متي نكرم فؤاد حجازي بما يليق به وبنا؟ لن أمل من المطالبة بتكريم أشخاص تتخطاهم دائما جوائز الدولة في مختلف مستوياتها، رغم أن الشروط النظرية لهذه الجوائز تنطبق بحرفيتها عليهم. عندما أستعرض السيرة الذاتية لفؤاد حجازي أتأكد أننا أمام مثقف ذي عطاء متنوع، لم يكن للحظة منغلقا حول مشروعه الإبداعي، حاول منذ وعيه أن يكون له رأيه النابع من ضميره، لم ترهبه وهو في مقتبل حياته محنة الفصل من كلية الحقوق، عقابا له علي مواقفه السياسية، لم يتراجع للحظة عن الدفاع عما يعتقده أنه لصالح هذا الوطن، مر بتجربة السجن أكثر من ثلاث مرات، انتصارا لإرادة هذا الشعب، فقد كان من مؤيدي مظاهرات الخبز في 18 و19 يناير 1977 وبسببها سجن لمدة شهرين، السجن لم يزده سوي صلابة وقوة. تجارب حجازي لم تكن فقط مصدرها السجن، بل كان واحدا من أسرانا، وعبر ذلك في عمله البديع " الأسري يقيمون المتاريس"، فعالم الأسر يضاف لعوالمه التي أجاد التعبير عنها، فهو- أيضا- ليس أديبا مجيدا، بل مؤرخ استطاع بأعماله أن يقدم لنا صورا من الحياة المصرية، لاسيما في مدينته المنصورة، قلمه لم يقف لحظة عن الإبداع، الذي ساهم فيه سواء برواياته و مجموعاته القصصية و دراساته، لكن يبقي عندي دور يميزه عن غيره وهو عطاؤه المتواصل في تقديم أجيال من الشباب في مختلف فروع الثقافة، من خلال سلسلته الرائدة " أدب الجماهير" ما فعله حجازي هو جهد مؤسسة وليس فردا، هذا السعي لاكتشاف المواهب وتقديمها هو جزء أصيل من مسيرة هذه الشخصية الفذة في عطاءاتها وفي قناعاتها، وإذا كانت كلية الحقوق بجامعة القاهرة أقدمت ذات يوم علي فصله، فهي ذات الجامعة التي احتفت به، بل ومنحت د. حمدي حسين درجة الدكتوراه، لأنه تناول بالبحث مجموعة من أعمال حجازي وعدد آخر من الأدباء، وذلك في رسالته بعنوان " الرؤية السياسية في الرواية الواقعية"، كما احتفت به جامعة عين شمس، وتحديدا كلية الألسن من خلال رسالة غادة عفيفي بعنوان " الحرب في الرواية" فقد تناولت بالدراسة روايته البديعة "الرقص علي طبول مصرية"، كما ترجمت أعماله إلي عدد من اللغات. إن فؤاد حجازي علامة من علامات واقعنا، يجب أن نحتفي ونحتفل به، ونقدمه كنموذج لمثقف لم يغير قناعاته ولا أراءه، دافع عنها ببسالة، مهما كان الثمن، ولم يعش للدفاع عن آرائه فقط، بل سعي إلي أن يقدم إبداعا يليق به، فحجازي له أكثر من ثلاثين كتابا منشورا في مختلف مجالات الثقافة، وله فلسفته لما يكتب: " لا يبقي إلا ما كتبته بدمك.. كتاب كثيرون لهم شهرة مدوية، لكنهم يكتبون بلا قيمة إنسانية.. دائما قل ما تقوله مصبوغا بدمك.. ليجد طريقه نحو قلوب الآخرين".. وأعتقد أن الشهادات والمقالات المنشورة في البستان هذا العدد، تؤكد أن مسيرة فؤاد حجازي محفورة في قلوب متابعيه وتلاميذه وجيله، ولعل جملة الأديب محمد جليل في شهادته المنشورة في هذا البستان، تلخص مسيرة صاحب " الأسري يقيمون المتاريس" إذ يقول: " أن تجد كاتبا جادا لا يسعي إلي الشهرة في مواقع الانتشار والشهرة ثم تأتيه في مكانه.. فهذا هو فؤاد حجازي".