اعتبرت صحيفة “الجارديان”البريطانية الصادرة اليوم الاربعاء أن موجة الغضب العارمة التي اجتاحت معظم أقطار العالم الاسلامي مؤخرا، احتجاجا على عرض فيلم أمريكي يسيء للرسول محمد (صلى عليه وسلم)، إنما تعكس “سخطا وارتدادا” من جانب الشعوب الاسلامية والعربية على التدخل العسكري الامريكي في بعض الدول وعلى رأسها أفغانستان وليبيا. وذكرت الصحيفة – في سياق مقال إفتتاحي نشرته اليوم وأوردته على موقعها الالكتروني -أن العديد من الامريكيين قد يتساءلون: لماذا يكرهنا أو يمقتنا هؤلاء؟..غافلين عن حقيقة دور بلادهم على مدار عقود طويلة في دعم الانظمة الاستبدادية وفرض عقوبات على أنظمة أخرى ودعمها ومساندتها الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ولفتت الصحيفة إلى أن هذه التساؤلات وجدت لها صدى فيما جاء على لسان وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون بعد مقتل السفير الامريكي لدى ليبيا كريستوفر ستيفنز جراء هجوم صاروخي استهدف القنصلية الامريكية في مدينة بنغازي احتجاجا على عرض الفيلم المسيء، حينما قالت: كيف من الممكن أن يحدث ذلك في بلد ساهمنا في تحريره؟..في إشارة إلى دور حلف شمال الاطلسي “ناتو” في تحرير البلاد من نظام العقيد الليبي السابق معمر القذافي إبان ثورة الشعب الليبي العام الماضي. وعقدت صحيفة “الجارديان”البريطانية في هذا الصدد مقارنة تاريخية بين التدخل العسكري الغربي في أفغانستان قبل قرابة عشرة أعوام ومثيله في ليبيا العام الماضي ، مشيرة إلى أنه تماما “كما أدار المجاهدون -الذين دعمتهم الولاياتالمتحدة في أفغانستان في مجابهة الوجود السوفيتي في بلادهم – ظهورهم لواشنطن ورفعوا السلاح ضد حلفائهم في السابق، يحتفظ الاسلاميون والجهاديون -ممن حاربوا إلى جانب قوات الناتو للاطاحة بنظام القذافي – برؤاهم وأفكارهم الخاصة حول مستقبل بلادهم”. ورأت الصحيفة البريطانية في هذا بداية لارتداد إسلامي عربي على محاولات الولاياتالمتحدة والغرب العودة للسيطرة على انتفاضات العالم العربي. وأوضحت الصحيفة أن الغزو الاجنبي لافغانستان منذ أكثر من عقد لم يعجز عن تدمير تنظيم القاعدة فحسب؛ بل ساعد أيضا في امتداده وانتشاره في باكستان والعراق واليمن والآن في شمال أفريقيا، كذلك فإن تدخل الناتو في ليبيا -حسبما لفتت الصحيفة- ساهم في زيادة أعداد القتلى وتسبب في اتساع نطاق عمليات التطهير العرقي وتصدير الصراعات إلى مالي إضافة إلى ترك الآلاف قابعين داخل السجون دون محاكمات ووقوع بعض من أجزاء البلاد في يد الجماعات المسلحة. وأردفت صحيفة”الجارديان”البريطانية تقول فى مقالها الافتتاحي أنه منذ بدء الولاياتالمتحدة حربها على الارهاب في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001، احتلت واشنطن وحلفاؤها في الغرب مناطق عدة حول العالم: فقد غزت أفغانستان والعراق وقتلت الآلاف في غارات شنتها في المجال الجوي لكل من باكستان واليمن والصومال؛ فضلا عن فرض عقوبات صارمة على بعض دول منطقة الشرق الاوسط ودعم الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية الفلسطينية، إضافة إلى ارتكاب انتهاكات إنسانية وجرائم تعذيب واختطاف دون محاكمة. ووصفت الصحيفة الفيلم المسيء للنبي الكريم بأنه ما هو إلا “الحلقة الاحدث في سلسلة الاحداث المشعلة لنيران الغضب والسخط الشعبي في المنطقة، حيث باتت تتبلور بجلاء المعارضة الشعبية لهيمنة الامبراطورية الغربية بشكل رئيسي من خلال تيار الاسلام السياسي على حساب التيار القومي. وخلصت الصحيفة – في ختام تعليقها-إلى أن الاحداث التي وقعت على مدار الاسبوعين الماضيين تعد بمثابة تذكرة على أن “عالما عربيا جديدا خرج إلى النور حيث تمت الاطاحة فيه بالانظمة الاستبدادية ولم يعد مكانا يتمكن فيه الغرب بشكل عام والولاياتالمتحدة بشكل خاص من فرض هيمنتهما وبسط نفوذهما”.