»الراقدون في الذرة« ظاهرة جديدة اصابت المجتمع المصري في السنوات الأخيرة . ومعروف أن القتلة في الصعيد والريف المصري في الماضي . كانوا يختبئون بين أعواد الذرة الكثيفة . ليترصدوا لأعدائهم . ويطلقون عليهم النار من مخابئهم . ثم يستغلون غابة أعواد الذرة في الهروب من جريمتهم! ولم يقتصر " ظهور الراقدين في الذرة " علي أفراد المجتمع العاديين . بحيث اصبح البعض حتي لو كان جاراً أو زميلاً . يكمن في الذرة أو الزحام أو الظلام . ويترصد أي خطأ ولو كان بسيطاً لجاره أو زميله . ويحول الخطأ البسيط الي خطيئة . ليس فقط للحصول علي مكسب . وانما أحياناً لاطفاء نار الحقد الداخلي والكراهية التي تحرقه . أحياناً بلا سبب تجاه هذا الجار أو الزميل ! بهذه الرؤية تابعت الاسبوع الماضي . القصة المثيرة . التي نسب فيها البعض إلي جريدة "الأهرام " العريقة " . تهمة تزوير صورة للرئيس حسني مبارك . في مفاوضات السلام الأخيرة في واشنطن . فقد فوجيء الناس ببعض وكالات الأنباء العالمية . وبعض الصحف الاسرائيلية . توزع قصة صحفية مثيرة . تقول فيها أن أحد المدونين المصريين . اكتشف ان جريدة الأهرام . زورت صورة التقطت في نهاية هذه المفاوضات في واشنطن . تظهر الرئيس حسني مبارك وهو يتقدم الرئيس الأمريكي أوباما . وبقية الزعماء المشاركين في القمة . بينما الصورة الحقيقية التي وزعتها وكالة أنباء " رويتر " كان الرئيس مبارك يسير فيها خلف هؤلاء الزعماء ! ونشرت وكالات الأنباء أيضاً تصريحات المدون المصري الذي أثار الأزمة . والتي قال فيها أن تزوير الصورة . " أصدق تعبير عن كذب نظام مبارك في مصر "! وتلقفت الصحافة الإسرائيلية وبعض وسائل الإعلام الامريكيةالخبر. وحولته في الحال الي مشكلة عالمية. ولم تكن الصحف الاسرائيلية هي الوحيدة التي هللت لهذه القصة . وانما سارع حزب " الراقدون في الذرة " للاشتراك في المولد . وتحويله الي جنازة يتم فيها البكاء واللطم علي نظام الرئيس مبارك ! وكان لابد ألا يسكت " الأهرام " وهو مدرسة صحفية عريقة لا ينكر سوي جاهل أو حاقد مكانتها وتقاليدها في تاريخ الصحافة العربية . علي هذه " الطلقة الفشنك " التي لم يريدوا بها اصابة الأهرام نفسه. بل وجدوها فرصة للهجوم علي نظام الرئيس مبارك كعادتهم وكأنه هو أو نظامه الذي أمر بتزوير ونشر الصورة ! ومهما فعل " الراقدون في الذرة " . سواء داخل مصر أو خارجها . فانهم لن يستطيعوا أبداً انكار الحقائق التاريخية المؤكدة .لأن مسألة أن مصر ورئيسها مبارك . هي بالفعل في " مقدمة " مسيرة السلام . وأن الرئيس مبارك شخصياً كان ولايزال رائد هذه المسيرة . وقد تحمل وتحملت مصر . أعباء ومطبات هذه المسيرة وقد كانت ولاتزال كثيرة ومعقدة . مبارك في المقدمة لأنه طوال السنوات وهو يجاهد من أجل وحدة الشعب الفلسطيني . وإعادة حقوق الفلسطينيين . والتأكيد علي أهمية الدولة الفلسطينية . مبارك هو الذي كان يرسل رئيس مخابراته كل يوم والثاني في رحلات مكوكية . يجاهد فيها لنزع الألغام التي كانت تزرع في طريق السلام وفي طريق حقوق الفسلطينيين . يعلم الفلسطينيون ذلك كما تعلمه اسرائيل جيداً . بل ويعلمه العالم كله . وفي كلمات واضحة رد الكاتب الصحفي أسامة سرايا رئيس تحرير " الأهرام " علي هذه الزوبعة التي أراد لها هؤلاء أن تتعدي حدود الفنجان . وأكد أن الأهرام لم تزور الصورة . وأن