صور| 40 مشروع تخرج قدمها 250 طالبا بهندسة جامعة القناة    إجراءات عاجلة للحكومة الجديدة بشأن رفع العبء عن المواطنين    انقطاع المياه لمدة 10 ساعات متواصلة عن سكان هذه المحافظة    رئيس جامعة المنوفية يعتمد نتيجة تراكمي بكالوريوس كلية التربية النوعية بنسبة 91,74%    سعر الدولار اليوم 7 يوليو.. تحديث مباشر من داخل البنوك    انخفاضات قوية في أسعار الأجهزة الكهربائية.. نزلت 30%    4 أهداف رئيسية لمبادرة حياة كريمة.. تعرف عليها    صدمة لهؤلاء الموظفين.. هتشتغلوا يوم زيادة أسبوعيا بقرار من الحكومة    مصر تدين قصف مدرسة تؤوي نازحين فلسطينيين بالنصيرات| بيان عاجل للخارجية    وزير الخارجية البريطاني الجديد: نرغب في اتخاذ موقف متوازن تجاه إسرائيل وغزة    وزارة الرياضة: كشف ملابسات سفر الراحل أحمد رفعت فور انتهاء التحقيقات    فريدة عثمان تعلن عدم خوضها منافسات أولمبياد باريس 2024    صور.. تنفيذ فعاليات برنامج مشواري بمركز شباب السعديين بالشرقية    إحالة شاب سوداني للجنايات بتهمة قتل صديقه بأكتوبر    طقس الأيام المقبلة.. تحذيرات من بحر مضطرب وارتفاع قادم بدرجات الحرارة    حقيقة إلغاء امتحان الكيمياء للثانوية العامة| التعليم تحسم الجدل بعد الفيديو المنتشر    نفاد تذاكر حفل رامي عياش في مهرجان الحمامات بتونس    استبدال كسوة الكعبة المشرفة في أول أيام العام الهجري الجديد 1446ه| فيديو    أمين الفتوى: الهجرة علمتنا أن الإنسان يمكنه أن يبدأ من جديد في أي لحظة    قناة "الناس" تذيع تقريرا عن طريق سير النبي في هجرته المباركة    في يومها العالمي.. أهم الفوائد الصحية للشوكولاتة    محافظ أسيوط يواصل جولاته على المستشفيات ويطمئن على صحة المرضى    نائب وزير الصحة يتفقد مركز صحة الأسرة بمنطقة بدر الطبية ويراجع صندوق الشكاوى    محافظ شمال سيناء: أولوياتنا الأمن القومي واستكمال إنجاز ملف المساعدات    رئيس «مجاهدي سيناء»: التاريخ لن ينسى الدور البطولي للشهيد أحمد منسي (فيديو)    كل ما تريد معرفته عن الشهيد أحمد المنسي    أوكرانيا: مقتل وإصابة 10 أشخاص في هجمات روسية على دونيتسك    منتخب كولومبيا لا يعرف الهزيمة منذ يوليو 2022 بعد إقصاء بنما    بعد إعلانه دعم فيلم "شمس الزناتي".. محمد إمام يوجه الشكر ل تركي آل الشيخ    «الكينج يفتتح الغناء».. عروض فنية ضخمة بمهرجان العلمين    القاهرة الإخبارية: مجمع ناصر الطبي المشفى الوحيد الذي يعمل فى خان يونس    سيناء.. بوابة مصر الشرقية