»ارحموا عزيز كوبري ذل»! هذا هو حال كوبري دمياط المعدني، فبعد ان ظل لسنوات طويلة محل اهتمام، جار عليه الزمن، وتحول إلي خرابة بعد نهب الكثير من اجزائه، وصار وكرا للخارجين علي القانون بعد أن كان مقررا تحويله إلي جسر للحضارة! تم تشييد الكوبري عام 1890 في امبابة لتتمكن القطارات من العبور عليه بين ضفتي النيل، وقامت شركة فرنسية بتنفيذه، وظل في الخدمة حتي عام 1925 عندما قررت الحكومة احالته للتقاعد واستبداله بكوبري جديد يسمح بازدواج خط السكة الحديد بين القاهرة والصعيد، كان مخططا أن يتم تفكيكه وصهره، غير ان عثمان باشا محرم وزير الاشغال في ذلك الوقت تبني فكرة مبتكرة، حيث قرر نقله إلي دمياط ليتم استخدامه في ربط شطري النيل، واستغرق نقله عبر الصنادل ثلاثة أعوام بتكلفة 40 ألف جنيه، وبدأ تشغيله عام 1932 واستمر في الخدمة حتي 2006 ثم تم الاستغناء عن خدماته بعد تهالكه، وعلي مدي سنوات عمله ارتبط الدمايطة به وأصبح جزءا كبيرا من ذكرياتهم محفورا في ذاكرتهم، لهذا وقرر محافظ دمياط وقتها الدكتور فتحي البرادعي الاحتفاظ بالكوبري لأنه أثر تاريخي، وتقرر نقله أمام مكتبة مصر العامة لاستغلاله في إطار التنسيق الحضاري وإعداده ليصبح جسرا للحضارة والثقافة والفنون، علي امتداد طوله الذي يبلغ 64 مترا، بحيث يقسم إلي ثلاثة أجزاء الأول للندوات بعد تجهيزه بأحدث الأجهزة من صوت وإضاءة وكاميرات ومقاعد متعددة الاستخدامات، والثاني »جاليري» أو معرض للفنون التشكيلية، والجزء الأخير قاعة اجتماعات مفتوحة، وهناك شرفتان كبيرتان بطول الكوبري تصلحان للندوات الثقافية بالإضافة إلي وجود منطقة واسعة أمامه تتسع لنحو 2500 شخص يمكن تخصيصها لعرض أعمال الفنانين، وتم تجهيزه بأحدث التجهيزات والديكورات ولموقعه المتميز علي ضفاف النيل نقل من خلاله برنامج صباح الخير يا مصر وشهد آخر اجتماع لمجلس المحافظين قبل ثورة يناير، ولكن في أعقاب الثورة تعرض للنهب والسرقة والإتلاف مثله مثل باقي المنشآت التي تعرضت لأعمال البلطجة في فترة الانفلات الأمني وتحول جسر الحضارة إلي خرابة بعد سرقة محتوياته وتهشيم زجاجه وأصبح وكرا للبلطجية والخارجين عن القانون والمدمنين وتحيط به القمامة، ورغم وعود المحافظين السابقين إلا انه حاله بقي كما هو عليه، ومازال الكوبري مهجورا وتحول إلي مجرد هيكل حديدي.. ولكن مازال أبناء دمياط متمسكين بحلمهم لإنقاذ ما تبقي من كوبري دمياط المعدني (جسر الحضارة) والاستفادة منه.