صحيفة عبرية: اغتيال هاشم صفي الدين    سيراميكا يكشف كواليس استدعاء الأهلي للتحقيق مع أحمد القندوسي    وظائف هيئة الرقابة النووية والإشعاعية 2024.. تعرف على التخصصات    البابا تواضروس الثاني يلتقي مديري المستشفيات الكنسية بالقاهرة    «الحصاد الأسبوعي».. نشاط مكثف لوزارة الأوقاف دعويًّا واجتماعيًّا..    فتح باب الترشح لانتخاب التجديد النصفي لنقابة الصحفيين في الإسكندرية    تراجع أسعار الذهب عقب إعلان بيانات الوظائف الأمريكية    عمرو أديب: "رأس الحكمة" استثمار واعد يستهدف جذب أكثر من 8 ملايين سائح سنويًا    منسق «حياة كريمة» بالقاهرة: إقبال كبير من المواطنين على منافذ بيع اللحوم    كورسات في اللغة الإنجليزية من الجامعة الأمريكية لذوي الهمم.. اعرف المواعيد    حقيقة إلغاء الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية.. التعليم تحسم الجدل    القوات الروسية تقضي على 80 عسكريا أوكرانيا وتدمر 17 آلية في مقاطعة "سومي"    تصاعد النزوح في لبنان وسط القصف الإسرائيلي واستنفاد قدرات مراكز الإيواء    "تعليم دمياط" تشارك في "بداية " ب ورش وندوات لتنمية مهارات الطلاب    قطر يتعرض للهزيمة من الأهلي في غياب أحمد عبد القادر    مجدي عبد الغني: الزمالك لديه الحق في "التحفيل".. كهربا تراجع مستواه وهناك لاعبون يدخنون "الشيشة"    بليغ أبوعايد: فوز الأهلي على برشلونة إنجاز عظيم للرياضة المصرية    الإسماعيلي يسعى لاستعادة أحمد محسن وسط أزمة القيد    أجواء معتدلة وسحب منخفضة.. الأرصاد تعلق تفاصيل طقس السبت بدرجات الحرارة    ضبط 3000 عبوة مواد غذائية منتهية الصلاحية في كفر الشيخ    تفاصيل الحلقة الأولى من «أسوياء» مع مصطفى حسني    تكريم سهر الصايغ ورانيا محمود ياسين وخالد سرحان بمهرجان الإسكندرية السينمائي    بعد حلقة الدحيح.. ما قصة صدور حكم بإعدام أم كلثوم؟    «حياته هتتغير 90%».. برج فلكي يحالفه الحظ خلال الأيام المقبلة    الفنانة الفرنسية ماريان بورجو: «محمود حميدة عملاق وأنا من جمهوره»    خالد حماد: فيلم «معالي الوزير» أصعب عمل قدمت به موسيقى تصويرية    «قصور الثقافة»: مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية أكبر من فكرة رقص    قصة أهل الكهف.. رحلة الإيمان والغموض عبر الزمن    تدريب الأطباء الشباب وتعزيز التقنيات التداخلية، توصيات المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية بجامعة المنصورة    حملة «100 يوم صحة» تقدم 3.6 مليون خدمة طبية في سوهاج منذ انطلاقها    من هو أفضل كابتن للجولة السابعة من فانتازي الدوري الإنجليزي؟    