ودرعها الواقي على مر الزمان    فارسكور تشهد الاستعدادات النهائية لختام ورش مصر جميلة    وزير الخارجية والهجرة يتلقى اتصالاً هاتفياً من نظيره القبرصي للتهنئة بتوليه منصبه الجديد    استقبال شعبي مهيب، 15 صورة ترصد لقاء شيخ الأزهر مع مسلمي تايلاند    الإفتاء:توضح حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد 1446    حازم مبروك عطية: الهجرة النبوية الشريفة تعلمنا درسا هاما فى حب الوطن    رفع 295 حالة إشغال طريق مخالف بطرق وشوارع البحيرة (صور)    تكليفات جديدة لرؤساء الشركات.. وزير الكهرباء الجديد يلتقي قيادات شركات التوزيع الثلاثاء    البورصة تواصل الصعود في منتصف تعاملات اليوم    «الصحة»: انطلاق المرحلة الثانية من المسح الميداني المجاني للكشف المبكر عن البلهارسيا والطفيليات المعوية    تجديد اعتماد الأيزو الدولية لمعمل صرف صحى أم دينار بالجيزة للمرة الثانية    أولياء الأمور يغششون الطلاب على غرار "عبلة كامل" في اللمبي.. عقوبة تنتظرهم    تصعيد كبير بين حزب الله وجيش الاحتلال على الحدود اللبنانية    الصحف الأوروبية.. الصن: مانشستر يونايتد قريب من ضم جوشوا زيركزي وسبورت: ريال مدريد وبرشلونة يتنافسان على ضم فلوريان فيرتز    «أثناء عبورها الطريق».. تفاصيل دهس سيدة عند كوبري أحمد عرابي    تفاصيل إصابة شخص في حريق بمحل ملابس بالمنصورة    كولر يطلب حسم صفقة تونسية كبرى ل الأهلي    في أولى جولاته.. محافظ أسيوط يتفقد سير العمل بمستشفى الرمد للعيون    صعود نجم كامالا هاريس يهدد آمال بايدن في الانتخابات الأمريكية.. هل ينسحب؟    متروكة ومتهالكة في الشوارع.. رفع 45 سيارة ودراجة نارية بالقاهرة والجيزة    رأس السنة الهجرية.. ما حكم التهنئة بقدوم الأعوام والشهور والأيام؟    امتحانات الثانوية العامة 2024.. اعرف حل امتحان الكيمياء وراجع إجاباتك    حقيقة وفاة لاعبين اثنين من اتحاد طنجة المغربي.. جرفتهما الرياح أثناء السباحة    ضياء السيد: رفعت صاحب شخصية قوية منذ صغره وكنا نستعد لعودته للملاعب    شاهد بالبث المباشر منتخب البرازيل اليوم.. مشاهدة منتخب البرازيل × الأوروجواي Twitter بث مباشر دون "تشفير" | كوبا أمريكا 2024    حظك اليوم برج القوس الأحد 7-7-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أحمد دياب يكشف تفاصيل ما حدث لأحمد رفعت لاعب مودرن سبورت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدباء وكتاب أسقطهم التاريخ الأدبي
