قبل أيام ناقشت غياب المصداقية عن أولى استطلاعات الرأي العام لمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بمؤسسة الأهرام بشأن انتخابات الرئاسة، والمشرف عليه عضو لجنة السياسات للحزب الوطني المنحل الدكتور "جمال عبد الجواد". واليوم أواصل المناقشة على ضوء استطلاع الرأي الثاني للجهة نفسها، وكذا الاستطلاع الذي نشرته صحيفة " المصري اليوم " في عدد 14 إبريل 2012. واقع الحال أن " المصري اليوم" لم تكن أفضل حالا في التعامل مع الاستطلاعات والرأي العام وحقوق القراء مما هو عليه حال " الأهرام ". فصحيفة رجال أعمال عهد مبارك التي تدعى لنفسها الاستقلالية والمهنية وتزعم أنها صاحبة أعلى توزيع بين الصحف اليومية الآن تعمدت هي الأخرى تضليل القراء لصالح مرشحي نظام "مبارك" . وبقدر ما يصطدم مع المعقولية بعد ثورة بحجم ثورة 25 يناير أن يمنح إستراتيجيو الأهرام وهم بالأصل أعضاء لجنة سياسات جمال مبارك رموز نظام مبارك (عمرو موسي وعمر سليمان وأحمد شفيق) الحصة الأكبر في استطلاعهم المنشور بجريدة الأهرام يوم 2 إبريل 2012، فإن غياب المعقولية نفسه يواجه نتائج استطلاع "المصري اليوم " الأول الذي منح " عمر سليمان " المرتبة الأولى بنسبة 20 % من بين 62 % قد حددوا خياراتهم في أحد المرشحين، ومتقدما عن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (13% في المرتبة الثانية) وحازم أبو إسماعيل (12% في المرتبة الثالثة). لقد منح الاستطلاع الثاني لإستراتيجيي لجنة السياسات بالأهرام المرتبة الأولى هذه المرة أيضا لعمرو موسى بنسبة 30,7 %، وهو الاستطلاع المنشور بعدد الجريدة في 9 إبريل 2012 . أما استطلاع "المصري اليوم" الذي أجرى في اليوم التالي 10 إبريل 2012 فقد منح المرشح نفسه "موسى" نسبة 7 % فقط من بين 62% حددوا خياراتهم بين المرشحين . وقد حل الرجل هنا رابعا بين ترتيب المرشحين. ولا شك أن تضارب النتائج على هذا النحو الفارق والكبير بين استطلاعي "الأهرام" و"المصري اليوم" يشكك في مصداقية نتائج الاستطلاعين معا. وعلى أية حال فإن لمرشحي نظام مبارك الثلاثة (سليمان وموسى وأحمد شفيق) في استطلاع " المصري اليوم " وزنا معتبرا بين المرشحين في المراتب السبع الأولى التي نشرتها الصحيفة . فقد حصد الثلاثة 29 % من بين 60 % للمرشحين في المراتب السبع الأولى. وهو ما ينسجم هذه المرة مع نتائج استطلاعي الأهرام الأول والثاني. وإذا كان استطلاع "المصري اليوم" يبدو أكثر اهتماما بإطلاع القارئ على تفاصيل العينة التي اعتمد عليها (2034 شخصا) من حيث النوع ذكر أو أنثى والمستوى التعليمي والاقتصادي وفئات العمر والتوزيع الجغرافي والانتماء السياسي. وكذا كان هذا الاستطلاع أكثر وضوحا في إطلاع القارئ على سمات مؤيدي كل مرشح وفق العناصر السابق ذكرها، فإنه قد سار في درب الإخفاء غير العلمي الذي اعتمده إستراتيجيو " الأهرام " حين يتجاهلون نشر الأسئلة التي يتم توجيهها إلى مفردات العينة .