اعتداء وظلم.. أمين الفتوى يوضح حكم غسل الأعضاء أكثر من ثلاث مرات في الوضوء    اختلفت المناطق والأدوار وتشابهت النهايات.. سر جثتين في عين شمس وحلوان    حدث في 8 ساعات| إطلاق مشروع رأس الحكمة التنموي.. ورصد أكبر انفجار شمسي    "السبب غلاية شاي".. إحالة موظفين بمستشفى التوليد فى مطروح للتحقيق -صور    طريقة سهلة لتحضير بسكويت الزبدة بالنشا لنتيجة مثالية    الطب البيطري بدمياط: ضبط 88 كيلو لحوم مذبوحة خارج المجازر الحكومية    مستوطنان إسرائيليان يقتحمان المسجد الأقصى ويؤديان طقوسا تلمودية    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عسكريين اثنين في معارك جنوب لبنان    شركات عالمية ومصرية وإماراتية.. تفاصيل إطلاق شراكة لتعزيز الابتكار في المركبات الكهربائية الذكية    أعضاء حزب العدل في المحافظات يتوافدون للتصويت في انتخابات الهيئة العليا    المرصد العربي يناقش إطلاق مؤتمرًا سنويًا وجائزة عربية في مجال حقوق الإنسان    واعظ بالأزهر: الله ذم الإسراف والتبذير في كثير من آيات القرآن الكريم    مصرع «طالب» غرقا في نهر النيل بالمنيا    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم بالغربية    وزير الاتصالات يلتقي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للتكنولوجيا    جيفرسون كوستا: أسعى لحجز مكان مع الفريق الأول للزمالك.. والتأقلم في مصر سهل    قناة السويس تكشف حقيقة بيع مبنى القبة التاريخي    الأنبا توماس يستقبل رئيس وزراء مقاطعة بافاريا الألمانية    منظمة الصحة العالمية تحذر من خطر انتشار فيروس ماربورغ القاتل    سليمان: زيزو أيقونة زملكاوية.. وبنتايك مثقف جدا    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    السيطرة على حريق بخط غاز زاوية الناعورة بالمنوفية    الإسكان: إزالة مخالفات بناء وظواهر عشوائية بمدن جديدة - صور    جيش الاحتلال يصدر أوامر إخلاء عاجلة لسكان 20 قرية في جنوب لبنان    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    هيئة الأرصاد تكشف عن موعد بدء فصل الشتاء 2024 (فيديو)    حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خلفية تاريخية لمشروع معرض حين يصبح الفن حرية
السرياليون المصريون‮ ‬‮(‬1939‮-‬1965‮)‬
نشر في أخبار الحوادث يوم 29 - 10 - 2016

ينزع عالم اليوم إلي التمدد علي نحو لم يعد ملائماً‮ ‬معه وصفه في إطار علاقة المركز والأطراف بل يجب تعريفه علي أساس مجموعة من المراكز تختلف عن بعضها الآخر لكنها تظل علي ارتباط‮... ‬وإذا تساءلت عن أين تصنع الحركات المهمة،‮ ‬فإنها تنشأ أحياناً‮ ‬في المركز علي الرغم من أن أكثر الفنانين إثارة للاهتمام هم الذين يعيشون في المركز والأطراف في آن واحد‮.‬
استوارت هول‮ (‬2001‮)‬
يستكشف معرض‮ "‬حين يصبح الفن حرية‮: ‬السرياليون المصريون‮ (‬1938‮-‬1965‮)" ‬تاريخ وتطور السرياليين المصريين،‮ ‬وإرثهم الراسخ في مصر والأوساط السريالية العالمية‮. ‬ويوثّق هذا المعرض علاقتهم مع نظرائهم الغربيين،‮ ‬وخصوصاً‮ ‬السرياليين الفرنسيين،‮ ‬وإسهاماتهم الأممية،‮ ‬ومناهضة الفاشية،‮ ‬والاحتجاج العالمي ضد الحروب،‮ ‬وإنهاء الاستعمار في منتصف القرن العشرين،‮ ‬ويقدّم لمحة عن القصة المعقدة والمتنوعة للحداثات الفنية والأدبية التي عرضوها وقدّموها خارج الغرب‮.‬
