لا يخفي أن مصر تمر بأحوال اقتصادية صعبة وتواجه تحديات كبيرة تتطلب من ابنائها التكاتف للبحث عن حلول للخروج من هذه الأزمة ومواجهة هذه التحديات وليس فقط لعب دور المتفرج أو الاكتفاء بالبكاء والعويل أو ترويج الشائعات المحبطة.. الدكتورإسلام شاهين أستاذ الاقتصاد والمالية العامة المساعد والمستشار الاقتصادي لمجلس علماء مصر يضع يده علي مكمن الداء ويقدم توصيفا دقيقا للحالة الاقتصادية الراهنة في مصر وروشتة التعافي للاقتصاد المصري ويطرح »فكرته» للخروج من الأزمة بسلام.. وذلك في الحوار التالي.. إصلاح منظومة الدعم ومراجعة عقود تصدير الغاز 3 أسباب تمنع حدوث أية كارثة وتضمن ضبط الأسعار هل هناك توصيف للمشكلة الاقتصادية المصرية؟ وإلي أي مدي هناك أفكار ومرتكزات إبداعية تمكن الحكومة المصرية من النهوض لتكون في مصاف الدول المتقدمة؟ - نري أن مصر تمر الآن بمرحلة اقتصادية حرجة جاءت نتيجة الفساد الاقتصادي والسياسي في العقود الماضية، لكن ما تتبعه الدولة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والذي يجب علي الحكومة أن تواكبه بل وتسير علي النهج بخطوات مماثلة يبعث الأمل والتفاؤل في مستقبل مشرق لمصرنا الحبيبة. ولتوضيح رؤية مبسطة للقارئ يجب أن نلقي بظلال علي بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري حيث إن النمو وصل إلي أقل من4%، والبطالة وفقاً للبيانات الرسمية 9.5%، والفقر تفاقم وهو يضرب قرابة نصف السكان والبالغ عددهم هذا العام حوالي 91٫5 مليون نسمة، والديون الداخلية بلغت نحو1750 مليار جنيه فيما وصلت الديون الخارجية الي نحو 49.5 مليار دولار مع نهاية يونيو الماضي. كما أن العجز الكلي الحالي يقترب من 305 مليارات جنيه مصري بموازنة 2016/2017 حيث ان الايرادات التي كشف عنها مشروع الموازنة بلغت 631 مليار جنيه كما بلغ الانفاق العام 936 ملياراً. تحسن ملحوظ ما الذي أوصلنا إلي هذه الصورة القاتمة والتحديات الكثيرة؟ وهل من ضوء في نهاية النفق للخروج منها؟ - هذه الصورة القاتمة ناتجة عن الإرث الاقتصادي-الاجتماعي الثقيل الموروث من العهود السابقة، ولكن التحسن الملحوظ الذي نشهده علي مدار عامين بمشروعات قومية تصل إلي 38 مشروعا قومياً في العديد من المجالات كالطاقة والكهرباء والاسكان والطرق والنقل والثروة السمكية والتعليم والزراعة والصحة، هذه الصورة تخفي خلفها حقيقة أن مصر تملك امكانيات جبارة تتمثل في الموارد البشرية والموارد المعدنية والمحجرية الهائلة فضلاً عن النفط والغاز والمياه العذبة والبحيرات والأرض والشواطئ بما يؤهل مصر لتطوير قطاعات الزراعة والصيد والصناعات الاستخراجية التحويلية والزراعية، ولدينا كل الإمكانات للسياحة الثقافية والدينية المرتبطة بميراثنا الحضاري وثروتنا الأثرية التي تفوق كل ما عداها، بما يؤهلنا لمضاعفة حجم وإيرادات قطاع السياحة، ولدينا موقع استثنائي يؤهل مصر لأن تكون قطباً رئيسياً جاذباً للاستثمارات، ومركزاً عالمياً للتخزين ولتجارة الترانزيت ولصيانة وإصلاح وصناعة السفن خاصة موقع قناة السويس