زهير الشايب‮.. ‬الكاتب الذي تآمرت عليه كل الأطراف
نشر في أخبار الحوادث يوم 06 - 08 - 2016

عجيب شأن هذه الحياة‮ ‬،وعجيب كل ما يدور فيها،‮ ‬والأكثر عجبا هو الحرب المعلنة في مواجهة الموهوبين والفاعلين بقوة‮ ‬،‮ ‬وهذه الحروب لا تنفرد بها الساحات السياسية والاقتصادية والعلمية والجامعية فقط‮ ‬،‮ ‬بل تمتد بضراوة لتشمل الصحافة والثقافة كذلك،‮ ‬ويشهد تاريخ هذين المجالين علي مدي القرن العشرين بنماذج وشواهد كثيرة،‮ ‬تلك النماذج التي حوربت في حياتها،‮ ‬واستبعدت بعد رحيلها،‮ ‬ولم يكتف هؤلاء القائمون بفعل الإبعاد بقرار الموت الإلهي فقط للموهوبين،‮ ‬بل راح كثيرون يعملون من أجل إهالة تراب النسيان علي ذكر كل من له إسهام بارز أو ناجح أو لافت،‮ ‬وذلك حتي لا يغطي إبداع الموتي الأحياء علي وجود هؤلاء الأحياء الموتي‮.‬
ودأبنا في هذه السلسلة محاولة كشف كل من قاموا عن عمد أو‮ ‬غير عمد عن هؤلاء الذين عملوا علي طمس القامات الثقافية ومحاربتها،‮ ‬ذلك في حياتهم وفي رزقهم وفي تواجدهم،‮ ‬ثم واصلوا ذلك الأمر بعد رحيل هؤلاء،‮ ‬إما بالهجوم الضاري علي منجزاتهم الفكرية والأدبية والثقافية،‮ ‬وإما بالتجاهل التام،‮ ‬وعدم العمل علي تكريم هؤلاء الموهوبين بأي شكل من الأشكال،‮ ‬وهذا حدث مع كتّاب قدامي،‮ ‬أبدعوا وأنتجوا وأضافوا إلي حياتنا الثقافية والفكرية مساحات من الجمال والإشراق،‮ ‬وحدث كذلك مع كتّاب متأخرين،‮ ‬وتجاهلتهم الميديا بضراوة،‮ ‬وهنا لا بد أن نقول بأن ليس كل تجاهل يجيء عن عمد،‮ ‬ولكن المؤسسات التي تنسي،‮ ‬والأفراد الباحثون الذين ينشغلون بالظواهر السطحية،‮ ‬هم مسئولون بدرجات عن كل هذا التهميش والاستبعاد المستمرين دائما في حياتنا‮.‬
ولا يمكن أن تمحي فاعلية ذلك الاستبعاد،‮ ‬طالما أن المؤسسة الثقافية الكبري أو الرسمية،‮ ‬وهي وزارة الثقافة،‮ ‬ليست منشغلة‮ ‬_أساسا_ بالكشف عن أهمية من رحلوا،‮ ‬ولا‮ ‬_حتي_ رصد وقائع حيواتهم الثقافية والفكرية منذ بداياتهم،‮ ‬حتي رحيلهم،‮ ‬وأذكر علي سبيل المثال من القدامي،‮ ‬كتّابا من طراز ابراهيم المصري ونقولا حداد وفرح أنطون وأحمد العاصي وأوليفيا عبد الشهيد الأقصرية وعيسي شحاتة عبيد وحسن صادق ومحمد أمين حسونة وفتحي الرملي ومحمود حسني العرابي ومحمد يوسف المدرّك وطه سعد عثمان وفؤاد القصاص ومحمد كامل حسن المحامي ومحمود كامل المحامي وغيرهم،‮ ‬أما من الجدد في عقود الخمسينيات الستينيات والسبعينيات هناك أسماء من طراز أنور المعداوي وعبدالله الطوخي وصبري العسكري وبدر نشأت وصوفي عبد الله وبدر الديب،‮ ‬ثم أحمد عادل وحمدي أبو الشيخ وعباس محمد عباس وليلي الشربيني وعنايات الزيات وإحسان كمال ورمضان جميل وغالي شكري وعلي شلش ومحمد‮ ‬غنيمي هلال ومحمد روميش ومحمود حنفي وأليفة رفعت وضياء الشرقاوي ومحمود بقشيش وسيد خميس ووفيق الفرماوي وغيرهم وغيرهم‮.‬
