غيرت ثورة يوليو وجه مصر في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وانعكس هذا التغيير على السينما التى تغيرت اتجاهاتها تغيرًا جذريا، فأنتجت أعمالا تخلد الثورة وتشيد بإنجازاتها وتمجد زعيمها جمال عبد الناصر، منها رد قلبي، الباب المفتوح، الله معنا، بورسعيد، الأيدى الناعمة. وبالمقابل حرصت أفلام أخرى على مهاجمة العصر الملكى وتوضيح سلبياته وإخفاقاته مثل أفلام: غروب وشروق، القاهرة 30، بداية ونهاية، فى بيتنا رجل. وعلى الرغم من تنوع وتعدد تلك الأعمال إلا أن البعض اعتبرها منخفضة المستوى من الناحية الفنية، ومليئة بالدعاية المباشرة للثورة. كما لم تنتج السينما المصرية أفلام تؤرخ لأحداث الثورة نفسها وتوثقها. فإلى أى مدى نجحت تلك الأعمال السينمائية فى نقل حقيقة ما حدث فى 23 يوليو؟ وهل مازلنا بعد مرور أكثر من 60 عامًا من الثورة نحتاج إلى إعادة اكتشافها من جديد؟.. فى البداية يرى المؤلف بشير الديك أن ثورة يوليو حدث خطير فى تاريخ مصر ولكنه للأسف لم يقدم سينيمائيًا بشكل جيد حيث أن مجموعة الأفلام السينيمائية التى قدمت عن الثورة ليست بكثيرة على الإطلاق وهى أيضا لم تنقل الحدث بشكل كافى أى انها لم تكون على مستوى حدث الثورة، ويضيف: "أعتقد أن السبب الرئيسى فى هذا هو تأخر السينما، وتخلفها فى ذلك الوقت، فالسينما فى هذه الفترة كانت سينما واقعية. ويستكمل المؤلف بشير الديك حديثة قائلا إن قيمة ثورة يوليو لم تظهر فعليا إلا فى خلال فترة الستينات ففى هذه الفترة الستينات- قدمت أعمال سينيمائية لم تكن عن الثورة بشكل مباشر فهناك بعض الأفلام التى تناولت قضايا متعلقة بالثورة مثل التأميم والحياة فى فترة الستينيات عموما والحياة القومية والوطنية، لكن من حيث حادث الثورة نفسه لا أرى عمل له أهمية أو قيمة فنية، ولكن فيلم "رد قلبى " يرقى للحرفية إلى حد ما، وهو انتاج عام 1957 من إخراج عز الدين ذو الفقار عن رواية يوسف السباعى وبطولة شكرى سرحان ومريم فخر الدين وحسين رياض وصلاح ذو الفقار وهند رستم فهذا الفيلم تم تصنيفة فى المركز الثالث عشر ضمن أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية فى استفتاء النقاد عام 1996 فى احتفالية مئوية السينما المصرية، ويبرز الفيلم بشكل واضح الطبقية التى كان يعانى منها الشعب قبل ثورة يوليو من خلال قصة حب الأميرة إنجى "مريم فخر الدين" ابنة الباشا وعلى "شكرى سرحان " ابن الجناينى الذى يصبح ضابطا فى الجيش وتمضى عدة أعوام حتى ثورة 52 فيصبح " على " رئيس لجنة مصادرة أملاك عائلة " انجى " فتظن أنه لم يعد يحبها وجاء شامتا لكنها سرعان ما تكتشف صدق مشاعره . ويستنكر المؤلف بشير الديك فكرة تقديم أعمال سينيمائية الآن عن ثورة يوليو لأننا لدينا عديد من القضايا التى تستدعى وتستحق أن تعرض من خلال شاشات السينما، على سبيل المثال حكم الإخوان لمصر لمدة عام وهذا أهم لأن السينما تتعامل مع الواقع الحالى والواقع الآن ليس له علاقة بثورة يوليو ، فالثورة تاريخ وبداية لمجتمع جديد ونحن وصلنا الآن لمراحل متقدمة بعد هذه البداية . "نظرة مختلفة" يتفق معه فى الرأى المخرج مجدى أحمد على، ويقول: "إن السينما وقت ذاك كانت كلاسيكية وقليلة للغاية ولم تكن هناك محاولة لنظرة مختلفة لثورة يوليو، فلا يوجد فيلم حقيقى يعبر عن الثورة جميعها تقدم خطب وشعارات رنانة فقط، ولا يتوافر بها أى نوع من الأسرار الخاصة بالثورة. ولكن الجدير بالذكر أنه كانت