رحل عن عالمنا الفنان الكبير محمود عبد العزيز يوم السبت الماضي بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز 70 عاما خاصة بعد وصول الأزمة الصحية معه لمراحل متقدمة.. حقا رحل الساحر والقبطان عنا جسدا وبقي عطاؤه وعمله وإنجازاته الفنية، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر فيلم الكيف، عفوا أيها القانون، إعدام ميت، الشقة من حق الزوجة، العذراء والشعر الأبيض، العار، الجوع، إبراهيم الأبيض، أبناء وقتلة، أبو كرتونة، قانون إيكا، طائر الليل الحزين، تزوير في أوراق رسمية، سمك لبن تمر هندي، القبطان، الجنتل، مسرحية خشب الورد، ومسلسلات رأفت الهجان، محمود المصري، أبو هيبة في جبل الحلال، راس الغول، علامات في تاريخ السينما المصرية قدم خلالها قضايا المخدرات والجاسوسية وموضوعات واقعية جاءت من قاع المجتمع، ورغم غياب رجل الالتزام والكلمة والمواقف عن دنيانا وساحتنا الفنية، إلا أنه سيظل الحاضر لمسيرة حياة فنية واجتماعية تزخر بالعطاء الإنساني والمهني المتميز، ناقش فيها واقع وقضايا المجتمع ومتطلبات الجمهور بذوق راقٍ وبدون إسفاف. قبل رحيله بيوم طلب الاستماع لبرنامج سينمائيات تقديرا للراحلة معالي زايد وبساطة النجم الراحل محمود عبد العزيز واضحة حتي مع نفسه. فهو كان يعترف بها ويعلن بصراحة أنه إنسان عادي يكره التكلف والازدواجية، فمحمود عبد العزيز هو محمود داخل أو خارج الوسط الفني فهو ودود وعشري ولكنه يسير علي مبدأ (عامل تعامل) وسنوات عمره لم تكن أبدا حائلا بينه وبين الواقع، لأنه يفضل دائما أن يعيش سنه بكل ما يعنيه من وقار والتزام ومرح ونضج عقل، لكن قد لا يعرف الكثيرون أن هناك تفاصيل صغيرة تختبئ خلف ورقة سيناريو وقصة المبدع محمود عبد العزيز قبل أو أثناء تقديمه أي عمل فني وكان يؤكد أنها تساهم في خلق أجواء خاصة ترتبط بشخصيته التي يجسدها وتصبح مع مرور الوقت شريكا له في مشوار إبداعه التمثيلي، وكما يقول المثل لكل مبدع طريقة فقد كانت الإسكندريةمسقط رأس الفنان هي المهد الذي يشهد إبداعات النجم القدير وعلي صوت فيروز ومشهد البحر كان يقرأ سيناريوهات أعماله منذ فترة الستينيات وحتي قبل لحظة مرضه. وكان يقول إن تجسيد أي شخصية وخاصة لعمل درامي يحتاج لمواصفات مختلفة فأنا أعشق الإسكندرية بشكل خاص، ولا أستطيع قراءة سيناريوهات أعمالي الجديدة في مكان آخر خاصة فترة الصباح بداية من الحادية عشرة صباحا وحتي السادسة مساء وبعدها لا أستطيع جمح رغبتي في التفكير وأنا علي كورنيش النيل.. وكنت أكتب دائما ملاحظاتي في ورق مسطر، وهو الذي كان يساعدني علي تنظيم أفكاري في كل عمل ويختلف قلم كل عمل عن آخر جديد، ولكنه لايختلف عن كونه قلما أسود حبرا ولكن تختلف نوعيته من مسلسل أو فيلم لآخر. ولم يخف النجم الراحل في أحاديثه للمقربين خصوصا صديقه الليبي الذي يمتلك فندقا كبيرا علي الطراز الإيطالي بمنطقة الهانوفيل ويدعي محمد فرج المسماري أنه كان يعشق الموسيقي الكلاسيكية لدرجة سيطرتها علي أدواته الفنية في كتابة ملاحظاته علي الورق الأبيض ناعم الملمس، ولا مانع في اختلاس الوقت لتناوله الحلويات الشرقية وفنجان القهوة ويعتبرهما أفضل شيء لإيجاد توقيت لخيال واسع حينما يقرأ جمل الحوار بكل عناصر المتعة. ورغم الأعمال الدرامية الرائعة التي قدمها محمود عبدالعزيز سواء في المسرح والسينما والتليفزيون ومنها علي سبيل المثال لا الحصر مسرحية خشب الورد التي قدم فيها الفنانة إلهام شاهين في أول ظهور فني لها علي الساحة الفنية ثم مجموعة أفلام "أبناء وقتلة العذراء والشعر الأبيض طائر الليل الحزين عفوا أيها القانون قانون إيكا تزوير في أوراق رسمية الجوع الكيت كات إعدام ميت البنات عايزة إيه أبو كرتونة الشقة من حق الزوجة الكيف ومسلسل رأفت الهجان إلا أنه غاب عن الساحة لسنوات طويلة وحدث أن التقي بالفنان الراحل سامي العدل في إنجلترا وعاتبه العدل علي غيابه عن الساحة. ونجح في إشعال نيران الغيرة علي شهرته ومكانته، وأكد لسامي العدل وقتها أنه لايمكن أن يرفض عملا جيدا لكن سامي العدل سارع بإقناعه بقبول دور البطولة في المسلسل الكبير محمود المصري.. وبعدها قدم رائعة أعماله السينمائية في أفلام الساحر وسمك لبن تمر هندي والقبطان، وبعدها فكر في