أقيم الأسبوع الماضي بنقابة الصحفيين، مؤتمر للتضامن مع الزميل أحمد ناجي ضد الحكم الذي صدر بحبسه عامين، عقدته اللجنة الثقافية ولجنة الحريات بالنقابة، بالتعاون مع جبهة الإبداع المصري ونقابتي السينمائيين والمهن التمثيلية واتحادات الفنانين العرب، الناشرين، الكتاب، وجمعية نقاد السينما، حيث شارك في المؤتمر ممثلون عن كل النقابات والهيئات وحشد كبير من الصحفيين والكتاب والأدباء والفنانين. أدار المؤتمر؛ خالد البلشي، رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، الذي تحدث في البداية مؤكدا أن الصحافة بدون حرية لا تساوي شيئاً، ووصف ما يحدث بأنه هجمة تستهدف منظمات المجتمع المدني، وأضاف: "لدينا أكثر من 42 صحفيا محبوسا ومهدد بالحبس، 28 محتجزين بالفعل و7 صادر ضدهم أحكام غيابية بالحبس، و8 محولون ببلاغات من وزير العدل، كما أن اللجنة رصدت حوالي 782 انتهاكا بحق الصحفيين خلال العام الماضي، أي أنه يوميا ما يحدث انتهاك علي الأقل للأعضاء، ما بين اقتحام منازل وحبس ومنع مزاولة مهنة وتكسير كاميرات". وعن القضية الأخيرة التي نحن بصددها؛ قال: "لا يمكن فصل أزمة حبس أحمد ناجي بسبب روايته عن حبس بقية الزملاء من الصحفيين وقرار إغلاق مركز النديم والتضييق علي المجتمع المدني أو المنع من السفر وحبس الباحثين، والهجمة الحكومية علي النقابات المستقلة والمهنية وآخرها ما حدث مع الأطباء، فقضية الحرية ليست فقط حق للمواطنين جميعا ولكنها بالنسبة للصحافة قضية مهنية في المقام الأول، والأحكام التي تصدر كل يوم ضد حرية الإبداع تعبر عن المشهد الحالي، وهو إغلاق المجال العام أمام أي حركة تنوير أو إبداع". بينما تساءل الكاتب الصحفي جمال فهمي، عضو مجلس إدارة نقابة الصحفيين السابق: "ماذا يعني خدش الحياء العام؟"، ثم استطرد: "نحن أمام نوعين من الإرهاب، الأول بالرصاص والقنابل الذي يسقط كل يوم شهداء، والنوع الآخر الذي يستولده ويشجع الأفكار الناسفة ويعيد إنتاجها؛ وهو إرهاب العقل والتعبير ومصادرة الحق في الحرية والتنفس، هذا هو الأخطر ويصب في مجري إرهاب العنف، وما يحدث حاليا خلط للأوراق، فلابد أن تتوقف أي أحكام غير دستورية". واستكمل فهمي: "بعد تجربة مريرة خضناها ومازلنا نكابد آثارها حتي الآن، هناك موجة عاتية من الإرهاب لم يسبق أن رأينا لها مثيلا في تاريخنا الحديث والمعاصر، نابعة من الظلام والبؤس العقلي والروحي والفكري والأخلاقي الذي فرض علي المجتمع نتيجة للبؤس المادي والاجتماعي، فالبؤس للأسف يبدأ عند الاقتصاد والاجتماع ولكنه لا يتوقف عندهما وأضاف: "للكاتب الحق في التعبير عن رأيه بحرية ومن حق المواطن في أن يقرأه أو يرفضه، فلا يصح أن نكون في الألفية الثانية وتصدر أحكام من هذا النوع، خاصة وأن العالم العربي ينظر إلي مصر بأنها بلد الفكر والثقافة، فكيف يحاكم فيها شاب ويسجن بسبب فكره وكتابته لرواية، ويتم التعامل مع أخبار الأدب علي أنها مجلة إباحية، فهذا توجه لفرض الظلام ونحن لن نقبل به، لأن ذلك المناخ السيئ يعيدنا إلي الخلف، رغم قيامنا بثورتين عظيمتين للتخلص من الأنظمة الفاشية وجماعة الظلام". أثناء انعقاد المؤتمر، وصل إلي النقابة الكاتب