يضمّ‮ ‬هذا المعرض الرئيسي والأول من نوعه،‮ ‬الفنانين والجماعات الفنية النشطة في ذلك الوقت،‮ ‬بغية استكشاف هذه الحركة المحورية‮. ‬وتعدّ‮ "‬جماعة الفن والحرية‮" ‬من أولي الجماعات التي تأسست بقيادة مفكرين وفنانين وكتّاب من أمثال جورج حنين،‮ ‬رمسيس يونان،‮ ‬فؤاد كامل،‮ ‬أنور كامل،‮ ‬إدموند جيبس وكامل التلمساني‮.‬
ويصوّر المعرض أيضاً‮ ‬صعود الجماعات الأخري المتأثرة بجماعة الفن والحرية،‮ ‬وذلك منذ منتصف الأربعينيات وحتي مطلع الستينيات،‮ ‬مثل‮ "‬جماعة الفن المعاصر‮" ‬التي ضمت كلاً‮ ‬من عبد الهادي الجزار،‮ ‬كمال يوسف،‮ ‬وحامد ندا،‮ ‬وماهر رائف،‮ ‬وسالم الحبشي‮ (‬مجلي‮)‬،‮ ‬وسمير رافع،‮ ‬وإبراهيم مسعودة ومرشدهم الفذ حسين يوسف أمين‮. ‬كما يضم المعرض أعمال الفنانين النشطين في أواخر فترة الأربعينيات وحتي ستينيات القرن العشرين،‮ ‬والذين شاركوا في معارض جماعة الفن والحرية،‮ ‬وجماعة الفن المعاصر،‮ ‬وابتكروا تجارب فنية عبر استخدام الأفكار،‮ ‬والأساليب،‮ ‬والجماليات السريالية من أمثال الفنانين إيمي نمر،‮ ‬إنجي أفلاطون ومنير كنعان،‮ ‬وغيرهم ممن اتخذوا لغة بصرية مماثلة،‮ ‬وشاركوا سياسات وجماليات الجماعة في فترات معينة من مسيرتهم الفنية‮. ‬في حين يركز القسم الأخير من المعرض علي إبراز تأثير الحركة السريالية المصرية في فترة ما بعد الستينيات وحتي فترة السبعينيات من خلال أعمال فنانين من أمثال أحمد مرسي،‮ ‬محمد رياض سعيد،‮ ‬عادل المصري وأحمد مصطفي‮.‬
وقد افتتح المعرض في القاهرة،‮ ‬علي أن ينتقل إلي الشارقة،‮ ‬دولة الإمارات العربية المتحدة ومواقع أخري في أوروبا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط وآسيا‮. ‬وكان قد سبقه مؤتمر كبير بالقاهرة قامت بتنظيمه مؤسسة الشارقة للفنون بالتعاون مع شعبة الفنون بالجامعة الأمريكية‮ . ‬وقد ركز المؤتمر والمعرض علي تاريخ وتطور جماعة الفنانين السرياليين المصريين وعلاقتهم المعقدة برصفائهم في الغرب،‮ ‬وبخاصة في فرنسا‮. ‬وقد استخدمت مداولات المؤتمر الذي عقد في شهر نوفمبر‮ ‬2015‮ ‬،‮ ‬كنواة لواحد من مجلدين تحت الطبع‮.‬
ويهدف هذا المشروع بخطواته المختلفة لتسليط الضوء علي قصة الجماعة السريالية المصرية،‮ ‬وهي الجماعة الأقل صيتاً‮ ‬ولكن الأوفر نشاطاً‮ ‬من بين كل الحركات السريالية خارج الغرب في أواخر الثلاثينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي،‮ ‬حيث يسعي المشروع لتوثيق واحد من أهم فصول الحداثة وإبراز الأوجه المتعددة لحركة الحداثة وامتداداتها واشتباكاتها العالمية خلال القرن العشرين‮. ‬
