مازلت مصر بلد شهادات، فحكاية طالب الماجستير" محمد" ،شاهد على واقع مرير يعيشه كثيرون من الشباب، ما بين الرضى والسخط ،فهناك من تسيطر عليه حالة الإحباط ، ويصب غضبه على ظروف البلد، وأسلوب إداراتها وتجاهل بعض المسؤلين ،وآخرين يعملون فى رضاء تام ،وتصالح مع النفس بصبر وترقب لمستقبل أفضل، رغم الألم الذي يرسم على وجوههم وشماً لن تمحوه الأيام بسهولة والسطور التالية، تحمل الدليل على أن الشباب المصري يستطيع تحويل قسوة الألم إلى أمل جديد فى الحياة. علاقة من نوع غريب ربطت " محمد " طالب الطب النفسى ،بالفول والطعمية ، قد يتعجب البعض عن نوع هذه العلاقة وقدرتها على الاستمرار ومن المستفيد منها ؟ لكن الواقع دائماً أغرب من الخيال، فقد تكون أنت أيها القارئ واحداً من الذين اشتروا ذات ،يوم سندوتش فول أو طعمية أو بطاطس، من الدكتور"محمد" الذي أراد تحقيق حلمة ،بالحصول على أعلي الدرجات العلمية، فى مجاله وتوفير نفقات أمه المريضة ،واشقائه وسط تجاهل تام من الحكومة لنبوغه وتفوقه فى دراسته .. الفول والطعمية هما من استطاعا مساعدة الدكتور محمد أكثر من الحكومة صحيح مصر هتفضل بلد شهادات..! السطور التالية فى "أخبار الحوادث" تحمل حكاية الفول والفلافل مع طبيب الماجستير.. فى البداية يقول الدكتور "محمد": منذ وفاة الدى وأنا صغير، علمتنى أمى العمل والكفاح والانتظام فى دراستى حتى وصلت للسنة النهائية بكلية الطب النفسي جامعة عين شمس ولم تتخلى والدتى يوماً عنى ولم تقصر فى توفير أحتياجات ومتطلبات كليتى الصعبة واذكر أن السنة النهائية مرضت فيها بشدة وكانت والدتىتجلس بجوارى طوال الليل وتذهب لعملها مع خيوط الفجر حتى تماثلت للشفاء واستطعت أجتياز اختبارات الكلية بنجاح وحصلت على تقدير مميز وكنت دائماً أشعر بالسعادة عندما أحقق النجاح فى دراستى وارى دموع الفرح فى عيون ست الحبايب وعقب تخرجى كان لابد أن استكمل دراستى العليا التى تعتمد عليها ممارستي لمهنة الطب النفسى ولم أجد عملاً يعيننى على استكمال دراستى وضعفت ست الحبايب وهاجمتها الامراض وأصبحت لا تقوى على ممارسة عملها المعتاد وكان لابد أن أواجه الحياة ومرارتها لأوفر مطالب اشقائى الصغار واحتياجات أمى وتوفير نفقات دراستى ، فتقدمت للعمل بمطعم لبيع الفول والفلافل لأنه المكان الوحيد الذي لم يسألنى عن خبراتى السابقة والذي وافق صاحبه على انضمامى للعمل فور علمه بأننى طبيب شاب. فى بادئ الأمر لم يصدق صاحب المحل حقيقة دراستى وسألنى عن أوجاع كثيرة يشعر بها فى قلبه وعن صداع كثيف تصاب به زوجته وطالبنى بكتابة بعض العلاجات له ويستطرد الطبيب المكافح قائلا: جلست أمامه أكثر من ساعتين أخبره بأننى طبيب أمراض نفسية ولست أملك العلم الذي يجعلنى طبيب قلب او مخ وأعصاب وسألنى عن الأمراض التى أعالجها فحدثته عن أشياء قد يشاهدها فى البعض مثل التخيلات والنسيان والهلاوس السمعية والبصرية وعدم الثقة فى النفس وأشياء أخرى. ولم يقتنع الرجل الا بعد رؤيته