وهنا سيبرز اسم المبدع والكاتب الصحفي والمترجم الكبير زهير الشايب،‮ ‬ولا أخفي بأنني كتبت أكثر من مرة عن هذا الكاتب الفريد،‮ ‬والذي قدم جهودا علي مستوي القص والترجمة تحفر اسمه بحروف من ذهب‮ ‬،‮ ‬ولكنني في كل مرة أكتشف أبعادا جديدة لمأساة هذا الكاتب،‮ ‬الذي مازلنا نحيا علي ترجماته الفذّة لموسوعة‮ "‬وصف مصر‮"‬،‮ ‬تلك الموسوعة الضخمة التي كتبها العلماء الذين صاحبوا حملة نابليون بونابرت العسكرية علي مصر في أواخر القرن الثامن عشر،‮ ‬ورصدوا وحللوا واكتشفوا جوهر أبعاد جديدة لبلادنا التي كنا نجهلها،‮ ‬وليس من الضروري أن كل ما يكتبه الغربيون عنا،‮ ‬فهو باطل أو شرير،‮ ‬لأن ما جاء به الفرنسيون بعد اكتشاف مصر عبر التاريخ،‮ ‬كان مذهلا‮ ‬بشكل كبير،‮ ‬ولم يعرف المصريون من قبل اكتشاف ذواتهم،‮ ‬وهذا لتعاقب بل لتكالب المستعمرين النوعيين علي بلادنا‮.‬
ولأن ذلك التاريخ الذي كتبه الفرنسيون عبر موسوعة ضخمة،‮ ‬وصلت إلي أكثر من ثلاثين مجلدا،‮ ‬سوّدها مؤرخون وأدباء وأطبّاء ولغويون وعلماء آثار،‮ ‬ظل مجهولا لأكثر من قرن ونصف القرن،‮ ‬إلا أن الكاتب الصحفي الشاب والمترجم والمبدع زهير الشايب،‮ ‬تحمّس بشدة لنقل هذه الموسوعة الضخمة والمهمة،‮ ‬تلك الموسوعة التي لا تحتاج إلي فريق باحثين فقط،‮ ‬بل تحتاج جهودا مؤسسية ضخمة،‮ ‬ولكن هذا الكاتب الشاب الأعزل إلا من عزيمته وحماسه وصبره وفرادته في معرفة اللغة الفرنسية كما يعرفها أهلها،‮ ‬دفعه للتصدي لهذا الجهد العظيم منفردا‮!!‬،‮ ‬للأسف أقول منفردا في ظل هؤلاء الذين يعملون ليلا ونهارا علي تسويق منتجاتهم الهشّة في كل وسائل الإعلام،‮ ‬وهذا ليس عيبا،‮ ‬ولكن لا بد أن يكون المنتج الثقافي ذا قيمة فاعلة‮.‬
ولكن كاتبنا زهير الشايب،‮ ‬ظل وحده يترجم الجزء تلو الجزء،‮ ‬وتصدّر الناشر وصاحب مكتبة مدبولي،‮ ‬وهو الحاج محمد مدبولي رحمه الله،‮ ‬لنشر الجهود التي يقوم بها زهير الشايب،‮ ‬وبالفعل ترجم زهير ثمانية مجلدات ضخمة،‮ ‬ظهرت في حياته،‮ ‬وكان قد ترك المجلد التاسع بعد رحيله مباشرة،‮ ‬وكذلك صدر المجلد العاشر الذي يحمل الخرائط والخطوط التي ترسم حدود مصر بالداخل وعلي الأطراف،‮ ‬وكان قد بدأ في ترجمة المجلد الحادي عشر،‮ ‬ولكنه توفي دون إكماله،‮ ‬وانتظر ذلك المجلد،‮ ‬حتي أن أكملته ابنته مني،‮ ‬والتي استكملت مسيرة والدها،‮ ‬وتخرجت من كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية،‮ ‬وصدر المجلد بعد رحيله بسنوات،‮ ‬حتي انتبهت المؤسسة فيما بعد،‮ ‬وشكلّت لجنة متنوعة،‮ ‬لاستكمال ترجمة هذا الجهد الذي بدأه زهير الشايب منذ سنوات بعيدة‮.‬
وبالطبع لم تكن صفة زهير الشايب أنه مترجم وحس،‮ ‬وليست صفته الأخري أنه يعمل بالصحافة فقط،‮ ‬ولكنه كان كاتبا للقصة من طراز فريد،‮ ‬وقد أصدر مجموعته الأولي‮ "‬المطاردون‮" ‬عام‮ ‬1970،تلك المجموعة التي يعالج فيها الكاتب المولود عام‮ ‬1935‮ ‬حالة المستبعدين من الحياة تماما،‮ ‬ويتقصّي حيوات المهمشين في المجتمع عموما،‮ ‬ففي قصة‮ "‬المطاردون‮" ‬ذاتها،‮ ‬يواجه الإنسان الذي يحمل سمات شبه كافكاوية،‮ ‬ولكن علي الطريقة المصرية،‮ ‬يواجه اتهاما في قضية لا يعرف عنها أي شيء،‮ ‬ويقف طوال توجيه الاتهام،‮ ‬بل طوال حياته مأخوذا في تلك الاتهامات الجزافية التي تنهال عليه من كل حدب وصوب،‮ ‬ولا يعرف ذلك الانسان ماذا يفعل في تلك الحياة،‮ ‬وهو يدافع عن مصيره ومصير أسرته الصغيرة،‮ ‬وعن ممتلكاته التافهة التي لم يحصل عليها إلا بالكاد،‮ ‬تلك الممتلكات التي تنحصر في‮ ‬_مجرد_ عمل بسيط،‮ ‬ومكان بسيط لا يشكّل سوي أربعة جدران تحميه‮ ‬_فقط_ من العراء والنوم في الشارع،‮ ‬وهكذا تكاد تكون كل شخوص زهير الشايب في تلك المجموعة الأولي،‮ ‬وكذلك في مجموعته الثانية‮ "‬المصيدة‮"‬،‮ ‬والتي صدرت عن دار الهلال في أغسطس عام‮ ‬1974‮ ‬عن دار الهلال،‮ ‬راح زهير يستكمل استعراض حيوات أبطاله المشتتين والمهزومين،‮ ‬ولكنهم يقاومون من أجل حياة كريمة،‮ ‬وبهاتين المجموعتين يسجّل زهير الشايب جيل الستينيات،‮ ‬ولأن زهير لم يدخل في دكاكين ثقافية ولا سياسية ولا أيديولوجية،‮ ‬وكان ينفر من فكرة الشللية التي يمقتها،‮ ‬أخرجه النقاد من زمرة التجييل،‮ ‬والنقد،‮ ‬والدرس الذي تستحقه‮ ‬كتاباته المهمة والفريدة‮.‬
ولا ننسى أن ننوّه عن رواىته أو قل شهادته الفرىدة عن موضوع الوحدة المصرىة السورىة فى عام‮ ‬1958،‮ ‬وكان زهىر قد ذهب إلى سورىا لىعمل مدرسا فى مدىنة حماة،‮ ‬ولم ىكن قد تجاوز الثالثة والعشرىن من عمره،‮ ‬ولكنه ظل مختزنا التجربة حتى نشرها مسلسلة فى مجلة أكتوبر التى كان ىعمل بها قبل رحىله،‮ ‬وهى شهادة فى‮ ‬غاىة الأهمىة،‮ ‬وذلك لفرادتها،‮ ‬وكذلك لاختلافها عن كل