هذا ليس اسلوبها . وقال الأستاذ اسامة سرايا في مقاله يوم الجمعة الماضي . وتحت عنوان " المعني وراء الصورة التي اثارت الضجة : يبدو أن المناخ السياسي السائد حولنا في مصر ينحو نحو الاثارة ومشتملاتها ، ومحاولة اللعب علي كل الأوتار مما أدي الي تغييب الحقائق نفسها . قبل أن يصاحبها تغييب القيم والضرب بعرض الحائط بأخلاقيات تعارفنا علي تسميتها بالقيم المهنية وحدود اللياقة والزمالة . ما أقصده أن البعض حاول " الاثارة " علي " الأهرام " ومصداقيتها ، بحجة أنها لجأت الي تغيير في صورة خاصة باجتماعات قمة واشنطن التي جرت في الأول من سبتمبر ، عندما انطلقت المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين في حضور الرئيس حسني مبارك . وذهب البعض الي تسميتها بمسميات مختلفة .. لن أذكرها لأنها تجرح أصحابها ذاتهم .. فكل صور القمة المذكورة نشرت بأكملها في الأهرام ومواقعها الالكترونية يوم الجمعة الماضي بلا أي تغيير أو فوتوشوب أو رتوش ، كما يتقولون. وأرجعوا الي أهرام 1 سبتمبر الحالي . أما ما نشره الأهرام صباح يوم الثلاثاء 14 سبتمبر فهو صورة " تعبيرية " جاءت بعد القمة ب 12 يوما .. ولم تكن هي التي نشرت بتاريخ 1 سبتمبر تحت عنوان " الطريق الي شرم الشيخ " الصورة.. وضعت الرئيس مبارك في موقع يقود المفاوضات الجديدة بعد القمة الافتتاحية في واشنطن ب 12 يوما فالصورة التعبيرية تعبر عن مضمون الوثيقة المنشورة .. فضلا عن تعبيرها الموجز والحي والصحيح عن الموقف السياسي الدقيق لمكانة الرئيس مبارك وموقعه في القضية الفلسطينية ، ودوره المتفرد في قيادتها قبل واشنطن وغيرها .. برغم أهمية واشنطن ودورها . الصورة التي يتكلمون عنها برغم أنها تضم القادة أنفسهم .. فهي صورة " تعبيرية " وضعت في صدر موضوع آخر بعيدا عن القمة وصورها . فنحن لا نعيد نشر منتجاتنا الصحفية .. فهذه ليست من عاداتنا المهنية . الصورة المنشورة " تعبيرية " حتي يفهم من لا يفهمون .. وحتي لا يضللوا غيرهم ويتكلموا ويقولوا انهم اكتشفوا الخديعة أو الوهم ، أو أننا نزور أو نجمل فهم الذين يضللون ويكذبون ويصدقون أنفسهم ثم يتهموننا (!).. ونحن لا نغير الحقائق ولا نكذب ولا نتجمل مثلهم .. ولكننا نتحري الدقة وتاريخنا خير شاهد .. ولسنا في حاجة لهذه الأسباب ، فلدينا الكثير الذي نملكه ونفتخر به . وأعقب مقال الأستاذ أسامة سرايا بيان اصدره الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس ادارة الأهرام . الي كل المحررين والعاملين في مؤسسة الأهرام قال فيه : تابعت " إدارة المؤسسة " باستغراب شديد ، الحملة واسعة النطاق التي تعرضت لها ولاتزال صحيفة الأهرام ، خلال الأيام القليلة الماضية ، عقب نشرها " تكوين الفوتوشوب " الذي صاحب تقرير " الطريق الي شرم الشيخ : تفاصيل التحول من المحادثات التقريبية الي المفاوضات المباشرة " ، في الصفحة السادسة يوم الثلاثاء 14 سبتمبر . وبداية ، فان ادارة الأهرام تؤكد أنها لم تتفهم علي الاطلاق تلك " الضجة المفتعلة " التي ثارت. ويهمها أن تقرر ما يلي : 1 لو أن الأهرام قد نشرت الصور التي تلقتها من واشنطن في بداية سبتمبر الحالي ، في حينها ، كما هي عليها ، في كل اصدارات المؤسسة ، مترافقة مع الأخبار ، والتحليلات المرتبطة باطلاق عملية التفاوض في واشنطن . وتأسف المؤسسة لأن غالبية من تناولوا الموضوع ، بما فيها صحف دولية ومواقع محترمة ، فقد فصلوا بين الموضوع والوسائل التوضيحية المعبرة عنه ، والتي شملت " التكوين " الذي اثار اللغط ولوحة للقدس ، مع خمس صور معبرة عن التقرير ، بينها صورة للزعماء الذين شاركوا في لقاء واشنطن . 