صباح الجمعة، خرجتْ جدتي من الحمام وهي ترتدي السواد وجلستْ أمام زجاجة العطر ثم أخذتْ قطرة ووضعتها خلف أذنيها وغابتْ بروحها عني فقلتُ لها: أين جدي؟ قالت: في جنة العطر وسقطتْ من عينها قطرات لؤلؤ فبكيت. أحب يوم الجمعة، وأحب أذن جدتي حين تنحني تقبلني فأشم عطرا يُدخلني الجنة ويجعلني أجري فوق السحاب، وأعوم في زرقة الموج فأدس أنفي في عمق أذنها لتمتص روحي مزيدا من العطر والسحر فتضحك وتبعد أذنها عني فأتشبث بها حتي لا يذهب عني روح العطر. كل خميس يحملني أبي لجدتي فتربت علي كتفه وتبتسم له وتدعو له بالسعادة، يحمر وجهه ويتركني فأسمع أقدامه علي السلالم كأنه علي موعد مع فرح يشق روحه. أظل ألعب مع جدتي حتي يحمر وجهها حين تسمع خطوات جدي فأنعس وتربت علي شعري فأتصنع النوم وتتركني علي السرير وحدي أترقب لحظة دخولهما غرفتهما يتضاحكان. أنا أحب جدتي وأحب جدي وأجلس في الصالة بعد أن يدخلا غرفتهما وأنتشي حين يسكت ضحكهما ويبدأ صمت بينهما يجعل روحي تسبح في الهواء وأترقب سحر العطر. حين تتسرب روح العطر من تحت الباب ويدخل أنفي أرقص طائرا وأعوم في الفراغ وأحلم كل الأحلام المعطرة وأنام في الجنة علي كرسي الصالة وأنفي معلق بباب الغرفة. وأنا غارق في دوامة العطر أشعر بجدي يخرج من غرفته يرتدي فانلة بيضاء وينضح العرق من شعر صدره، يفتح الثلاجة ويأكل تفاحة وينظر فيراني نائما فيحملني ويدخلني للسرير وهو يقبلني. أشم رائحة جسده الغارق في عطر جدتي فأظل أحتضنه فيربت علي ظهري حتي أهدأ وأدخل بوابة العطر وأتوه في الحلم. صباح الجمعة وعندما خرجت جدتي من الحمام تبعتها وجلست علي السرير وهي تبتسم للمرآة وتأخذ قطرة من زجاجة العطر التي تشبه الكرة الأرضية وتضعها خلف أذنيها وحين فاحت رائحتها ذهبت إلي الزجاجة وأردت أن أفتحها قالت: لا، هذا سر وأخذتْ قطرة علي طرف إصبعها ولمست أنفي فدخلت الجنة.