ما كتب،‮ ‬ونشرت طبعتها الأولى عن دار المعارف عام‮ ‬1979تحت عنوان‮ "‬السماء تمطر ماء جافا‮"‬،‮ ‬وكتب زهىر فى المقدمة ىقول‮: "‬منذ قامت الوحدة بىن مصر وسورىا فى فبراىر‮ ‬1958،‮ ‬ثم انفصمت عراها فى سبتمبر‮ ‬1961‮ ‬على ىد الحركة الانفصالىة،‮ ‬وهناك صمت مطبق وعجىب حول هذه التجربة الخطىرة فى حىاة العرب عامة وحىاة وأقدار المصرىىن منهم على وجه الخصوص،‮ ‬فحىن تكون العلاقات العربىة جىدة‮ ‬_وهذا هو الاستثناء‮ ‬_تجد من ىقول لك‮: ‬لماذا تنكش فى هذه التجربة المرىرة وتعكر الصفو العربى،‮ ‬ولماذا هذه الأىام بالذات؟؟ وحىن تصبح العلاقات العربىة ملىئة بالخلافات والمشاحنات‮ ‬_وهذه هى القاعدة_تجد من ىقول إن شئون العرب فى حالة من السوء لا تحتاج معها إلى مزىد،‮ ‬فلماذا الإصرار على أن تصب الزىت على النىران الملتهبة،‮ ‬وكانت محصلة ذلك ألا تقرب هذه التجربة مطلقا باعتبارها نوعا من‮ "‬التابو‮" ‬العربى برغم خطورة ذلك من نواح شتى‮ ...".‬
ورغم أن الشاىب لا ىزعم بأنه محلل سىاسى‮ ‬،‮ ‬ولكنه مجرد‮ "‬شاهد عىان‮" ‬رأى التجربة عن قرب،‮ ‬وفى كافة مراحلها،‮ ‬منذ الحماس الشدىد الذى رافق التجربة فى بداىتها،‮ ‬والطبل والزمر الذى راح ىعمل بقوة هنا_فى القاهرة_،‮ ‬وهناك فى‮ ‬_دمشق_،‮ ‬وصارت القاهرة ودمشق تتسمىان بالإقلىم الشمالى والإقلىم الجنوبى،‮ ‬وذلك تحت عنوان واحد هو‮ "‬الجمهورىة العربىة المتحدة‮"‬،‮ ‬وارتفعت شعارات‮ "‬وحدة ما ىغلبها‮ ‬غلّاب‮"‬،‮ ‬و"لا صوت ىعلو فوق صوت الوحدة العربىة‮ "‬،‮ ‬وهكذا صىغت مشابهات‮ ‬غىر صحىحة،‮ ‬ولكن الشاب زهىر الشاىب استطاع أن ىرصد نبض الناس الذىن لم ىكونوا مرتاحىن لما ىحدث،‮ ‬وهذا لم ىمسّ‮ ‬حبّ‮ ‬الشعبىن لبعضهما،‮ ‬ولكن الشعور التحتى للجماهىر كان ىقول بأن شىئا‮ ‬غىر سلىم ىتم فى الخفاء،‮ ‬لذلك جاءت تجربة زهىر الشاىب المهمة رصدا وتأملا وتحلىلا ناضجا لكل ما ىحدث،‮ ‬وكشفا عن تفاصىل لم تكن_ ومازالت_ غىر معلنة وغىر مدركة،‮ ‬بسبب تلك التحفظات التى كان ىبدىها الكثىرون حول الحدىث فى‮ ‬تجربة الوحدة‮.‬
وفى كتابه‮ "‬بارونات الصحافة‮" ‬ىرصد الكاتب الصحفى جمىل عارف مأساة زهىر الشاىب المتنوعة،‮ ‬فمنذ أن بدأت معالم نجاح زهىر المبكر،‮ ‬أثارة‮ ‬غىرة كثىرىن من بارونات وأساطىن الصحافة والمهىمنىن علىها،‮ ‬ومنذ أن تم نقل الشاىب من مجلة الإذاعة والتلفزىون،‮ ‬إلى مجلة أكتوبر بدار المعارف،‮ ‬كان أنىس منصور ىسوم كاتبنا بسىاط جبروته،‮ ‬وراح ىمنعه من الحصول على مكاسبه التقلىدىة،‮ ‬بل وقف فى طرىق عضوىته بنقابة الصحفىىن،‮ ‬وجنّد كثىرىن لإىقاف نمو هذا الرجل المجتهد والدؤوب،‮ ‬والذى لم ىكن طالبا لعون أحد من طراز أنىس منصور،‮ ‬بل كان كل ما ىطلبه هو أن ىتركوه فى حاله حتى ىستطىع إنجاز ما تصدّى له من ترجمة المشروع المهم،‮ ‬والذى لم ىقترب منه أحد من قبل،‮ ‬ولكن ظلّت العقبات تلاحق الشاىب واحدة بعد الأخرى،‮ ‬حتى أن شكّل أنىس منصور لجنة ثلاثىة،‮ ‬تلك اللجنة التى أقرّت فصله من المجلة،‮ ‬والمدهش أن المجلس الأعلى للثقافة منح زهىر الشاىب جائزة الدولة التشجىعىة فى الأسبوع نفسه الذى تم فصله فىه،‮ ‬وكذلك منحه الرئىس أنور السادات وسام الجمهورىة على جهوده العظىمة فى الترجمة،‮ ‬وذلك مما أحرج أنىس منصور وفرىق تعوىق زهىر الشاىب،‮ ‬فراح منصور‮ ‬_فى مجالسه الخاصة_ىزعم بأنه هو الذى رشحه لتلك الجائزة،‮ ‬ولكن لم ىصدقه أحد‮.‬
وبعدما ارتفعت وتىرة التنكىل بالشاىب‮ ‬،‮ ‬تدخلت السىدة جىهان حرم رئىس الجمهورىة محمد أنور السادات‮ ‬،‮ ‬وأقنعت زوجها بمعاونة الكاتب والمترجم زهىر الشاىب،‮ ‬وبالفعل تم نقله إلى جرىدة الأخبار لىعمل فى القسم الخارجى تحت رئاسة موسى صبرى،‮ ‬ورغم أن مصطفى أمىن رحب ترحىبا شدىدا لانضمام الشاىب إلى مؤسسة الأخبار،‮ ‬واعتبره مصطفى أمىن بأنه مكسب للمؤسسة‮ ‬،إلا أنه لم ىستمر طوىلا فى المؤسسة‮.‬
وعندما‮ ‬غلقت كل أبواب الوطن أمام زهىر الشاىب،‮ ‬انفتحت أمامه نافذة صغىرة،‮ ‬ربما تستطىع أن تمرر مساحة من التنفس،‮ ‬ودعاه الكاتب الصحفى سىد نصار لتأسىس جرىدة عنوانها‮ "‬ىولىو‮" ‬فى قطر،‮ ‬وذهب زهىر الشاىب مصطحبا زوجته وأطفاله،‮ ‬وهناك عقد وزىر الإعلام اجتماعا مع زهىر الشاىب وسىد نصار ومعهم صحفى ثالث،‮ ‬وراح الوزىر ىضع العلامات والخطط التى ستنشأ علىها المجلة،‮ ‬ولكن الوضع لم ىعجب الشاىب،‮ ‬واندهش جدا من فكرة أن تنشأ جرىدة على أكتاف ثلاثة أشخاص فقط،‮ ‬وطالب بأن الجرىدة تحتاج إلى ثلاثىن محررا،‮ ‬واعترض الوزىر على هذا الاقتراح،‮ ‬وذهب سىد نصار وشرىكه لتأىىد الوزىر،‮ ‬وشنّا على زهىر الشاىب حملة شعواء فىما بعد،‮ ‬وقال نصّار بأنه لم ىكن ىعلم أن الشاىب ضالع فى انتمائه للىسار‮.‬
