افترق منتخبا إسبانيا وإيطاليا متعادلين 1-1 في مدينة جدانسك البولندية ضمن الدور الأول من كأس أوروبا يورو 2012، وسيلتقيان مجددًا في العاصمة الأوكرانية كييف اليوم لكن في موعد أرقي بكثير في نهائي المسابقة القارية تحمل المباراة نكهة مميزة بالنسبة للأسبان، الذين يستعدون أن يصبحوا أول منتخب أوروبي يحقق ثلاثة ألقاب كبرى متتالية، بعد كأس أوروبا 2008 في النمسا وسويسرا وكأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا، في حين يريد الطليان تعزيز سجلهم الذهبي بإحراز اللقب للمرة الثانية بعد 1968 وإضافته إلى أربعة كؤوس للعالم (1934 و1938 و1982 و2006). لا تبدو المواجهة مماثلة لربع نهائي كأس أوروبا 2008 عندما فازت اسبانيا بركلات الترجيح 4-2 بعد تعادلهما بدون أهداف في الوقتين الأصلي والإضافي في مواجهة آنذاك بين اثنين من أفضل الحراس في العالم جانلويجي بوفون وايكر كاسياس والتي ستتكرر الأحد، إذ ظهر التعب في المباراة الأخيرة لاسبانيا في نصف النهائي أمام البرتغال (4-2 بركلات الترجيح بعد تعادل سلبي)، خصوصا لدى لاعب وسطها تشافي (32 عاما) الذي دفع ثمن موسم مرهق مع فريقه برشلونة، وبدا اقل لمعانا من النسخة الأخيرة حيث كان القلب النابض لتشكيلة "لا فوريا روخا". كانت مشاهد لاعبي المدرب فيسنتي دل بوسكي معبرة وهم يعانقون أقرباءهم بعد مباراة ملعب دونباس ارينا في دانيتسك في نصف النهائي، فبدوا متعبين بعد 120 دقيقة من الركض، وكان واضحا تأثر غياب دافيد فيا أفضل هداف في تاريخ المنتخب بسبب الإصابة، والضجة التي أحدثها غيابه في خطة دل بوسكي الذي كانت آخر تجاربه في خط الهجوم الزج بالفارو نيجريدو في مركز رأس الحربة بدون أن يسدد أي مرة على المرمى البرتغالي، ولولا تألق اندريس انييستا وتشابي الونسو ودافيد سيلفا وباقي لاعبي الوسط المليء بالنجوم لدفعت إسبانيا الثمن غاليًا. بعد فشل تجربة نيجريدو، عاد ديل بوسكي إلى خيار لاعب الوسط سيسك فابريجاس كنصف مهاجم، ليوصل الماتادور إلى ركلات الحظ حيث ساهم المدافع البرتغالي برونو الفيش ببلوغ اسبانيا النهائي للمرة الثانية على التوالي. لكن على رغم البطء الذي شاب لعب اسبانيا في المباراة الأخيرة، إلا أنها لا تزال من أفضل المنتخبات العالمية، وحافظت على هيبتها في الدور الأول بتعادلها مع ايطاليا 1-1 وفوزها على كرواتيا 1-صفر واكتساحها ايرلندا 4-صفر قبل أن تثار من فرنسا وتحقق فوزها الأول عليها في المسابقات الرسمية 2-صفر في ربع النهائي، لتبلغ النهائي وفي مرماها هدف وحيد من قدم الايطالي انطونيو دي ناتالي!. في المقابل، تسير ايطاليا فوق السحاب، وجاء تأهلها إلى النهائي بعد مباراة بطولية أمام ألمانيا التي فازت في أربع مباريات متتالية، إثر تألق مهاجمها المشاغب ماريو بالوتيلي وتسجيله هدفين من عالم آخر قبل تقليص مسعود أوزيل الفارق من نقطة الجزاء في الوقت الضائع. لم تكن التوقعات بجانب إيطاليا، فبعد تعادلها مع إسبانيا كررت النتيجة عينها مع كرواتيا قبل أن تجهز على أيرلندا 2-صفر، وفي ربع النهائي تفوقت على إنجلترا باللعب وبركلات الترجيح 4-2 بعد التعادل السلبي، بيد أن إشراقتها الكبرى جاءت أمام الألمان الذين لم يفوزوا على "سكوادرا اتزورا" في أي مباراة ضمن المسابقات الكبرى. غريب أمر الطليان، فبعد فضيحة "توتونيرو" عام 