الفريد والذي تم انجازه بكل المقاييس فيما يطلق عليها معجزة من حيث التوقيت، بالاضافة إلي العاصمة الإدارية الجديدة والتي سوف يكون لها بالغ الأثر الإيجابي الاقتصادي والاجتماعي علي الشعب المصري. كل ذلك يتطلب تحقيق حالة من التوافق الاجتماعي والاستقرار السياسي والأمني بجانب الاستقرار للسياسات الاقتصادية والنقدية، والأهم استقرار وتحديث التشريعات الحالية. حيث ان الحاجة ملحة إلي إصلاح الجانب التشريعي للسياسات المالية والنقدية خاصة تعديل بعض مواد وأحكام قانون البنك المركزي، وكذلك التشريعات الخاصة بالاستثمار والضرائب سيكون لها بالغ الأثر في جذب المستثمرين المحليين والأجانب بما يدر الخير بمشروعات عملاقة ينعكس أثرها علي الجانب الاقتصادي والاجتماعي لأبناء هذا الشعب العظيم. ما فكرتك للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة؟ - كمتخصص في المجال الاقتصادي وخاصة الاقتصاد السياسي - لا أخاف من وجود كارثة تهدد الاقتصاد كما يظن البعض رغم تزايد المطلوب بشكل ملحوظ وعدم وجود وفرة في المعروض وهذا سيترتب عليه ارتفاع شديد في الاسعار وخاصة اسعار السلع الغذائية واللحوم، وذلك لثلاثة أسباب: 1- يمكن من خلال قرارات رشيدة وحصيفة من البنك المركزي إحداث توازن بالسوق. 2- أن المؤسسات الوطنية مثل المؤسسة العسكرية قادرة علي إحداث توازن في السوق المحلية خاصة للفقراء والفئات المعدومة، وأن أي شكوي من الأسعار ستكون غالباً من الفئات متوسطة ومرتفعة الدخل. 3- أن التدخل المباشر للرئيس عبدالفتاح السيسي لحماية محدودي الدخل والفقراء من تلك الأزمة والارتفاع في الاسعار، والذي كانت رسالته دوماً للمصريين قبل ذلك واضحة أنه لا مساس بالفقراء وأنه سيكون دوماً في محاولة جادة للحد من ارتفاع الاسعار كما كانت توجيهاته حتي اليوم بالدفع ببعض المنتجات من قبل القوات المسلحة والتي ظهر تأثيرها بشكل ايجابي علي السوق المصرية. عدة إجراءات كيف يمكن الخروج من الأزمة الخاصة بالدولار وزيادة أسعار السلع؟ - يمكن ذلك من خلال عدة اجراءات أهمها التدخل المباشر من رئيس الجمهورية بالتعاون مع المؤسسة العسكرية بتوفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة طوال العام وليس لفترات محددة. وتدخل البنك المركزي لزيادة الاحتياطي مما يعمل علي خفض سعر الدولار وبالتالي انخفاض أسعار السلع وخاصة المستوردة. وطلب المركزي للبنوك المحلية استقبال وتحديد طلبات المستوردين من احتياجاتهم من الدولار حتي يحاول توفيرها. ومراجعة القرارات الخاطئة للبنك المركزي والتي كانت سبباً في تقييد التعامل بالعملة الأجنبية. والاغلاق التام لجميع شركات الصرافة ليس فقط المخالفة ومعاقبة فورية ورادعة للمضاربين بالعملات حيث سيؤدي إلي أوضاع كارثية علي الاقتصاد المصري. مما يعمل علي انخفاض حدة الطلب علي الدولار وبالتالي انخفاض سعره مما يؤثر بالإيجاب علي أسعار السلع المستوردة لصالح المستهلك المصري. والتعاون بين المحافظات من جانب والغرف التجارية من جانب أخر بفتح معارض للسلع، لمواجهة ارتفاع الأسعار، مع مشاركة الشركات المنتجة. وتدخل الإعلام بكافة صوره المسموع والمقروء والمرئي لزيادة الوعي الاستهلاكي وكيفية تعامل المستهلك الرشيد مع التاجر حتي يكون وسيلة ضغط لضبط هامش الربح للتاجر مما يعمل علي أن تكون الأسعار في متناول المستهلك. وتدخل المؤسسات الدينية بمناشدة التجار بعدم استغلال حاجة المستهلكين. وتشجع المواطنين علي شراء المنتجات المحلية المصرية الصنع.