الصحفي حلمي النمنم، وزير الثقافة، الذي أوضح أن المشكلة تكمن في بعض مواد قانون العقوبات التي تجيز الحبس ويعود بعضها إلي القرن ال19، فقال: "نحن إزاء 3 أحكام بالسجن علي كتاب ومبدعين، وأظن أنه بعد ثورتين وفي ظل دستور جديد كان ينبغي أن تلغي تلك المواد، لأن القضية ليست أن أحمد ناجي كتب نص جيد أو ردئ، لكنها قبل ذلك تكمن في أن القراءة فعل ديمقراطي، وأخبار الأدب جريدة تصدر، وأي مواطن مخير أن يشتريها أو لا، فمن يقتنيها يرغب ذلك باختياره ودون أن يفرض عليه أحد هذا الشيء، وإن لم يكن علي استعداد أن يحتمل نص مكتوب - لن أقول أنه نصا جميلا، فحتي لو لم يكن جميلا أو كان بذيئا-، لا يكون التعامل هو السجن، لأن السجن كعقوبة علي الكتابة أظن أنه شيء لم يعد يليق بهذا العصر أو بهذا البلد أو بهذا المجتمع". وعن مسألة القوانين، عاد النمنم إلي قصة من التاريخ العربي والإسلامي، فقال: "أتذكر الآن شخصا لا نحبه كثيرا، لكنه كان قاضيا وعلي درجة رفيعة من الذكاء؛ وهو الحجاج الثقفي، فذات مرة أثناء موسم الحج ذهب أحد الأعراب إلي بئر زمزم وبال فيها، فألقي القبض عليه وأخذوه إلي الحجاج يطالبون بقطع رقبته، سأله الحجاج: لماذا فعلت ذلك يا هذا؟ قال له: كي أشتهر بين الناس، فطلب منه الحجاج أن ينصرف، هذه الواقعة من التراث العربي والإسلامي، لذلك أنا أتساءل الآن؛ من الذي خدش الحياء العام؟، النص تم طبعه ونزل للأسواق، وحسب دار الناشر لم يوزع 50 نسخة حتي أسبوعين مضت، لكنه بعد الحكم هناك 2 مليون متصفح له، من الذي خدش الحياء العام إذا؟ هل الذي كتب أم الذي جعل النص في الصدارة". من جانبها، أكدت د.آمنة نصير؛ عضو مجلس النواب، أنه لاوصاية علي أحد من أحد، وهذا حسبما أمر المولي عز وجل عندما قال (لست عليهم بمصيطر) و(ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، و(من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وقد كنا نطبق ذلك بالفعل، ففي الأربعينيات كان البعض يكتب (لماذا أنا ملحد) فيرد عليه الآخر (لماذا أنا مؤمن)، ولكن الشعب خلال البحث عن لقمة العيش؛ تغير أسلوب حياته وأصبحت الهجرة في سيكولوجيته، فانسلخنا من قيمنا الوسطية اللطيفة الهادئة ومن حضارتنا التي كانت هي القبلة للجميع، وللأسف تقمصنا هذا الفكر وهذا الفقه والتشدد وعدم المروءة التي كانت جزءا من طبيعة الشعب المصري، هذا ما نجنيه الآن". وضعت نصير نقاطا ظاهرة تسببت من وجهة نظرها في اختلاف الشعب المصري؛ في حضارته وثقافته وسعة أفقه وفي تقبله للمختلف معه، واستطردت: "للأسف أصبحنا نضيق، وقد زاد الطين بلة الأربع سنوات الأخيرة في أعقاب الثورة سواء 25 يناير أو 30 يونيو، الاثنتان ثورتان تركتا لنا بصمات كثيرة، وهذا توليفة مما استوردناه ومما جنيناه، في هذه المرحلة نحن الآن ندفع الأثمان الغالية في كبح جماح أي عقل أو أي فكر أو أي حرية تزيد علي المساحة التي أقبلها منك، وهذا عيب خطير جدا حتي في داخل الأسرة الواحدة". في مداخلة موجزة، تحدث طارق الطاهر، رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب المتهم الثاني في القضية ، مؤكدا أن القضاة عندما يخطئون لهم دوائر خاصة للحكم