الابتعاد لخوض مجال الإنتاج الفني، وفي هذا الوقت اقتحم نجلاه محمد وكريم مجال التمثيل رغم أنه لم يكن يتمني لهما أن يدخلا المجال علي اعتبار أن همومه النفسية شديدة القسوة، وحدث بعدها أن قدم رائعة فيلم "إبراهيم الأبيض" لإيمانه الشديد وحبه للفنان أحمد السقا.. وكان الفيلم من نوعية أفلام الأكشن. والفنان القدير الراحل كان يقول أنا عملت كل حاجة ولم أتوقف عند لون معين فقدمت أفلاما تتناول قضايا المخدرات مثل "الكيف" ومشاكل البنات في فيلم البنات عايزة أيه.. والأفلام الاجتماعية مثل "طائر الليل الحزين.. والقبطان.. الشقة من حق الزوجة.. الجوع" وتلك موضوعات واقعية جاءت من قاع المجتمع وهذا التنوع نتيجة بحث مستمر، هذا علاوة علي أني جسدت الكوميديا الراقية في فيلم الكيت كات.. سمك لبن تمر هندي.. وأبوكرتونة هذا بالإضافة لأن الفنان الراحل قدم بتميز نوعية أعمال الجاسوسية الشيقة التي جذبت المشاهدين، وبالتحديد في مسلسل رأفت الهجان وفيلم إعدام ميت ولاحظ عليه المتابعون لأعماله التي قدمها في الفترة الأخيرة خصوصا الرمضانية ومنها مسلسلا "أبوهيبة في جبل الحلال.. وراس الغول" أنه دائما ما يعيش حالات قلق قبل اختيار أي عمل جديد، الأمر الذي يسبب له متاعب نفسية وجسمانية ولكنه دائما ما يقول عبارته الشهيرة.. القلق هو الذي صنع نجاحي ويقصد القلق علي النجاح بصفة خاصة.. كما لوحظ في الفترة الأخيرة تفضيله للهدوء والحب والسكينة وبعده عن الضوضاء.. وعندما سأله صديقه الفنان مظهر أبوالنجا الذي كان يكن له محمود عبدالعزيز عشقا خاصا منذ القدم.. ليه يامحمود عاوز تعيش في شبه عزلة.. كان رد الفنان محمود عبدالعزيز لأني لا أحب الكذب. وكان لمحمود عبدالعزيز رأي خاص في هوجة إطلاق الألقاب علي الفنانين حيث كان رافضا ويقول لا يستحقها من أطلقت عليه سواء من جيلي أو الجيل الحالي.. فلا يوجد في أي بلد في العالم سوي مصر يردد لقب الممثل الكبير.. نجمة الجماهير.. فتي الشاشة.. وحش الشاشة الممثل العظيم فكيف يصبغ الفنان علي نفسه لقب الفنان القدير أو القوي وغيره وبصراحة هي ظاهرة غريبة. والذي لا يعرفه كثيرون أن محمود عبدالعزيز سبق ووقع بعد انتهاء فترة خصامه السابق للفن عقد بطولة المسلسل التليفزيوني "كازانوفا" تأليف مدحت العدل وإخراج مجدي أبوعميرة وكان سيجسد بأسلوب كوميدي خفيف شخصية طبيب أمراض نساء ناجح في عمله ويتمتع بوسامة كبيرة ويقرر الزواج والاستقرار، ولكنه لا يعرف أنه سيدخل في دوامة بسبب غيرة زوجته التي تحول حياته إلي جحيم.. وكان مفروضا لو تم شفاؤه من أزمة مرضه أنه سيبدأ في تصوير أحدث أفلامه السينمائية "أوضتين وصالة" وعلي هذا الأساس لم يقدم جزءا ثانيا من مسلسل جبل الحلال الذي سبق وقدمه في رمضان قبل الماضي ونال نجاحا كبيرا. ومحمود عبدالعزيز أكد للمقربين إليه خصوصا الفنان فاروق الفيشاوي أنه رغم ظروفه الصحية كان يفكر في العودة للمسرح.. ولم يهمله كما يردد البعض، فبرغم ارتباطاته الفنية إلا أنه لا يمانع في تقديم عرض بشرط أن تكون فكرته جريئة وتستحق أن يتفرغ لها.. وأنه كان يحرص في كل مرة يسافر فيها إلي لندن وباريس أو أمريكا علي مشاهدة أحدث العروض المسرحية، وتمني لو عثر علي فكرة تصلح للعرض في مصر.. وتتناسب مع مجتمعنا وعاداته وتقاليده.. كما أكد للمقربين منه مع الفيشاوي وعادل إمام أن رحيل أصدقائه خالد صالح وفاتن حمامة وعمر الشريف وعبدالرحمن أبوزهرة وحسن مصطفي جدد مشاعر أحزانه مرة أخري خصوصا علي فراق شقيقه أحمد الذي فقده في أكتوبر 2014والمثير في هذا الإطار أن الفنان محمود عبدالعزيز رغم ظروفه المرضية الشديدة إلا أنه طلب الاستماع لبرنامج سينمائيات الذي تم تقديمه بعد منتصف الليل علي موجة صوت العرب قبل وفاته بيوم واحد، وكان عن ذكري رحيل الفنانة معالي زايد وعن أعمالها التي كان من أهمها الشقة من حق الزوجة وسمك لبن تمر هندي.. وهو لا يعلم أن سناء الشيخ وكيل وزارة الإعلام رئيس الإدارة المركزية للإنتاج السينمائي بقطاع الإنتاج ستبدأ تنفيذ فيلم تسجيلي يروي مشوار الساحر محمود عبدالعزيز منذ الصغر وحتي آخر أعماله علي غرار ما تم تنفيذه للفنانة فاتن حمامة.. ويري البعض إطلاق اسم الفيلم بالعبارة التي كان يقولها محمود عبدالعزيز "أنا خارج المنافسة".