مجلة "فنون" هي باكورة التغييرات التي من المفترض أن تكون قد طالت مطبوعات واصدارات هيئة الكتاب، فبعد أن اجتمعت لشهور لجنة للوقوف علي ما وصل إليه حال النشر في هذه المؤسسة العريقة، واتخذت قرارات بدمج سلاسل والغاء أخري، وتأسيس مجلات جديدة من بينها مجلة فنون، كما أختارت اللجنة بالتعاون مع المسئولين في الهيئة رؤساء تحرير جدد للسلاسل والمجلات.. من هذه الاختيارات تولي د. حاتم حافظ رئاسة تحرير مجلة فنون، التي تعد باكورة ما صدر، بعد مراجعة مشروع النشر. قبل البدء في الحديث عن العدد الأول من مجلة "فنون"والانطباعات التي تولدت لدي من قراءته، لابد أن أشير إلي أنني أعتبر حاتم واحدا من الزملاء في "أخبار الأدب" فعلاقته بالجريدة لم تنقطع لسنوات طوال، وكان مناصرا لها في القضايا الكبري التي تعرضت لها، وعندما فكرت مع زملائي في تخصيص عمود يتناوب عليه زميلان، كان اختيارنا بالاجماع حاتم حافظ أسبوع، وغادة نبيل أسبوع آخر، وأستمر حاتم يكتب بشكل مستمر، إلي أن حالت الظروف دون استمراره، إلا أنه من حين لآخر يمتعنا بكتاباته في الجريدة. حاتم -من وجهة نظري- نموذج لمثقف واع وجري في آرائه التي يؤمن بها، وفي أحيان تتسم مواقفه ليس فقط بالدراية العميقة لما يتناوله، بل بالشجاعة في طرح رؤيته، هذه الشجاعة التي أجدها واضحة في بداية تجربته الجديدة في رئاسة تحرير فنون ، كما سعدت باختياره الزميلين سيد عبدالنبي وأحمد سعيد ليقوما بمهام المدير الفني، لما يتمتعان به من تجربة ثرية في إخراج المطبوعات الثرية. ما يميز حاتم أنه محدد في أفكاره وآرائه، وهو ما يجعله يرسم طريقا واضحا للمجلة في افتتاحيته: تهتم المجلة بالفنون السبعة ( السينما -المسرح- الموسيقي- الرقص- التشكيل- العمارة- الآداب) وتنشغل بزمنها المعاصر، ولا تقيم وزنا كبيرا للتمييز التقليدي بين فنون النخبة والفنون الجماهيرية، طالما الطريقة التي تقرأ بها تلك الفنون طريقة جدية... تتنوع أبواب المجلة علي الفنون السبعة لكنها تتوزع- صحفيا- علي فنون الصحافة كلها من خبر لتحقيق لتقرير لحوار لمقال .. ألخ. هذه الفلسفة انعكست بالفعل علي طريقة عرض المواد الموجودة في العدد الأول، وأري أن حاتم ابتدع طريقة جذابة لعمل الملفات حول الشخصيات، فحينما اختار شخصية د. فوزي فهمي لتكون محورا لباب "تياترو" لجأ إلي عدد كبير من أصدقاء وتلاميذ فوزي فهمي، ليقدموه في عبارات قصيرة، لكن مجمل هذه العبارات تقدم شخص المحتفي به من كل جوانبه، بل بعض العبارات لخصت مسيرة فوزي فهمي، مثلما جاء فيما كتبه إبراهيم داوود: "للرجل منزلة كبيرة في قلبي، لأنه من القلائل الذين عملوا مع النظام، ولم يكن فاسدا، ويعرف أقدار الناس، وكان معظم أساتذتي يقدرونه حتي الذين يختلفون معه". ومن اللافت للنظر في هذا العدد، هو الاهتمام بالبعد العربي، من ذلك الاحتفال بمئوية الفنانة التشكيلية اللبنانية سلوي شقير (1916-2016)، وكذلك تجربة الفنان التشكيلي المغربي بوشتي الحياني، وتخصيص موضوع عن جبل اللويبدة بالأردن، كما تحتفي المجلة بإحسان عبدالقدوس، والذكري الخامسة للرحيل المثقف الكبير خيري شلبي، والمفاجأة تقديمه لموهبة جديدة في الأدب تنشر للمرة الأولي، وهو الكاتب الموهوب تامر نشأت. ما ذكرته لايمنع من وجود تفاصيل صغيرة ممكن أن نتفق أو نختلف حولها، منها علي سبيل المثال الغلاف، حيث أجد أن هناك أكثر من صورة داخل العدد جديرة بأن تكون هي الغلاف، وكذلك موضوعات عناوينها أكثر جذبا للقارئ من بعض العناوين التي تصدرت المجلة. لكن هذا لا يمنع من القول بصراحة أن السلبية الكبري هي من صنع من حدد سعرها ب15 جنيها- بعيدا عن أي مبررات إدارية- هذا الرقم كان يحتاج لتريث، لاسيما في العام الأول لهذه المجلة، علي أية حال مبروك لكل من ساهم في هذا الاصدار الذي ننتظر منه المزيد.