الانضمام للاتحاد الأوروبى وعملية السلام الجارية للتوصل إلى حل للقضية الكردية، هما من أكبر الخطوات التى اتخذتها حكومة العدالة والتنمية بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وكلاهما تسمم بفعل استنشاق الغاز المسيل للدموع فى أحداث جيزى بارك بمدينة اسطنبول شمال غربى تركيا. كان الاتحاد الأوروبى لفترة طويلة يصف حزب العدالة والتنمية بالمسلمين الديمقراطيين، وفى نفس الوقت قدم دعمه للحكومة التركية لإنهاء نفوذ المؤسسة العسكرية على السلطة التنفيذية، علاوة على إشادة الاتحاد فى أكثر من مناسبة بدور حكومة العدالة البناء فى السعى للتوصل إلى حل سلمى للمسألة الكردية، وفى نفس الوقت الوصول إلى استقرار اقتصادى فى البلاد. لم يقطع الاتحاد الأوروبى تواصله مع الحكومة التركية رغم العديد من السلبيات، ولكنه أعرب عن استيائه مؤخرا بعد استخدام قوات الشرطة التركية للقوة المفرطة ضد المتظاهرين فى عدد من المدن، وعلى رأسها ميدان تقسيم بوسط اسطنبول، إلا أن العالم نظر بشكل غير إيجابى لتركيا على خلفية الأحداث التى صاحبت التظاهرات، بعد أن بدأت الحكومة التركية فى رفض الانتقادات الموجهة لممارسة الشرطة العنف المفرط والعمل على إسكات وسائل الإعلام وفرض حصار على المواقع الإلكترونية، حيث ردت الحكومة التركية على هذه الانتقادات والتحذيرات بصورة متصلبة وسلبية وبشكل لفت أنظار دول العالم. ووصلت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبى بعد أحداث حديقة جيزى بارك إلى مرحلة عصيبة، حيث ذكرت صحيفة ميلليت مؤخرا أنه من الممكن القول إن هذه العلاقات على وشك أن تنتهى صلاحيتها، واستشهدت بتصريح الرئيس عبد الله جول الذى أكد أن "صورة تركيا استغرقت عشر سنوات لبنائها وعشرة أيام لتشويهها". ولا سبيل إلى دحض الاتجاهات القائلة بأن علاقات الاتحاد الأوروبى مع تركيا تمر بمرحلة سيئة، حيث أعلن الاتحاد تأجيل قراره النهائى للبت فى موضوع فتح الفصل الثانى والعشرين فى مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد إلى الرابع والعشرين من يونيو الجارى بناء على تحفظات ألمانيا وهولندا، وذكرت صحيفة زمان أن ألمانيا وهولندا اتخذتا هذا الموقف جراء النتائج السلبية على خلفية تبادل التصريحات بين الجانبين حول أحداث حديقة جيزى بارك. أما فيما يتعلق بقضية الأكراد والخطوات التى اتخذتها حكومة أردوغان للتوصل إلى السلام والحل للمسألة الكردية، فيبدو أنها أيضا اعتراها التعب والإنهاك، فالمؤتمر الأخير للأكراد فى مدينة ديار بكر جنوبى تركيا، وتصريحات قياديى حزب السلام والديمقراطية الكردى شديدة اللهجة مقابل اللهجة القومية لحزب العدالة والتنمية يمثل دلالة على أن عملية السلام بدأت فى التراجع. كان الرئيس المشارك لحزب السلام والديمقراطية صلاح الدين دميرطاش قد انتقد إجراءات الحكومة التركية، مشيرا إلى أن عملية السلام على وشك أن تصل إلى طريق مسدود بعد أن "بدأت الثقة تتقلص فى صفوف مؤيدينا طالما تتبع حكومة أردوغان أسلوب المراوغة". وقد استفزت تلك التصريحات الصحف ذات الاتجاه القومى، حيث قالت صحيفة جونيش المقربة من حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهتشلى – وهو من أكبر الأحزاب المعارضة لعملية السلام الجارية بين الحكومة التركية والأكراد – أن التطورات التى تمر بها تركيا بدأت من مرحلة المفاوضات، من أجل التوصل لحل للقضية الكردية، وأخيرا بدأت أحاديث تظهر عن شمال كردستان، ومطالبة المشاركين فى مؤتمر اتحاد شمال كردستان فى البيان الختامى الصادر بمنح عبد الله أوجلان الحرية، أو إطلاق سراحه وكافة "الأسرى" على حد وصف البيان. وذكرت صحيفة وطن أمس الجمعة، أن قياديى حزب العدالة والتنمية يعتقدون أن أحداث حديقة جيزى بارك هى أحد الأسباب الرئيسية التى أدت لانخفاض شعبية حكومة أردوغان على ضوء نتائج استطلاع الرأى الأخيرة المعدة من قبل مركز البحوث الاجتماعية "متروبول" لحساب صحيفة زمان الموالية لحكومة أردوغان، مضيفة أنه ليس هناك فائدة بعد الآن بتذكير أردوغان بالتوقف عن لعب دور المظلوم وكلامه عن سجنه وحرمان النساء من ارتداء الحجاب. والنتيجة لكل ذلك على ما يبدو هو ضياع طريق الانضمام للاتحاد الأوروبى، وعملية السلام مع الأكراد جراء أحداث جيزى بارك.