الصورة تغني عن ألف كلمة، والصورة التي نعنيها هنا تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، وأحدثت دوياً صادماً في المجتمع، وهي لطفل يُدعي أحمد في الخامسة من عمره يتعلق بكلتا يديه بذبيحة موضوعة في إحدي عربات النقل، متجاهلا عواقب مخاطرته التي قد تنتهي به ميتا جراء سقوطه من العربة التي تنقل اللحوم لمحال الجزارة، فتفكيره المحدود بحكم صغر سنه أغراه بالاستمرار في محاولته لعله يحصل علي قطعة لحم وليكن ما يكون ما دام في مجتمع باتت فيه العدالة الاجتماعية فريضة غائبة. أحلام الطفل أحمد المشروعة كغيره من الملايين الذين يشكلون شريحة عريضة من المجتمع يعاني أفرادها من أوضاع سيئة وذلك في ظل ما تشهده الأسواق المصرية من موجة غلاء في أسعار اللحوم، أرجعها البعض لارتفاع سعر الدولار وكذلك زيادة أسعار مدخلات الإنتاج المرتبطة بها مثل الأعلاف، حيث شهدت أسعار اللحوم ارتفاعاً بنسبة 20% لاسيما في أسواق اللحوم البلدية ليتجاوز سعر كيلو اللحم الضأن حاجز 90 جنيها، بينما تراوح سعر كيلو الكندوز بين 80 و100 جنيه، بينما يصل السعر كيلو البتلو في بعض المناطق إلي 150 جنيها، وكانت وزارة التموين قد أعلنت سابقاً أنها ستسمح بإمكانية تقسيط شراء الأضحية لمدة زمنية تصل إلي 6 أشهر للمرة الأولي للعاملين في الجهات الحكومية والخاصة. الارتفاعات في أسعار اللحوم دفعت المواطنين إلي اللجوء إلي حلول بديلة خاصة مع اقتراب عيد الأضحي، فمنهم من قاطع شراء اللحوم بصورة نهائية ومنهم من توجه إلي المجمعات الاستهلاكية ليجد ضالته في اللحوم المستوردة والمجمدات، وفي هذا الصدد استطلعت »آخرساعة» آراء المواطنين قالت شيماء محمد (موظفة) إنها توقفت عن شراء اللحوم البلدية واستبدلتها بالمجمدة، في ظل ما وصفته بالارتفاع الجنوني لأسعار اللحوم، مؤكدة أن التجار والجزارين يتسابقون عاماً بعد عام علي ذبح المواطنين بدلا من الأضاحي بسبب الجشع وعند الاعتراض علي ارتفاع الأسعار تكون الحجة الجاهزة دائما هي ارتفاع سعر الدولار. ويري سعيد عبدالقادر (عامل) أن الأعياد والمناسبات اختفت بهجتها تماما مع زيادة الأسعار التي طالت كل شيء، ومن ضمنها اللحوم، لذلك أصبح يعتمد علي لحوم المجمعات الاستهلاكية خاصة اللحوم السودانية لكونها قريبة المذاق إلي حد ما من اللحوم البلدية، كما أن سعرها لا يتجاوز 65 جنيها للكيلو. فيما أكد إبراهيم حامد »نجار» علي أن اللحوم تحولت بالنسبة له إلي نوع من الترف لا يمكنه تحمل تكاليفه، لذلك يستعيض عن اللحوم بالأسماك والدواجن. في المقابل، ينفي إمام زهران (جزار بمنطقة العباسية) أن يكون الجزارون هم المسؤولون عن زيادة الأسعار، مستدلا في ذلك بزيادة أسعار اللحوم المستوردة، وأضاف: من يتهم الجزارين بالجشع والمبالغة في تقييم الأسعار يتناسي ارتفاع سعر العلف وتكاليف النقل للمجزر، ورسوم »العوايد» حتي يتم ذبحها وختمها، وكلها مصروفات يتم خصمها في النهاية من ربح الجزار، كما أنه من المعروف أن الأضحية عند ذبحها تعطي 55% من وزنها فقط كلحوم وبعد تشفيتها تخسر 20% أخري من الوزن، فإذا كان العجل البقري يبلغ وزنه عند الذبح 400 كيلو لا يتبقي منه بعد الذبح والتشفية واستبعاد الجلد والعظام والدهون سوي 176 كيلو فقط. يضيف: الإقبال في الغالب يكون علي الأضحية التي تزن 50 كيلو ويتراوح سعرها ما بين 2150 إلي 2200 جنيه، والأصناف ذات الجودة العالية تعطي 55% لحما صافيا بينما هناك أنواع أخري تعطي 38% فقط، والمشتري في النهاية هو من يستطيع تحديد النوعية الجيدة. ويري مصطفي البقلي صاحب أحد محال اللحوم البلدية أن أسباب غلاء