2 أن " التكوين " الذي نشرته الأهرام ، تضمن عنوان الموضوع وتوقيع مصممه ، وكان اقرب الي " لوحة " تمت الاستفادة فيها من عناصر صورة جيدة شهيرة من الأرشيف ، لالقاء الضوء علي مضمون تقرير يركز علي خلفيات وتفاصيل وصول عملية المفاوضات المباشرة إلي شرم الشيخ بقيادة مصرية متميزة للرئيس مبارك ، فالقصة لم تكن صورة ، وانما تقرير يرافقه شكل توضيحي له . 3 أنه كان من المتصور أن تظل المسألة عند حدود أنها تعبر عن " خلاف مهني " ، يمكن النقاش حوله دون اثارة أو مبالغة أو عبارات زائدة ، فتلك هي القواعد المهنية المتعارف عليها ، ولكن من علقوا علي ما نشر ، أهملوا الأصل ، وهو الموضوع ، وجري التركيز علي وسيلة توضيحية مرافقة له ، بما أفقد القضية جوهرها الأساسي ، وهو المفاوضات العربية الاسرائيلية . ان ما جري فعليا ، هو أنه تم تجاوز " التقرير " إلي " التكوين " الذي نشر معه ، ثم جري تجاوز " التكوين " إلي الصحيفة ، ثم تجاوز الصحيفة إلي المؤسسة ، وتجاوز المؤسسة الي النظام السياسي ليصل الأمر في النهاية الي استهداف الدولة ، في هجوم غير مسبوق ، خارج السياق ، يتم فيه تحميل " وسيلة توضيح " معتادة دلالات سياسية لم ترد علي ذهن أحد ، ويحمل ملامح ترصد واضحة ، من جانب أطراف لا تستريح للتطور الذي تشهده الأهرام حاليا ، أو تبحث عن قصص مثيرة في مصر . وهنا يهمنا مرة أخري أن نوضح ما يلي : 1 أن مؤسسة الأهرام هي اقدم وأكبر مؤسسة اعلامية في المنطقة العربية ، من حيث حجم أعمالها ، وتوزيع اصدارتها ، وثقل تأثيرها ، وأنها تضم الي جانب الأهرام العربي اليومي ، اربع صحف أخري ، و12 اصدار دوريا ، لديها قوة صحفية ضاربة ، كما أنها تمتلك أكبر ادارات الطباعة والتوزيع ، والاعلانات في مصر . 2 أن صحيفة الأهرام هي الأولي مصريا وعربيا بدون منازع ، فلديها شبكة واسعة من المندوبين والمراسلين في العاصمة ، والمحافظات ، والخارج ، وطبعات عربية ودولية ، وقاعدة تحريرية واقتصادية خارج المنافسة . وفقا لأرقام التوزيع ، فانها تتفوق علي أي صحيفة تالية لها بما يقدر بمليون نسخة اسبوعيا . وفي النهاية ، فانه إذا كان ثمة درس لنا مما جري ، فانه يتمثل في أن نكون متأكدين من قيمة وأهمية المؤسسة التي نعمل بها ، والصحيفة الرئيسية التي تصدر عنها ، وأن نصر طوال الوقت ، علي الاستمرار في اتباع أقصي معايير المهنية صرامة ، لأن ما ينشر في الأهرام ، لا يمر هكذا ، بل يتردد صداه في أنحاء العالم . وختاما ، أتمني لكم كل التوفيق من أجل رفعة الأهرام ومكانة مصر . والذي يدقق في الصورة التي نشرتها " الأهرام " وآراد لها البعض أن تكون أزمة . سوف يكتشف بالفعل أنها صورة تعبيرية . لأنه حتي السجادة في الصورة ليست هي نفسها سجادة البيت الأبيض . و" ألأهرام " ليست في حاجة إلي تزوير صورة ولا الرئيس مبارك في حاجة لمن يزور له صورة . المسألة كلها اذن مجرد »رؤية صحفية«.. وهذه الرؤية قائمة علي حقائق لا يمكن انكارها لكن.. هذا هو المناخ الذي أصبحنا نعيشه. وتلك صورة أخري واضحة. عن فكر وأسلوب وسواد قلب. حزب »الرافدون في الذرة«!.