ولا شك أن ظهور منهج المقارنة في الدراسات التاريخية والأدبية للفن أتاح فرصة الانعتاق من فلك المركزية الأوروبية في دراسة الحداثة،‮ ‬والتي تميل لتفضيل الحداثة الأوروبية‮. ‬ومن ذلك الوجه،‮ ‬فإن دراسة الجماعة السريالية المصرية تضيء بعض جوانب قصة الحداثة الأدبية والفنية إذ يعاد تقديمها وعرضها خارج بلاد الغرب‮. ‬وكما أشار إدوارد سعيد،‮ ‬فإن دراسة المراكز الحضرية الغربية في القرن العشرين من منظورين تاريخي وسوسيولوجي تشير إلي وجود كبير من طلاب وكتاب وفنانين من المستعمرات السابقة بما في ذلك أفريقيا،‮ ‬في باريس ولندن وروما وغيرها من العواصم الأوروبية‮. ‬وقد كان النتاج الفكري لهؤلاء عنصراً‮ ‬أساسياً‮ ‬لا ينبغي أن تغفل عنه أي محاولة لإعادة النظر في مكونات الحداثة العالمية،‮ ‬وذلك لأن نتاجهم الفكري والثقافي يتداخل مع نتاج رصفائهم الأوروبيين،‮ ‬ولا يمكن بأي حال اعتباره مجرد رد فعل أو صدي له‮. ‬
خلاصة القول إن هذا المشروع يتيح لنا التأكيد علي أن الحداثة بمختلف تجلياتها حركة دولية جامعة،‮ ‬وأنه لا ينبغي الحط من قدر أساليب التعبير الحداثية في الفن والأدب التي ظهرت خارج بلاد الغرب‮ (‬بما في ذلك السريالية‮) ‬باعتبارها منتجاً‮ ‬ثانوياً‮ ‬للحداثة الأوروبية‮. ‬ويكتسب هذا المشروع أهميته أيضاً‮ ‬من توقيته إذ يتزامن مع اهتمام متصاعد بأدب السرياليين وبكتاباتهم وفنهم وسياستهم‮. ‬ويتجلي ذلك الاهتمام،‮ ‬في مصر،‮ ‬في إعادة طباعة كل أعداد مجلة التطور،‮ ‬أول مطبوعة رسمية كانت لسان حال السرياليين المصريين،‮ ‬في مجلد واحد صدر عام‮ ‬1997‮ ‬،‮ ‬ويتضح هذا الاهتمام أيضاً‮ ‬في ظهور دراسات أكاديمية تبرز الطبيعية العالمية للحركة السريالية،‮ ‬ومن الأمثلة علي ذلك منشورات مثل أسود وبنِّي وبيج‮: ‬كتابات سريالية من أفريقيا والشتات‮ .‬
نبذة قصيرة عن تاريخ
‮ ‬السرياليين المصريين
في‮ ‬22‮ ‬ديسمبر‮ ‬1938‮ ‬اجتمع بالقاهرة‮ ‬28‮ ‬من الفنانين والكتاب والصحفيين ووقعوا بياناً‮ ‬بعنوان‮ "‬يحيا الفن المنحط‮!" ‬وكان ذلك إيذاناً‮ ‬بميلاد حركة فنية أصبحت من أكثر الحركات الفنية تأثيراً‮ ‬في مسيرة الفن المصري الحديث بل ورافداً‮ ‬نشطاً‮ ‬من روافد أهم مدرسة في الفكر والفن الحديث في القرن العشرين،‮ ‬ألا وهي الحركة السريالية والمنتسبين لها من الفنانين والأدباء والنقاد والمثقفين في شتي أنحاء العالم‮. ‬وقد صدر ذلك البيان ضد النازية في ألمانيا في ظل حكم هتلر،‮ ‬والفاشية في أوروبا،‮ ‬وموقفهما المعادي للفن التقدمي‮. ‬ومن هنا جاء استخدام عبارة‮ "‬الفن المنحط‮" ‬وهي ذات العبارة التي استخدمتها النازية في وصفها المشين للفن التجريدي‮. ‬وقد أدان مصدرو البيان ذلك العداء الشرس للفن الحديث الذي رأوا أنه يمثل‮ " ‬أفضل ما جادت به قريحة الحرية والقوة والمشاعر الإنسانية‮". ‬
ومن أبرز مؤسسي الحركة السريالية المصرية الشاعر والناقد الفني جورج حنين،‮ ‬الذي ولد بمصر وتخرج في مدرسة السوربون،‮ ‬وهو من أوائل الذين ينسب لهم الفضل في تعريف المثقفين والفنانين المصريين بالسريالية وذلك في محاضرة ألقاها بالقاهرة عام‮ ‬1937‮ ‬،‮ ‬وقد أسس مع مجموعة من الفنانين الشباب والمثقفين من ذوي الميول اليسارية جماعة عرفت باسم‮ "‬جماعة الفن والحرية،‮ ‬نشطت في إقامة المعارض وإصدار المنشورات‮. ‬تأسست تلك الجماعة في‮ ‬19‮ ‬يناير‮ ‬1939‮ ‬وكان علي رأسها،‮ ‬إلي جانب جورج حنين،‮ ‬ثلاثة من أشهر الرسامين والكتاب والمثقفين اليساريين وهم رمسيس يونان وكامل التلمساني وفؤاد كامل‮. ‬