عليهم، وأن الصحفيين أيضا يجب أن يكونوا كذلك، واستطرد: "نحن نعمل في مهنة لا تقل جهدا ومشقة عن مهنة القضاء". وفيما يخص قضية أحمد ناجي، قال: "هذا نص أدبي من الممكن أن نقبله أو نرفضه، لكن لا يمكن أن تسمح لنا ضمائرنا في هذه اللحظة أن يكون زميل لنا موجودا في السجن بسبب نص، فالنص له مكان خاص للحكم؛ عليه، وهذا يكون بين النقاد، لكن أن يستمر هذا العبث وأن يعلن وكيل النيابة في جلسة علنية أن الدستور المصري لم يتم تفعيله، هذه هي القضية الحقيقية، فلا يمكن القبول بأن الدستور الذي خرج الشعب من أجله في استفتاء لم يتحقق لأي دستور مصري من قبل؛ لا يُنفذ إلي الآن، وهذا ما يجب أن نعمل عليه، وما يمكن حقا أن نهديه لأحمد ناجي وغيره، بأن يتم تفعيل الدستور المصري". عن تفاصيل المحاكمة، استطرد: "عندما دخلنا للمحكمة كنا أعجوبة وسط جميع المحكومين في القضايا التي سبقتنا، لدرجة أن بعضهم لم يفهم التهمة الموجهة لنا، جلسنا مع متهمين جنائيين في موقف عبثي، وحتي آخر لحظة لم يتصور ناجي أن يذهب للحبس، فعندما شعرت بإمكانية حدوث ذلك أخبرته أنه سيتم حبسه وأنني سأتغرم، لكنه كان يؤمن حتي النهاية أن هناك دستورا ينفذ بهذه الدولة فقال لي (أنا لن أحبس)، وفي النهاية كنت أنا علي صواب وتم حبسه، ولذلك لابد أن يكون لنا موقف حاسم، فنحن لدينا وزير في الحكومة يجب أن نحمله رسالة إليهم، بأنه في الاجتماع القادم لابد أن يكون هناك شكل واضح لاحترام هذا الدستور الذي جئتم وزراء طبقا له ".وممثلا عن الأدباء، تحدث الروائي إبراهيم عبد المجيد، قائلا: "إن ما يحدث في مصر الآن من محاكمة الكتاب وسجنهم بسبب إبداعهم وآرائهم عبث، وتكرار مثل هذه الاحداث ظاهرة مقصودة، ففي عصر مبارك كانت القضايا من هذا النوع تقف عند حدود االتحقيقات ثم تحفظ، أما الآن يتم حبس جميع من يرفع عليه أي قضية في الإبداع أو النشر أو غير ذلك". أما المنتج د.محمد العدل، فألقي بيان جبهة الإبداع، فقال: "مبدعو مصر وكتابها هم ثروة هذه الأمة التي يتم إهدارها في قضايا تستنزفها في معارك لا طائل من ورائها، ويدعي مشعلوها التستر بأثواب أخلاقية ودينية علي نحو غير حقيقي يسيء للإبداع والمبدعين ويعمل علي تشويه صورتهم ووضعهم في مواجهة مع الشعب وأجهزة الدولة، فطموح بناء دولة مدنية حديثة بات مهددا في الفترة الأخيرة بفعل إجراءات تتعسف في استعمال القانون علي نحو أدي إلي الإساءة لصورة مصر في الداخل والخارج، و لا يخفي علي أحد أن حرية الفكر و التعبير والإبداع في مصر تتعرض اليوم لهجمة شرسة تتعارض وبشدة مع الدستور الذي اتفق عليه الشعب المصري كوثيقة لإدارة البلاد ما بعد ثورتي 25 يناير و 30يونيو واللتين تخيلنا بعدهما أننا قد تخلصنا من كل من حكم فساد دولة مبارك و ظلامية دولة الإخوان، و لكن الظلام يبدو أنه لم يختف تماما وأن دائرة أتباعه تتجاوز جماعة الإخوان و جماعات الإسلام السياسي و التي ظنناها وحدها تبحث عن إعادة مصر للعصور الوسطي ومحاكم التفتيش، لازالت معركة الحرية طويلة و لازال الخطر يأتي إلينا من داخلنا لا من الخارج كما يروج أصحاب نظريات المؤامرة". واستطرد العدل: "منذ بداية العام تعرضت حرية الفكر في مصر