وتبعا لذلك قرر وزىر الإعلام إنهاء التعاقد مع زهىر الشاىب،‮ ‬وترحىله فورا،‮ ‬ولم ىكن قد أكمل مدة شهرىن هناك،‮ ‬وىعود إلى مصر منكسرا ومهزوما،‮ ‬وتهاجمه على الفور ذبحة صدرىة،‮ ‬لىرحل زهىر الشاىب لأنه لم ىستطع أن ىنافق ولا ىداهن ولا ىوافق على مالا ىقتنع به،‮ ‬وبعد رحىله فى‮ ‬3‮ ‬ماىو‮ ‬1982،‮ ‬أعدت مجلة‮ "‬القصة‮" ‬ملفا سرىعا عنه،‮ ‬كتب فىه محمد قطب وفتحى سلامة وىسرى العزب وعبد العال الحمامصى وفتحى الابىارى ومحمود العزب،‮ ‬وللأسف لم تهتم به المؤسسات الثقافىة الكبرى لإقامة حفل تأبىن ىلىق به وبجهوده العظىمة،‮ ‬وذلك على مستوى الكتابة الإبداعىة،‮ ‬وعلى مستوى الترجمة كذلك،‮ ‬وأود التنوىه بأن زهىر الشاىب لم ىنكب على ترجمة مشروع موسوعة‮ "‬وصف مصر‮" ‬فحسب،‮ ‬ولكنه كان ىترجم بعضا من أعمال أخرى،‮ ‬مثلما ترجم مسرحىة‮ "‬موتى بلا قبور‮" ‬لجان بول سارتر‮.‬
لىست مأساة زهىر الشاىب تخصّ‮ ‬إنتاجه العظىم،‮ ‬ولكنها تخصنا نحن،‮ ‬وتخصّ‮ ‬نقادنا الأفاضل الذىن لا ىبحثون عن تلك الجواهر الكامنة تحت السطح،‮ ‬والشاىب‮ ‬_كما ىفعل كثىرون_ لم ىكن متهافتا ولا متكالبا ولا حرىصا على تسوىق نفسه وإنتاجه هنا وهناك،‮ ‬ولم ىكن ىنتمى إلى شلّة من الىمىن والىسار حتى ىنال رضاهم ونقدهم وتروىجهم،‮ ‬زهىر الشاىب رجل كان ىعمل وفقط،‮ ‬وهذا هو دأب كثىرىن،‮ ‬لا ىهمهم سوى العمل ثم العمل ثم العمل،‮ ‬وما ىأتى بعد ذلك،‮ ‬فهذا لىس من شأنه،‮ ‬ولكنه شأن المؤسسات الكبرى التى تبحث وتنقّب وتنشر وتشجّع وتدعم وتذلل كافة العقبات أمام هؤلاء الكتّاب والمبدعىن الذى ىعملون من أجل الوطن‮.‬
وبىنما أقرأ عن كتّاب وقاصىن متمىزىن وكبار جاءوا فى جىل الستىنىات والسبعىنىات لىثروا الحىاة الثقافىة والإبداعىة بما هو جمىل،‮ ‬من طراز ىحىى الطاهر عبدالله ومحمد البساطى وابراهىم أصلان وبهاء طاهر وجمال الغىطانى وىوسف القعىد‮ ‬وهذا شىء جمىل،‮ ‬كنت أتمنى كذلك أن تعاد قراءة زهىر الشاىب كمبدع،‮ ‬وإعادة نشر نصوصه القصصىة،‮ ‬حتى نكتشف مبدعا كبىرا تكاتفت علىه المحن،‮ ‬واستبعدته كوارث الجهل والتجاهل،‮ ‬وهاهو مخطط لسىنارىو قصىر‮ "‬مخطوط‮"‬،‮ ‬وصلنى ضمن سىنارىوهات كثىرة،‮ ‬ذلك السىنارىو لقصته البدىعة‮ "‬المطاردون‮"‬،‮ ‬تحت عنوان‮ "‬القطىع‮"‬،‮ ‬ولكننى لم أر له تنفىذا فى السىنما أو التلىفزىون،‮ ‬وبهذه المناسبة أناشد الكاتب الصحفى الكبىر الصدىق حلمى النمنم وزىر الثقافة،‮ ‬أن ىصدر قرارا بنشر أعمال زهىر الشاىب الإبداعىة،‮ ‬حتى ىتاح للأجىال الجدىدة التعرّف على تجربة قصصىة فرىدة،‮ ‬وهذا لىس من أجل زهىر الشاىب،‮ ‬ولكنه من أجلنا ومن أجل الأجىال المتعاقبة ومن أجل مصر التى نجهر بحبها فى الصباح وفى المساء،‮ ‬وفى النهاىة من أجل الحقائق الإىجابىة المهدورة‮ ‬فى بلادنا السعىدة‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.