ومن المعلوم أن ارتباط جورج حنين بالحركة السريالية تم من خلال صداقته مع آندريه بريتون خلال سنوات الدراسة في باريس في ثلاثينيات القرن الماضي‮. ‬ومن الجدير بالذكر أن السرياليين المصريين كانوا علي دراية تامة بالحركة السريالية في شتي أنحاء العالم،‮ ‬وذلك من خلال مكاتباتهم ومراسلاتهم مع أشهر رموز السريالية في الخارج‮. ‬وكما ذكر كامل التلمساني فقد انضمت الجماعة للاتحاد الدولي للفن الثوري المستقل‮ »‬ ‬يعرف بالفرنسية بالاسم المختصر‮ ‬F.I.A.ک.I ‮ » ‬وهي حركة سياسية وفنية أسسها بريتون وتروتسكي إلي جانب فنانين مكسيكيين مثل فريدا كاهلو وديغو ريفيرا في المكسيك‮. ‬وكان واضحاً‮ ‬من منشورات حنين وكتاباته أنه كان العقل المنظم لأنشطة السرياليين المصريين وفي التواصل مع الجماعات الأخري في فرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة‮. ‬وكانت ذروة‮ ‬نشاط المجموعة في الفترة ما بين عامي‮ ‬1939‮ ‬و1945‮ ‬حيث نظمت المجموعة خمسة معارض كبيرة تحت عنوان‮ "‬معارض الفن الحر‮" ‬كما حرصوا علي شرح توجهاتهم الأيدلوجية ومساهماتهم النظرية حول قضايا الفنون والمعارض علي صفحات مجلة‮ "‬التطور‮" ‬التي أصدروها باللغة العربية وكان يشرف علي تحريرها كامل تلمساني،‮ ‬ومن خلال نشر مقالات في المجلات العربية مثل الرسالة،‮ ‬كما كان تلمساني وحنين يكتبان في جريدة‮ "‬دون كيشوت‮" ‬التي كانت تصدرها الجماعة باللغة الفرنسية‮. ‬
ويجدر التنويه هنا إلي أن أعمال الفنانين الذين انتموا للجماعة أو تأثروا بأدبياتها لا يمكن تصنيفها كأعمال سريالية بالوصف الدقيق للكلمة حسب أسلوب وجماليات‮ ‬الحركة كما تجلت في سياقها الأوروبي والأمريكي الشمالي،‮ ‬وذلك لأن ما جذب أولئك الفنانين للانضمام لجماعة الفن والحرية إنما هو الأيدلوجية الثورية والتوجهات السياسية اليسارية‮. ‬ولذا فالأهمية الحقيقية للسرياليين المصريين إنما تكمن في سياق عملية صناعة الفن القائم علي فكرة،‮ ‬أكثر من‮ "‬مادية الفن‮" ‬أو الجوانب الشكلية للأعمال المرسومة أو المنحوتة‮. ‬فإن عملية صناعة الفن،‮ ‬منذ إنشاء مدرسة الفنون الجميلة في القاهرة في عام‮ ‬1908‮ ‬وحتي الثلاثينيات وكانت تقوم علي مجتمع الفنانين داخل المدرسة وخارجها ولئن أدي ظهور السرياليين المصريين لتحول في عملية صناعة الفن لتصبح أكثر تنظيماً‮ ‬حول جماعات فنية مصنفة ذاتياً‮ ‬وبيانات محكمة تشرح أسسها الأيدلوجية‮. ‬فإن عملية صناعة الفن القائم علي فكرة مكَّنت الفنانين والكتاب من أن يصبحوا أكثر وعياً‮ ‬بهويتهم من الجيل الذي سبقهم وأن يتفاعلوا أكثر مع تراثهم المحلي بمهارة أكبر‮. ‬ولا يعني هذا أن الجيل السابق من الفنانين المصريين لم يهتموا باستخدام عناصر من تراثهم التاريخي أو البصري القديم،‮ ‬ولكن