1982 أحرزوا كأس العالم في إسبانيا، وبعد فضيحة "كالتشوبولي" أحرزوا كأس العالم 2006، وها هم بعد فضيحة "كالتشوسكوميسي" للتلاعب في نتائج المباريات على طريق المجد بقيادة المدرب المحنك تشيزاري برانديلي. عاد "الأزرق" إلى المباريات النهائية بعد تتويجه الأخير في مونديال 2006، واللافت أن ايطاليا زجت خلافا لباقي المنتخبات الكبرى بتشكيلة تضم وجوها جديدة مدعمة بلاعبي الخبرى بوفون وأندريا بيرلو (33 عامًا) المرشح لنيل جائزة أفضل لاعب في الدورة وجورجيو كييليني ودانييلي دي روسي، فظهر على الساحة فيدريكو بالزاريتي وأليساندرو ديامانتي وليوناردو بونوتشي وكلاوديو ماركيزيو، بأسماء معظمها قادمة من تشكيلة يوفنتوس المتوج بلقب الدوري المنصرم. لكن العلامة الفارقة تبقي في الموهبة المتفجرة للمهاجم الغريب الأطوار ماريو بالوتيلي صاحب ثلاثة أهداف رائعة حتى الآن، والذي أبهر الجميع بتسديدته الخارقة في مرمى ألمانيا لدرجة أن الحارس مانويل نوير شوهد يصفق لدقة وروعة الصاروخ الذي أطلقه بطل انجلترا مع مانشستر سيتي. المدرب برانيدلي حافظ على تواضعه مستبعدا أن تكون ايطاليا هي المرشحة للفوز على اسبانيا: "المرشحة هي اسبانيا لأنها عملت كثيرا في السنوات الأخيرة وسيطرت على كل مباراة. لا يزال أمامنا مباراة كبيرة كي نخوضها, هذا أمر متعب لان الدورة قصيرة واللياقة البدنية يمكن أن تلعب دورا كبيرا". تابع برانديلي الذي أشرك حتى الأن جميع لاعبي الميدان ما عدا المدافع انجيلو اوجبونا والمهاجم فابيو بوريني: "سنلعب مع فريق كبير اثبت دوما انه قادر على تطبيق أسلوبه، لذا هو المرشح". وعلى غرار حارسه بوفون، أبدى برانديلي انزعاجه من عدم قدرة الطليان على قتل المباراة امام المانيا في الشوط الثاني على رغم الفرص الكبيرة التي سنحت لهم خصوصا تلك التي أهدرها المخضرم انطونيو دي ناتالي منفردا: "كنا متعبين للغاية آخر 10 دقائق، ربما لأننا لعبنا 120 دقيقة منذ أربعة أيام كما كانت أرضية الملعب ثقيلة... سنحت لنا فرص لرفع النتيجة إلى 3-صفر لكننا لم نقم بذلك". لكن برانديلي اعترف أن مباراة ألمانيا كانت الأفضل لفريقه منذ استلامه تدريب المنتخب قبل عامين، بعد المسيرة المذلة في كأس العالم 2010 عندما خرج حامل اللقب من الدور الأول بدون تحقيق أي فوز. عرفت إيطاليا بتكتلها الدفاعي وخطة "كاتيناتشو "التاريخية، لكن ما يقدمه "ناسيونالي" في الدورة الحالية مختلف للغاية، من خلال اللعب الهجومي، الليونة التكتيكية والسهل الممتنع الذي يبدأ من قدمي بيرلو "المائيتين" ويصل بسلاسة إلى الثنائي انطونيو كاسانو الخارج من جراحة في قلبه كادت تودي بحياته والولد الرهيب بالوتيلي. من أصل 30 مواجهة بين المنتخبين كان التعادل سيد الموقف في 12 مباراة، وفازت ايطاليا عشر مرات واسبانيا ثماني مرات، لكن التعادل خيم على الوقتين الأصلي والإضافي في ربع نهائي 2008 وفي المواجهة الأخيرة ضمن الدور الأول، ويعود الفوز الأخير لاحدهما في المسابقات الكبرى إلى 1994 عندما فازت ايطاليا 2-1 في مونديال الولاياتالمتحدة بهدفي روبرتو براجيو. هل سينجح الفريقان هذه المرة بالافتراق بنتيجة غير حبية في الوقت الأصلي أو الإضافي، أم أن التعادل سيطاردهما مرة جديدة في نهائي ثاني اكبر بطولة عالمية، وتكون ركلات الترجيح هي الفيصل بينهما؟.