لبطاقتى الشخصية وأصر على عملى بالمطعم الذي يملكه قائلاً " نفسية.. نفسية برده معانا دكتور فى المحل" ومرت الأيام وتعلمت الكثير فى مهنة بيع الأطعمة وعمل السندوتشات وكانت مشكلتى صدمة أمى عندما علمت بتجاهل الحكومة لى فى تعيينات الأطباء وفور علمها بعملى فى مطعم الفول بكت بكاءا شديداً واستطعت اقناعها بأن هذا وضع مؤقت كما أنه يدر مبلغاً كبيراً يساعدنا فى توفير أحتياجاتنا. وصممت على تحقيق حلمى وأمل أمى، وتحملت العمل بشكل مؤقت فى مطعم الفلافل واستطعت الحصول على ماجيستير فى علاج المخ والأعصاب والصحة النفسية بتفوق خلال عملى وأدرس الآن للحصول على الدكتوراه فى الطب النفسى. وعن أغرب المواقف التى تعرض لها يقول الدكتور" محمد" يقول :جاءت سائحة أجنبية إلى المطعم ، ولم تطلب سندوتشاً لتأكله بل سألت عن كيفية الوصول إلى ميدان التحرير، حيث يوجد الأتوبيس الخاص برحلتها السياحية بالقرب من متحف الآثار، وبينما فشل البعض فى مساعدتها، لصعوبة الحديث معها باللهجة الأمريكية تقدمت اليها وناقشتها بالإنجليزية ، وأرشدها الى مكان تجمع فَوْجها السياحى الذى ضلت عنه الطريق بحثا عن هدايا من بازارات وسط القاهرة واندهش رواد المطعم وبعض مريدى المقهى المجاور من حديثى معها وصفقوا لى وعلم الجميع أننى ادرس الطب بجامعة عين شمس وأعمل بمحل الفول حتى أشتهرت بين رواد المحل بلقب الدكتور . وأضاف " أن أجمل لحظات عمرى أثناء عملى بالمحل عندما أجد رجلاً فقيراً أو امرأة تطلب منى سندوتش من الفول أو الطعمية بدون نقود .. كنت ارى الدموع حبيسة داخل عيون الفقراء وكأنهم يستغيثون بى كى أطفئ نار جوع نهم يأكلهم من الداخل فأتمالك نفسي وامنع عيونى من البكاء وأسرع بتحضير عدة سندوتشات لهم واذكر ذات مرة وكنا فى شهر رمضان عندماء جاءت طفلة صغيرة وأشارت لى من خارج المحل وفوراً خرجت لها وجذبتنى بيدها الرقيقتين من ملابسى ثم همست فى اذنى " انا جعانه يا عمو " واقسم بالله اننى فى هذه اللحظات لم استطيع السيطرة على دموعى وجلست فوق الرصيف أبكى قبل أن أحملها بيدى فوق طاولة المحل لتختار بنفسها ما ترغبه من طعام ". ظللت اتسائل لهذا الحد يوجد فقراء فلا بلادنا لا يجدون رغيفاً من الفول ووجدت نفسى أحمد الله على حالى وزادت عزيمتى لتحقيق حلمى حتى استطيع التخفيف من آلام الناس خاصة المتعلقة بمشاكلهم النفسية. وتابع: أحلم بالحصول على أعلى درجة علمية فى مصر بمجال الطب النفسى حتى استطيع علاج الناس خاصة أن المتخصصين بهذا المجال قليلون فى بلادنا. وأدعو كل الشباب لخلق حالة من التوافق بين أحلامهم وتطلعاتهم وواقعهم مهما كان صعباً أو مُراً، فالمؤكد أن تحقيق الحلم بالكفاح والصبر تهون معه مرارة الحياة وشقاؤها. انتهى حديثنا مع الدكتور "محمد" الشاب الطموح وتركته يبيع ساندوتشات الفول والفلافل الساخنة بعد وعده لنا بدعوتنا لحضور مناقشته للدكتوراه بجامعة عين شمس. ومن بعيد نظرنا إليه فوجدنا الناس يصيحون فيه .."شقة" فول يا دكتور!