تركيزهم ظل مقصوراً‮ ‬علي العناصر البصرية أو الشكلية،‮ ‬في حين أن السرياليين‮ ‬أدخلوا الهوية المصرية في فنهم بطريقة نظرية أكثر لقد كان ترويجهم وتطبيقهم للأساليب المفارقة في تصميم المعارض وعرض الأعمال التي كان يستخدمها رصفاؤهم السرياليون،‮ ‬في الغرب،‮ ‬هو ما مكنهم من تحقيق أكبر نجاح في إحداث صدوع في البني الثقافية والسياسية التي كانوا يرون إصلاحه،‮ ‬علي أن الأهم من ذلك هو أن السرياليين المصريين نأت عن تبني الخطاب القومي للجيل الأول واختارت بدلاً‮ ‬عنه السريالية كحركة ذات توجه عالمي وسياسات مناهضة للاستبداد‮.‬
ولكي يتسني للمرء أن يستوعب تماماً‮ ‬أهم مساهمات السرياليين المصريين في الفن المصري المعاصر،‮ ‬يتعين عليه أن يتجاوز السياق الاجتماعي السياسي الذي ركزت عليه معظم الدراسات العلمية للجماعة حتي الآن‮. ‬وواقع الأمر أن أهم مساهمة لهم تتمثل في قدرتهم علي الانعتاق من السياسات والممارسات المظهرية التقليدية للجيل الأول من الحداثيين المصريين،‮ ‬وفي مساهمتهم الثرة في الخطاب النقدي بشأن الممارسات الجمالية والفنية السائدة في ذلك الوقت‮.‬
كما يجدر الإشارة إلي أن أن الحركة السريالية المصرية،‮ ‬وخاصة حركة الفن والحرية،‮ ‬تجربة لم تعمر طويلاً‮ ‬غير أن الجماعة كان لها تأثير مستمر علي الفنانين الحداثيين المصريين الذين واصلوا نشر أيديولوجية الجماعة وسياستها ورؤيتها الجمالية‮. ‬فبتأثير السرياليين مثلاً‮ ‬نشأت جماعات أخري في الخمسينيات والستينيات،‮ ‬مثل‮ "‬جماعة الفن المعاصر‮" ‬بقيادة فنانين مشهورين مثل عبد الهادي الجزار،‮ ‬أو مجموعة الفن الحديث‮. ‬تلك الجماعات استخدمت مفردات بصرية مماثلة وأظهرت تفاعلاً‮ ‬مع السياسات والشعور الوطني السائد في ذلك الوقت،‮ ‬وكرست فنها للتخلص من الاستعمار والنضال من أجل الاستقلال،‮ ‬وذلك لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم أدوات فاعلة للتغيير الاجتماعي،‮ ‬وبذلك فهم يمثلون تقليداً‮ ‬ما زال حاضراً‮ ‬في المشهد الفني المعاصر في مصر‮. ‬
وقد تأسست جماعة الفن المعاصر في عام‮ ‬1946،‮ ‬ولعب أعضاؤها دوراً‮ ‬بالغ‮ ‬الأهمية في تطوير حركة الفن الحديث في مصر‮. ‬وقد تشكلت نواة الجماعة الأساسية بقيادة أستاذ الفنون الفذّ‮ ‬حسين يوسف أمين،‮ ‬وضّمت كلاً‮ ‬من كمال يوسف،‮ ‬حامد ندا،‮ ‬عبد الهادي الجزار،‮ ‬إبراهيم مسعودة،‮ ‬سمير رافع،‮ ‬ماهر رائف،‮ ‬محمود خليل،‮ ‬وسالم الحبشي‮ (‬مجلي‮). ‬وكانت أفكار قائد الجماعة حسين أمين يوسف،‮ ‬والتي تمثلت في عدة بيانات تأسيسية،‮ ‬ذات أهمية في تشكيل الأسس النظرية للجماعة التي أعلنت أن علاقة الفن بالفكر بالغة الأهمية لأي مسعي إبداعي جاد‮. ‬
