فى أواخر يونيو الماضى شهدت اجتماعات منظمة العمل الدولية فى جنيف مشادة بين وفد من اتحاد نقابات العمال المصريين والوفد الرسمى الذى يترأسه وزير القوى العاملة والهجرة. وتبادل وفد اتحاد العمال الاتهامات مع وفد آخر يمثل النقابات المستقلة. وكان السبب الحقيقى لهذا الخلاف قرار اتخذه وزير القوى العاملة بإطلاق الحريات النقابية.. مستجيبا بذلك لانتقادات وجهتها منظمة العمل الدولية لمصر، تتهمها فيها بمخالفة تشريعاتها العمالية لأحكام الاتفاقيات الدولية.. ولم يعجب هذا القرار اتحاد النقابات الذى أعلن الحرب على الوزير منذ هذه اللحظة! قد لا يذكر القارئ أننى تعرضت آنذاك لهذه القضية وطالبت بحل اتحاد نقابات العمال بقرار سياسى، على أساس أنه لم يكن يمثل العمال تمثيلا حقيقيا. ولكنه كان ركيزة من ركائز العمل السياسى للحزب الوطنى المنحل. يتم توظيفه فى تزوير الانتخابات والتعاون مع أجهزة الأمن فى التجسس على الحركات العمالية، ويضم عددا لا بأس به من القطط السمان والبلطجية الذين يطاردون أنصار حركة 6 أبريل فى المظاهرات العمالية. وتتم مكافأتهم بالتعيين فى مجلسى الشعب والشورى ونصف مقاعد العمال والفلاحين. ومازالت التحقيقات مستمرة مع عدد من زعمائهم الذين حرضوا ضد الثوار فى موقعة الجمل.. وعلى رأسهم حسين مجاور شخصيا والأمين العام محمد مرسى والوزيرة السابقة عائشة عبدالهادى. ومع ذلك فقد صبرت الحكومة عجزا عن اتخاذ قرار عاجل كالذى اتخذته مع المجالس المحلية والمجلس الأعلى للصحافة. وذلك على الرغم من أن أحكاما صدرت عن القضاء الإدارى عام 2006 ألغت انتخابات الاتحاد ولجانه وفروعه على مستوى الجمهورية نتيجة لغياب الإشراف القضائى عليها طبقا للقانون. ولكن حكومة نظيف تجاهلت هذه الأحكام. وتمسك الاتحاد بموقفه، حيث تركته الدولة يتصرف على هواه وينفق من أموال الاتحاد فى تسفير عملائه إلى جنيف، وشهد حملات للدعاية ضد الثورة وضد سياسات الوزير الجديد الرامية إلى تحرير النقابات العمالية من سيطرة رءوس الفساد والشللية والتبعية للحزب الوطنى، والتى طالما اشتكى العمال من خضوعها لسيطرة الحكومة ورجال الأعمال. أخيرا جاء القرار بحل اتحاد العمال بعد تلكؤ طال أمده. وكأن الدولة التى أخذت على عاتقها تحقيق مبادئ الثورة بتطهير أجهزتها وصفوفها من العملاء والفاسدين، لم تكن على وعى بحقيقة الدور الذى لعبه اتحاد نقابات العمال فى إفساد الحياة السياسية، وكيف استوعبت تنظيمات الاتحاد ونقاباته كثيرا من العناصر التى تستغل فى تزوير الانتخابات وتشويه الحياة البرلمانية وضرب القوى الليبرالية.. ونحن على أبواب انتخابات جديدة. ومازالت أسرار هذه الأيام التى شهدت أحداث الثورة، تكشف يوما بعد يوم عن وقائع وأسماء أسهمت فى ضرب الثورة والثوار. من بينها ما نشرته «الشروق» أخيرا أن العاملين بقطاع الكهرباء والطاقة تقدموا أخيرا ببلاغ إلى النائب العام ضد رئيس النقابة العامة للعاملين بالكهرباء وكيل مجلس الشورى السابق عن الحزب المنحل وأمين عام اتحاد عمال مصر يتهمونه بإهدار المال العام، والتربح لنفسه ولأبنائه. وقدم العاملون صورا له مع حسين مجاور وعائشة عبدالهادى يوم موقعة الجمل أثناء التحريض ضد الثوار.. وهذا غيض من فيض. وربما يكون حل الاتحاد القائم وإجراء انتخابات نقابية نزيهة، يمثل بداية مرحلة جديدة لاتحاد نقابات العمال، يختلف عن تلك المرحلة التى لم نكن نعرف عنها غير خطاب عيد العمال أول مايو، وهتافات التسول والخنوع «عاوزين العلاوة يا ريس!» أما حقوق العمال ووضع مشروع جديد للنقابات العمالية يضمن قواعد عادلة للأجور والتأمينات، ويلزم أصحاب الأعمال بوضع برامج للتدريب، والحد من الفوارق بين الأجر الثابت والأجر المتغير. ويقر مبدأ التفاوض بين النقابات وأصحاب الأعمال كما هو الشأن فى الدول المتقدمة، بما يكفل حل المنازعات العمالية على أسس عادلة ودية.. فذلك ما نتمنى حدوثه فى المستقبل القريب