والرقابة الفعالة لضبط المخالفين بزيادة الأسعار بعد أن يتم تحديدها من خلال وسائل الإعلام المختلفة.وتشديد العقوبات لكل من يثبت في حقه زيادة الأسعار بعقوبات سالبة بالحرية خاصة في تلك الظروف الاقتصادية الاستثنائية التي تمر بها البلاد. والعمل سريعاً علي تنمية المزارع السمكية وخاصة بحيرة ناصر لزيادة الطاقة الاستيعابية من الأسماك وتوفيرها بسعر رخيص جداً مما يعمل علي انخفاض أسعار الدواجن واللحوم نتيجة انخفاض الطلب عليهما. وإصلاح نظام الدعم بإزالة كل الدعم المقدم للأثرياء والرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية التي تبيع إنتاجها بأعلي من الأسعار العالمية في صناعات الأسمنت والأسمدة والحديد والسيراميك والألومنيوم والتنقيب. وكيف يمكن أن يسهم مجال البترول والغاز والثروة المعدنية في حل هذه الأزمة؟ - يمكن أن يلعب هذا المجال دورا كبيرا في معالجة الازمة من خلال تحويل المخابز وقمائن الطوب وسيارات النقل والميكروباص للعمل بالغاز، مما سيوفر كتلة عملاقة من الدعم تصل إلي 75 مليار جنيه. وتغيير قانون إدارة الثروة المعدنية ورسوم استغلالها التي تقترب من الصفر والتي تم وضعها عام 1956 علي أساس أن الدولة هي التي تحتكر استغلالها، ثم دخل القطاع الخاص المحلي والأجنبي واستمرت تلك الرسوم المتدنية مما يشكل نهبا للموارد الطبيعية العامة. ويمكن لأي قانون جديد يرفع رسوم استغلال هذه الثروة لمستويات اقتصادية، أن يضيف لمصر نحو25 مليار جنيه سنويا، حسب تقديرات الهيئة العامة للثروة المعدنية. واستغلال الثروات المحجرية والعمل وبكل جهد علي استخراج الليثيوم المعد لصناعة بطاريات الأجهزة المحمولة والتي استخراج مصر منها يساوي صفر في حين يؤكد الخبراء أن قيمة ربحيتها قد تصل إلي 33 مليار جنيه سنوياً وهو ما تحتاجه مصر من قيمة قرض الصندوق. واجراء تغييرات حاسمة لأسعار تصدير الغاز المصري، لتتساوي مع الأسعار العالمية وتتغير تبعا لها، علي أساس أن عقود بيع الغاز المصري بأسعار بالغة التدني وثابتة لأسبانيا وتركيا والأردن هي عقود فاسدة أبرمها نظام لم يكن يعبر عن مصالح الشعب المصري. ولو حدث هذا التغيير فإن مصر يمكن أن تضيف ما يقرب من 15 مليار جنيه كإيرادات عامة إضافية سنويا. وفرض ضريبة ثروة ناضبة علي كل الشركات المصرية والأجنبية العاملة في قطاع النفط والغاز لاسترداد حقوقنا منها، لأن غالبية عقود المشاركة في الإنتاج أبرمت عندما كان سعر النفط نحو 17 دولارا للبرميل في تسعينيات القرن الماضي، وما زالت كما هي، ولابد من استرداد حق مصر من هذه الزيادة من خلال هذه الضريبة علي غرار ما فعلته دول أخري.