والتي يدافع عنها الدستور المصري لعدة ضربات مؤلمة، كان أولها الحكم بحبس إسلام البحيري لمحاولته أن يجدد في الخطاب الديني، وكذلك الحكم بحبس فاطمة ناعوت بسبب تعبيرها عن وجهة نظر شخصية علي أحد مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك الحكم الذي نال من المنتجة رنا السبكي ، وأخيرا؛ الحكم الذي صدر علي الكاتب الشاب أحمد ناجي بالحبس لمدة عامين بسبب نشر فصل من روايته "استخدام الحياة" في جريدة أخبار الأدب، وذلك لاحتواء الفصل المنشور علي محتوي اتهمه أصحاب الدعوي بالإباحية وأفاضوا في وصف التأثير النفسي والجسدي الذي نالهم من قراءته ، نؤمن تماما بحرية المعتقد والفكر ونؤمن بلا شك بحرية الخيال والإبداع، ونؤمن أن الرد علي الكلمة يكون بالكلمة لا بالعقاب، وبأن من يري في كتابات ناجي محتوي لا يعجبه يستطيع ببساطة أن يقاطع أعماله وأن يفرد صفحات الرد والنقد لها في مساحات الكتابة الأدبية المختلفة تماما، كما ينبغي أن يرد من لا يعجبه آراء البحيري وناعوت عليهم في وسائل الإعلام لا في ساحات المحاكم محولين مصر إلي دولة محاكم تفتيش قروسطية يحبس فيها صاحب الرأي والفكر بدعاوي حسبة بغيضة طالما حاولت النيل من كبار مبدعيها ومفكريها". وأضاف العدل مستنكرا: "لا نريد أن نكون أبناء لجيل يحاكم نجيب محفوظ علي أولاد حارتنا ويوسف شاهين علي فيلم المهاجر أو نصر حامد أبو زيد علي اجتهاداته في النص، لا نريد أن نحمل علي أكتافنا إثم الحجر علي الفكر والخيال بعد أن حاولنا أن نكون الجيل الذي يصحح هذا المسار الظلامي، فتحولنا إلي جيل يخشي مع كل كلمة يكتبها ان يقع في حبائل ازدراء الاديان أو خدش الحياء فيجد نفسه خلف القضبان، ولذلك يشدد المشاركون في المؤتمرعلي الدولة بكافة مؤسساتها وأجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية احترام الدستور بوصفه الوثيقة الرئيسية الأعلي التي تنظم علاقة الدولة بمواطنيها وتضمن احترام حقوقهم وحرياتهم، محذرين من كافة أشكال الاعتداء علي هذه الحريات العامة تحت مزاعم محاربة الإرهاب، ومطالبين بتفعيل مواد هذا الدستور باعتبارها السبيل الوحيد لتقدم مصر ومواجهة الإرهاب والتطرف بكافة صوره، ويطالبون بتنقية كافة القوانين من المواد التي تتعارض مع الدستور، داعين أعضاء مجلس النواب بتبني هذا النوع من المبادرات التي من شأنها استرداد الثقة في النظام السياسي، كما يطالبون بالإفراج الفوري عن المسجونين في قضايا الرأي، ويطالبون الرئيس باستخدام السلطات الممنوحة له في الدستور لوقف تنفيذ الأحكام التي صدرت بحق كتاب وفنانين، والعفو عمن صدرت بحقهم أحكام نهائية". لم يتمكن الروائي صنع الله إبراهيم من الحضور لظروفه الصحية، فبعث بكلمة ألقاها الكاتب مدحت العدل ،ومما جاء فيها: " القضية ليست أحمد ناجي بالتحديد، وإنما أن هناك اعتداء صارخا علي الدستور ، وتجلي ذلك في مجموعة من الأحكام المستندة لقوانين قديمة مخالفة للدستور، ضد إسلام بحيري وفاطمة ناعوت، ومهاجمة دور النشر والمراكز المدنية للدفاع عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلي الملاحقة المستمرة لرموز الثورة، والاعتداء علي المواطنين والأطباء".