الأسعار تعود إلي قلة الثروة الحيوانية في مصر وكذلك غلو أسعار الأعلاف إضافة إلي عدم وجود سياسة واضحة من الدولة تشجع علي تربية الماشية، فالأعداد التي يتم تربيتها داخل المزارع المصرية تناقصت إلي الثلث خلال السنوات الماضية، مما يزيد من فاتورة الاستيراد من الخارج لسد الفجوة الكبيرة في أسواق اللحوم، مشددا علي زيادة أسعار اللحوم، لكنه توقع أن يعاود الانخفاض في الفترة القادمة بعد انتهاء الضغط الشرائي عليه. وقال إن أسعار الأعلاف البلدية تضاعفت بصورة كبيرة فمثلا طن العلف البلدي مثل الكسب أو الردة أو الذرة الذي كان يباع بألف جنيه، وصل سعره إلي 2200، موضحاً أنه يقوم بتوفير الماشية من الأرياف خاصة من المنوفية لجودتها العالية، ولا يفضل التعامل مع بعض مربي الماشية في محيط محافظة القاهرة الذين يقومون يإضافة بعض المواد الكيماوية إلي الأعلاف أو يقومون باستخدام أعلاف صناعية. بينما يشكو محمد ريحان صاحب محل جزارة في منطقة عابدين من حالة الركود التي تضرب سوق اللحوم، مؤكداً أن الإقبال علي سوق اللحوم في أوقات الأعياد أصبح من نصيب المجمعات الاستهلاكية والمنتجات التي تطرحها القوات المسلحة نظرا لانخفاض أسعارها. بينما أوضح محمد شرف نائب رئيس شعبة القصابين باتحاد الغرف التجارية أن غلاء أسعار اللحوم لم يعد يقتصر علي اللحوم البلدية فقط، ولكن أصبح يطال جميع أنواع اللحوم بما فيها المستوردة. وأوضح أن وزارة التموين كانت قد تعاقدت منذ فترة علي استيراد 800 الف رأس ماشية ليتم ضخها في الأسواق عند الحاجة وتم ذبح حوالي 670 ألف رأس منها بالفعل، والباقي من المتوقع أن يتم توزيعه علي المجمعات الاستهلاكية، مؤكداً في ذات الوقت أن الاستيراد يشكل عامل توازن هاما للغاية في سوق اللحوم، وبدونه يمكن أن يتجاوز سعر كيلو اللحم 200 جنيه. ويشير إلي أن محافظة القاهرة زادت من معاناة الجزارين هذا العام نظرا لعدم إعطائهم مساحات كافية لنحر الذبائح داخل العاصمة، فلا يوجد ترخيص لأماكن وشوادر من أجل استيعاب كميات الماشية، علاوة علي وجود قرار بعدم الذبح أمام المحلات علي خلاف باقي المحافظات الأخري، وفي حال وجود أي مخالفة من الجزارين يتم عمل محضر مخالفات من الحي تصل قيمة الغرامة به إلي 5 آلاف جنيه. ويشير محمد حلبي مدير فرع شركة النيل للمجمعات الاستهلاكية بمدينة نصر أن هناك فارقا هائلا في أسعار اللحوم داخل المجمعات الاستهلاكية مقارنة بالأسعار الخارجية حيث يصل الفارق إلي حوالي 30 جنيها في سعر كيلو الكندوز وأربعين جنيها في سعر كيلو البتلو، وهذا يرجع إلي دعم الدولة من خلال طرح كميات كبيرة من اللحوم داخل المجمعات الاستهلاكية. بينما يري محمود العسقلاني رئيس جمعية »مواطنون ضد الغلاء» أن اتجاه البعض لشراء الأضحية بالتقسيط له دلالة مجتمعية يمكن أن تفهم علي أنها تآكل للطبقة المتوسطة وقدرتها الشرائية. كما أوضح أن ارتفاع أسعار اللحوم لا يعود فقط إلي ارتفاع سعر الدولار، ولكن أيضا بسبب خروج عدد كبير من الشركات التي تعمل في مجال استيراد اللحوم من السوق المصري وكانت تستورد اللحوم من السودان ومن أوكرانيا والبرازيل، فلم يعد هناك منافسة حقيقية بين الشركات وأصبح الاستيراد مقصورا علي عدد محدود منها، وهي تعتبر المتحكم الفعلي في الأسعار. وتابع: حجم الماشية المعدة للذبح للمجمعات الاستهلاكية في مدينة أبوسمبل لا يتجاوز 5 آلاف رأس علي أقصي تقدير، بينما حجم كميات الماشية الموجودة في السوق بصورة عامة يقل عن عشرة آلاف رأس ومن المفترض ذبحها قبل العيد، لذلك فإن الاعتماد الاستهلاكي سيكون علي اللحوم المجمدة بصورة كبيرة.