لقد آمنوا بأنّ‮ ‬الفن يلعب دوراً‮ ‬هاماً‮ ‬في تشكيل هوية دولة مصر الحديثة،‮ ‬وبذلك ابتعدوا عن الأطر الغربية والتوجه العالمي ل"جماعة الفن والحرية‮"‬،‮ ‬وعملوا علي تحدي طرق التعليم الأكاديمية الغربية المسيطرة،‮ ‬عن طريق استكشاف الثقافة والحياة اليومية لشعب مصر،‮ ‬وعكفوا علي التمثيل البصري للفقر والاضطهاد،‮ ‬بالإضافة إلي تمثيل الفولكلور والثيمات الشعبية‮. ‬كما شارك في المعارض التي أقامتها الجماعة عدد من الفنانين الآخرين الذين لم يكونوا جزءاً‮ ‬منها،‮ ‬إلا أنهم كانوا يتشاركون الهواجس ذاتها التي طرحها أمين في كتاباته‮.‬
وبوصفهم فرعاً‮ ‬من جماعة الفن الحرية،‮ ‬استمر الفنانون الذين كانوا نسبياً‮ ‬أصغر سناً،‮ ‬باستكشاف الأفكار السريالية من اللاوعي الجماعي النابع من الثقافة والمجتمع المصري،‮ ‬والتي تمثل التقاليد الشائعة،‮ ‬والرموز الميثولوجية والعلامات المأخوذة من الثقافة والمعتقدات الشعبية بطريقة تحاكي الواقعية الاجتماعية‮. ‬حيث اتسمت أعمالهم الفنية بالثيمات والصور المتكررة للمناظر الطبيعية الريفية الساكنة وكأنها في عالم حُلمي،‮ ‬الأسماك،‮ ‬القطط،‮ ‬الطيور،‮ ‬الديكة،‮ ‬والفلاحون الجالسون ومشاهد الشوارع‮. ‬ويظهر تأثير السريالية المصرية فيما بعد فترة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين في أعمال كل من الفنانين أحمد مرسي،‮ ‬محمد رياض سعيد،‮ ‬وأحمد مصطفي،‮ ‬وعادل المصري،‮ ‬وعبد الهادي الوشاحي،‮ ‬الذين عكست أعمالهم الاستمرارية في الأسلوب،‮ ‬والجماليات والمحتوي‮.‬
وقد جاءت نقطة انطلاق هذا المعرض عبر المؤتمر الدولي الذي حمل عنوان‮ "‬السرياليون المصريون من منظور عالمي‮" ‬والذي أقيم في القاهرة،‮ ‬نوفمبر‮ ‬2015‮ . ‬و كان بمثابة منصة تمكن من خلالها المشاركون،‮ ‬من مؤرخي الفنون والنقاد الأدبيين والفنيين والفنانين،‮ ‬التوصل لاستيعاب نقدي للتجربة الفريدة للسرياليين المصريين في علاقتهم بدوائر أخري في الحركة السريالية ومظاهرها علي نطاق العالم‮. ‬وقد أتاح المؤتمر دراسة نقدية للحركة السريالية في مصر من النواحي التاريخية والثقافية الاجتماعية والفنية‮. ‬والأهم من كل ذلك أن وفر المؤتمر والمعرض إطاراً‮ ‬نقدياً‮ ‬لفهم تجربة السرياليين المصريين فيما يتعلق بقضايا مثل القومية والسياسة والهوية
ومن المقرر إصدار مطبوع باللغتين العربية والإنجليزية علي هيئة مجلدين،‮ ‬بحيث يتضمن المجلد الأول مقالات من قبل المشاركين في المؤتمر،‮ ‬مقدمّاً‮ ‬خلفية هامة عن حركة السريالية المصرية وإرثها العريق في مصر‮. ‬كما يتضمن المجلد الثاني وثائق رئيسية أعيد طباعتها وهي ذات صلة بحركة السريالية المصرية،‮ ‬إلي جانب المقالات،‮ ‬البيانات،‮ ‬الصور الفوتوغرافية،‮ ‬والقصائد والمواد الأرشيفية الأخري‮.‬
إنّ‮ ‬إقامة هذا المعرض والمطبوعات ذات الصلة،‮ ‬جاءت ضمن توقيت مثالي،‮ ‬حيث يتزامن مع الاهتمام المتزايد بالسرياليين المصريين،‮ ‬وكتاباتهم،‮ ‬وأعمالهم الفنية وسياساتهم‮. ‬وفي ظلّ‮ ‬تصاعد المدارس الفنية الجديدة التي سلطت الضوء علي الطبيعة العالمية للسريالية كحركة فنية،‮ ‬يصبح هذا المشروع مساهمة كبيرة نحو فهم أهمية الإرث الذي خلّفه السرياليون المصريون‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.