الشرفاء في بلادي ستظل سيرتهم عطرة، لكن الإعلام مقصر، من حقهم أن يتحولوا لنبراس للشباب، قناديل تنير طريق الأمل لكل محبط ويائس ومكتئب، رائحة الفساد تزكم الأنوف، هذا صحيح، الفساد هو أس البلاء، غول يلتهم الواقع والأحلام، يسرق عرق الغلابة، سوس ينخر في بنيان الوطن، ولابد من قطع رأس الفساد، خلعه من جذوره بمحاكمات ناجزة ورادعة. للفساد عدة وجوه، وليس شرطا أن نحصره في الفساد المالي بالاختلاس والسرقة والتبديد، فساد الضمائر والذمم أخطر من ذلك بكثير، فمن باع ضميره وفسدت ذمته سرق وبدد واختلس واستحل المال العام، وفي ظل عتمة الفساد ورائحته النتنة، تصل لأنوفنا رائحة عطرة لشرفاء كثر يدفعون دائما ثمن أمانتهم وصدقهم وضميرهم اليقظ المتحرك ووطنيتهم التي تدفعهم لعشق تراب هذا البلد، ومن هؤلاء » الشهيدان عادل حسانين وأشرف جويدة » اللذان نالا حقهما بعد 8 سنوات من استشهادهم علي يد مقاول غشاش معدوم الضمير استل سلاحه وأطلق عليهما النار عندما رفضا مغرياته وكل حيله وألاعيبه وفساده، وأصرا علي عدم استلام سد وادي البارود الأبيض رقم » 1 »، لأن الأعمال المكلف بها من وزارة الري لم تنفذ طبقا للشروط والمواصفات المطلوبة والمتفق عليها، المقاول الغشاش القاتل حاول استمالتهما كما استمال غيرهما بالتأكيد لأن التزامه بالشروط والمواصفات المتعاقد عليها سوف يكلفه الكثير وهو يريد أن يكسب ويربح ويسفح مال الدولة، وليذهب السد في ستين داهية بعد تسليمه، وأكم من عمليات فاسدة تسلم بهذه الطريقة في المدارس والمباني والطرق وأعمال البنية التحتية وغيرها من المشاريع المسندة لمقاولين وشركات خاصة ! رفض المهندس عادل حسنين والمهندس أشرف جودة كل مغريات المقاول، أصرا وتمسكا وانتهت حياتهما برصاصات الغدر والخسة التي أطلقها المقاول، قصة لم أسمع بها وقت حدوثها من 8 سنوات، لكني بحثت عن تفاصيلها عندما وصل بريدي الإليكتروني صورة من القرار الذي أصدره د. محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري أول أمس بإطلاق اسميهما تخليدا لهما علي سد وادي البارود الأبيض الذي لولاه لغرقت سفاجا » المدينة الوحيدة التي لم تتأثر علي الاطلاق بكارثة السيول التي أغرقت رأس غارب »، وقد أكدت وزارة الموارد المائية والري، أن السدود التي أنشأتها الوزارة في نطاق مدينة سفاجا امتلأت بالمياه، وشملت سد وادي أبو ماية بالكيلو 23 غرب سفاجا بطول 100 متر وارتفاع 5 أمتار، الذي امتلأت بحيرته التخزينية ب 120 ألف متر مكعب، وسد وادي البارود الأبيض الخرساني المقام علي بعد 10 كم غرب سفاجا بطول 110 أمتار وارتفاع 10 أمتار الذي يوفر الحماية لطريق سفاجا قنا ومدينة سفاجا، وأثمرت السيول عن حجز كميات مياه في بحيرة السد بلغت نحو مليون ومائتي ألف متر مكعب. لو كان المهندس عادل حسنين والمهندس أشرف جودة، رحمهما الله، بلا ضمير لتساهلا مثل غيرهما من الفاسدين والمفسدين، واستفادا ماديا من المال الحرام، لكنهما رفضا ودفعا الثمن الذي أنقذ الآن ولأعوام سابقة مدينة سفاجا من السيول الجارفة الغاضبة التي كان بمقدورها تحويل السد لتراب طالما لم ينشأ وفق المواصفات، تحية لروحيهما العطرة، وتحية لوزير الري، وتحية لكل شريف يقف في وجه الفساد. الشرفاء لا يريدون لأنفسهم شيئا سوي صالح الوطن وبناء الدولة، وعلي الدولة أن تكشف عنهم وتكرمهم.