وهي في حالة الأهرام عينة تقتصر على 1200 شخصا يجرى تغييب خصائصها عن القراء . وفي الحالتين (المصري اليوم والأهرام) فإن الجهتين المشرفتين على الاستطلاع لا يعنيان بالإجابة على السؤال المركزي في أي استطلاع رأي عام وهو : هل تمثل العينة بحق المجتمع بتنوعه وبأوزان فئاته النسبية الواقعية من حيث النوع والسن و المستويات الاقتصادية الاجتماعية والتعليمية والحضرية الريفية والاتجاهات السياسية والثقافية ؟ . وفوق هذا وذاك فإن الاستطلاعين تجاهلا حق القارئ في أن يطلع على صيغة الأسئلة الموجهة إلى العينة و ضمانات ألا تعكس تحيزات الباحثين وجهة البحث . مشاكل علمية ومصداقية الإجراءات و المنهج و بناء العينة عند " الأهرام" و"المصري اليوم " متعددة ومتشابهة إلى حد كبير .وهي نابعة بالأصل من أزمة استطلاعات الرأي العام في دولة لم تتعاف بعد من الاستبداد والفساد وفي ظل استطلاعات رأي عام ظلت على مدى عقود تلو عقود سرية و محكومة باعتبارات أمنية بوليسية وفي خدمة الحاكم الفرد والحزب الحاكم ورجاله وأجهزته . ومثلما تعاني استطلاعات مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام من وطأة ماضي المشرفين على استطلاعات الرئاسة عام 2012 و من صلة قيادة المركز على مدى عقود بالحزب الحاكم ولجنة سياساته، فإن استطلاع " المصري اليوم " ليس بأفضل حالا في هذا المضمار . لأن الجهة المشرفة على الاستطلاع هنا تفتقد إلى أي سمعة سابقة في إجراء هذه الاستطلاعات . ولقد بحثنا عن " المؤسسة المصرية لبحوث الرأي العام " المسماة ب "بصيرة" والتي أجرت استطلاعات الرأي العام في صحيفة رجال أعمال عهد مبارك فلم نجد لها وجودا أو أثرا على الساحة العلمية أو حتى على شبكة الإنترنت . لكن المفاجأة الأهم والأخطر أن الدكتور "ماجد عثمان" مدير مركز "بصيرة" هو عضو آخر في لجنة سياسات جمال مبارك و زميل لجنة مشروع التوريث مع المشرف على استطلاعات الأهرام للانتخابات الرئاسة الدكتور "جمال عبد الجواد "ومع مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الأسبق والأخ الأكبر لإستراتيجي الأهرام الدكتور "عبد المنعم سعيد. وببساطة فإن المشرف على استطلاعات تضليل الرأي العام في انتخابات الرئاسة على صفحات "المصري اليوم " هو وزير الاتصالات في حكومة الفريق "أحمد شفيق" الثانية وحكومة "عصام شرف" الأولى ..أي أنه يستطلع الرأي في شأن يدخل فيه رئيسه السابق الفريق "شفيق " . وقد حمل توزير "ماجد عثمان" في الحكومتين معه الكشف عن ماضيه في لجنة سياسات "جمال مبارك"، وفي نادرة نفاق لا تنسى حين وضع مولد " فريدة جمال مبارك " في السجل السنوي لأهم أحداث عام 2010 حين كان رئيسا لمركز معلومات مجلس الوزراء قبل ثورة 25 يناير . ولان تضليل الرأي العام داء لا تبرأ منه صحافتنا، فإن "المصري اليوم " أخفت عن قرائها كون الدكتور " ماجد عثمان " رئيس مركز معلومات مجلس الوزراء سابقا و أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ورئيس مركز " بصيرة" هذا ليس إلا "ماجد إبراهيم عثمان " الوزير في حكومتي شفيق وشرف . وهو بالأصل عضو لجنة " جمال مبارك " فهل يأتي تصدر المرشحين من رجال نظام مبارك لاستطلاعات الرأي العام عند رجال لجنة جمال مبارك في " الأهرام " و " المصري اليوم " مجرد صدفة. لا أظن . مرة أخرى فإن لا معقولية النتائج لصالح رجال نظام مبارك المكروهين شعبيا