عناصر الحياة كاملة، وكما كانت الأجساد موشومة بعلامات وأرقام ورموز، وشموا الأكفان بما هو متعارف عليه من مطالبهم، نقلتها الفضائيات، وبدا أن ليس لتلك الفضائيات من عمل إلا نقل مسيرة الأكفان هذه، غير المتعارف عليها في أي وطن من أوطان العالم، المعنى العميق لها، أنه ليس بعد الموت ذنب؛ إذ ان برامج كاملة ومتعددة، ومتنوعة، في قنوات فضائية عديدة خصصت أوقات بثها المباشر بالكامل لتصوير مسيرة الأكفان هذه، والنعوش المصاحبة لها، وصلاة الجناز، وسرادقات العزاء، وبدا أن جنازات النجوم، سرادقات عزائهم أصبحت مادة تلفزيونية، تسعى إليها برامج الكلام الممنظرة، اليومية كجزء من متابعاتها المستمرة للأحداث، وكتوثيق يهم الجماهير كافة.
تطورت عملية النقل المباشر بتصوير لقطات من عملية الدفن الأخيرة، داخل المقابر من دون مراعاة لحرمة تلك اللحظات المؤلمة والخاصة، وحرمة المقابر بشكل عام، وقد أضاف إلى كل ذلك نوعا جديدا من حلقات الجنازات، والبكاء على الراحلين، والعويل، والألم، يشاهدها الناس حصريّا، كما يشاهدون الأفلام والمسرحيات، نقلت إحدى الفضائيات المتخصصة جنازة كتاب، تم تشييد ماكيت له، وتكفينه، ووضعه أمام إحدى دور النشر، وقد وضعت نشرة بجانبه توضح أنه بالإضافة إلى معاناة سوق الكتب من عدم إقبال القارئ المفترض، وفي سياق هذه المنظومة الاقتصادية المعرفية المتداخلة مع إيقاع سريع لعصر المعلومات، أدركت دور النشر عمق الأزمة، وشدة تعقيدها؛ ولذا تخيلنا الحال كما تشاهدون.
انتشرت الصرخة، حتى في السجون، لقد قرر المسجونون في كل أنحاء سجون الوطن تقديم أكفانهم، وأكفان عائلاتهم إلى مكتب النائب العام، في ظاهرة احتجاجية على استمرار حبسهم، طلب أحدهم، قلدوه فيما بعد، من أفراد أسرته شراء كفن، وإيداعه داخل أمانات السجن المحبوس فيه حاليًّا، على خلفية الأزمة الصحية التي تعرض لها خلال فترة سجنه؛ بما يشير إلى أن الزعيم ينتظر الموت على طريقة الأفيال.
استحدث الموتى صرخة مقاومة جديدة احتجاجا على ما آل إليه حال الوطن؛ ظهر منها أن الموتى يلفون الحواري، وداير الناحية في القرى، يلقون نظرة الوداع على الدنيا قبل مغادرتها، كأنهم يلوحون التلويحة الأخيرة للأحباء الحاملين أكفانهم، وبدا أن هناك أكثر من موجة أموات تقوم باللفة الأخيرة.
جئ بالقرابين الذهبية، تتمايل النعوش، تقفز إلى الأمام، متقبلة الموت بصدور رحبة، ساعية جريًا إليه، فرحة به، من شدة جريها تسقط النعوش بقوة على الأرض، تنفتح، تتهادى الجثث متدحرجة إلى الخارج، جارية، طائرة، ثم تندفع في ألحادها، بسرعة صاروخية، مستقرة آمنة.
فرض موت أبناء الوطن جماعيّا طقوسا جديدة للأعياد، جاعلة من زيارة القبور الاحتفال الأكبر؛ حيث استقبلت المقابر أعدادا قياسية هذا العام، ولم يتسع الوقت للأقارب والمعارف لوداعهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.