تزامن تعيين المستشار محمود مكي، نائبا لرئيس الجمهورية، مع يوم الإطاحة بقيادات المجلس العسكري السابقين، واسترداد الرئيس لسلطاتهم وعلى رأسها سلطة التشريع والتي نقلوها لأنفسهم بعد حل مجلس الشعب بإعلان دستوري مكمل سبب صدمة للشعب وكانت الأغلبية تراه باطلا. تعيين مكي كان في 12 أغسطس الماضي، ونظرا لتاريخ الرجل المعروف بدفاعه عن استقلال القضاء ومعاركه السابقة ضد تزوير نظام مبارك لتزوير الانتخابات، وكذلك تزامن التعيين مع تحقيق أمنية الثوار بالتخلص من "حكم العسكر" كما يصفونه، كل ذلك جعل الفرحة كبيرة بين المصريين بهذا الحدث، ورأوا أن اختيار مرسي لمكي دليل على رغبة الرجل في تحقيق قدر كبير من التوازن والشفافية لحكمه. ولكن بعد قضائه 133 يوما منذ تعيينه في منصبه وحتى استقالته اليوم، فإن دلائل كثيرة تشير إلى صدمة الكثيرين فيه، وعدم تحقيقه لأي مما تمنوه منه يوم تعيينه، مما جعل استقالته أمرا لا يفرق كثيرا حتى مع من أحبوه سابقا، وعلى رأسهم قطاع كبير من القضاة وبينهم قضاة من تيار الاستقلال الذي كان يفخر بمكي من قبل. مكي خلال وجوده بالرئاسة ظهر للرأي العام متحدثا عبر 3 مؤتمرات صحفية، ولكنها كانت كفيلة بخسارته الكثير من شعبيته، المرة الأولى ظهر فيها نائب الرئيس المستقيل ليشرح أسباب أزمة إقصاء النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود من منصبه وتعيينه سفيرا للفاتيكان وهو ما رفضه النائب العام، وقتئذ وتمسك بمنصبه وقال إنه لم يوافق على تركه. محمود مكي في المؤتمر – حسبما جاءت بعض الآراء- أراد أن ينقذ الرئاسة وشقيقه من المأزق بإلقائه كل اللوم في الأزمة على وسائل الإعلام، بدعوى أن سبب الأزمة الحقيقي هو وصف الإعلام للأمر بأنه "إقالة" مما أغضب النائب العام، ولكنه تناسى أن النائب العام نفسه لم يلوم الإعلام في شيء بل ألقى اللوم على شقيقه المستشار أحمد مكي، وزير العدل، والمستشار حسام الغرياني، رئيس الجمعية التأسيسية، واتهمهما بتهديده وممارسة ضغوط عليه ليترك منصبه ويلبي رغبة الرئاسة، كما أن أول من وصف الأمر بأنه إقالة هم قيادات حزب الحرية والعدالة الذي ينتمي إليه الرئيس مرسي. المرة الثانية التي خرج فيها مكي في مؤتمر صحفي ليعطي تبريرات للإعلان الدستوري الملغي والذي أصدره الرئيس مرسي في 22 نوفمبر الماضي وتسبب أزمة كبيرة بالشارع ما زالت توابعها حتى الآن، اللافت للنظر أن مكي بعد حديث طويل في هذا المؤتمر محاولا إقناع الناس بمنطقية هذا الإعلان الدستوري اعترف بأنه لم تتم استشارته فيه، وأنه فوجئ به من التليفزيون كأي مواطن عادي، حينما أرسله الرئيس في مهمة وحيدة منذ شغل منصبه لتمثيل مصر في قمة دول الثماني بباكستان، بل إنه زاد على ذلك بأنه "غاضب" من هذا الإعلان الدستوري "وزعلان منه" وطالب الصحفيين بعدم سؤاله عنه. المرة الثالثة وقف فيها مع محمود مكي بجوار الدكتور محمد سليم العوا، في موتمر صحفي بقصر الاتحادية، ليعلن للجماهير أن جلسة الحوار الوطني التي عقدت برئاسة الجمهورية بدعوة من الرئيس قد وافقت بالإجماع على القرارات التي تم إعلانها في هذا المؤتمر وهي إلغاء الإعلان الدستوري الصادر في 22 نوفمبر وإجراء الاستفتاء على الدستور في موعده الذي حدده الرئيس مرسي ب 15 ديسمبر الماضي، وإصدار إعلان دستوري جديد يعطي للرئيس حق تشكيل جمعية تأسيسية جديدة لو تم رفض الدستور. وفي هذا المؤتمر أعلن مكي وكذلك العوا أن تلك القرارات صدرت بالإجماع، متناسين أن 95% من الحضور في الجلسة هم المتوافقون أصلا مع الرئيس ولا يوجد تمثيل حقيقي للمعارضة بهذا الحوار، ورغم هذا فإن مكي والعوا استمرا في عقد جلسات هذا الحوار الوطني لرسم خريطة المرحلة المقبلة في غياب القوى المعارضة التي رفضته وعارضت حتى الإعلان الدستوري الجديد الذي ألغى الإعلان السابق، كما تناسى مكي والعوا في هذا المؤتمر أيضا اعتراضات القضاة الأصلية على فكرة عزل الرئيس للنائب العام وتعيين غيره بعيدا عن مجلس القضاء. مكي خلال فترة شغله منصبه قام بعدة لقاءات مع قوى معارضة وثورية وشباب، ولكن جميع الذين التقوه أكدوا أن أيا من وعوده لهم لم يتم الوفاء بها من قبل الرئاسة، وطالبوه بالاستقالة لو كان لا يستطيع جعل الرئاسة تحقيق ما يفي به نائب الرئيس من وعود. القضاة رأوا أن مكي بدلا من أن يسعى لتحقيق قدر أكبر من استقلال القضاء، فإنه ساعد إما بمشاركته أو حتى عدم اعتراضه على قرارات اتخذها الرئيس تضرب استقلال القضاء في مقتل. بالطبع هناك مؤيدون يرون أن مكي وِفّق في مهمته، وأنه استقال لأنه ليس راغبا في المناصب، أو لأن الدستور الجديد ليس به منصب لنائب الرئيس، ومن ثم فهو تقدم بها قبل أن يلغي الدستور منصبه. ولكن الحقيقة التي أعلنها مكي نفسه في بيانه أن تكوينه القضائي والمهني لا يتناسب مع العمل السياسي، وأنه اكتشف ذلك منذ فترة، والحقيقة الأخرى أن مكي بين يومي 12 أغسطس و22 ديسمبر 2012 خسر كثيرا، لدرجة أنه قال في أحد المؤتمرات الثلاثة السابقة إنه رغم أن الدستور الجديد في حالة الموافقة عليه لا يحظر على الرئيس تعيين نائب له، فإنه لن يستمر في منصب نائب الرئيس.