هناك محاولة من قبل فيلم "ثمن الحرية" للتعبير عن عمق موضوع الثورة الذى تم انتاجة عام 1967 من بطولة محمود مرسى وعبد الله غيث وصلاح منصور وكريمة مختار ومحمود الحدينى ومحمد توفيق . "اللوم على الدولة" بينما يقول الناقد يوسف شريف رزق الله: "إن السينما المصرية لم تستطع التعبير عن الثورة بشكل كبير ولكن فى نفس الوقت لا استطيع ان نلقى باللوم على صناع السينما لانها فى الأساس دور الدولة ووزارة الثقافة التى تعد الجهة المنوطة بمثل هذه الأعمال وأتصور أنه كان يجب على الدولة أن تختار عدد من كتاب السيناريو لتقديم أعمال عنها". ويستكمل رزق الله قائلا: "من الممكن تقديم أفلام عن الثورة خاصة أنه فى بعض الدول الأوربية مثل فرنسا مازالت تقدم أعمالا عن ثوراتها حتى الآن، وتنافس بها فى المهرجات الدولية، وهو نفس الحال روسيا تقدم افلاما عن الثورة البلشيفية فان هناك احداث فى تاريخ البشرية تظل خالدة". "لا تليق بالحدث" فيما يعبر المخرج محمد كامل القليوبى عن أسفه لعدم تنفيذ عملا سينمائيًا عن الثورة بسبب تعنت الدولة التى لا تسعى فى انتاج مثل هذه النوعية من الأفلام، فضلا عن أن الأفلام التى قدمت عنها لا تليق بالحدث. ويؤكد القليوبى أنه من الممكن تقديم أعمالا ناجحة عن الثورة فى حالة تضافر كل الجهود وتوفير ميزانية للإنتاج من قبل الدولة". "إثراء الثقافة" بينما للمخرج على عبد الخالق وجهة نظر مخالفة، ويقول: 23 يوليو ثورة بمعنى الكلمة حيث اثرت الحياة الثقافية والفنية فنجد أن السينما ظهرت عليها آثار الثورة فى فترة الستينيات فدائما ما تظهر آثار الثورات بعدها بفترة قليلة، فنجد أن هناك أفلام سينيمائية عديدة قدمت فى الفترة ما بين الستينيات والسبعينيات فنحو 30 فيلما يصنفون من ضمن أهم 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية" . يضيف عبد الخالق: "نجد أن بعد ثورة 52 تم انشاء البنية الأساسية للثقافة المصرية متمثلة فى معهد السينما، ومعهد البالية، ومعهد النقد الفنى . وانشىء القطاع العام الذى تولى انتاج نحو 50 أو 60 فيلما خلال فترة الستينيات والسبعينيات. وهى أفلام جيدة جدا تناولت ثورة يوليو سواء بشكل مباشر أو غير مباشر مثل فيلم " غروب وشروق " للمخرج كمال الشيخ والكاتبان جمال حماد ورأفت الميهى وبطولة سعاد حسنى وصلاح ذو الفقار ورشدى أباظة ومحمود المليجى وابراهيم خان والذى تدور أحداثة سنة 1952 بعد إخماد حريق القاهرة. وأيضا فيلم " الحقيقة العارية " لعاطف سالم من بطولة ماجدة وإيهاب نافع والذى صور السد العالى كمشروع قومى لعل الناس يشعرون بأنه مشروعهم من خلال تغليف قصة الفيلم الاساسية وهى السد العالى بقصة حب فكاهية مما أبعد الأحداث عن السياسة العامة للوطن . ويشير على عبد الخالق إلى أن النظام السياسى فى تلك الفترة اهتم بالسينما والمسرح حيث كانت له رؤية أن السينما والمسرح مقومات أساسية لنجاح الثورة فلذلك أعطى لها قدر كبير من الإهتمام . والجدير بالذكر أنه فى عهد الزعيم وقائد ثورة يوليو " جمال عبد الناصر " أقيم عيد العلم والفن فكان يقدر من خلاله الفنانين والعلماء بينما أختفى هذا العيد تماما فى عهد الرئيس حسنى مبارك وعاد مرة أخرى فى عهد الرئيس الإنتقالى المستشار عدلى منصور . ويوضح على عبد الخالق قائلا : كان المسرح فى تلك الفترة أفضل مسرح فى تاريخ مصر وشهد ظهور مؤلفين مثل نعمان عاشور، وسعد الدين وهبة ، وميخائيل رومان ، ولطفى الخولى . ومن المخرجين جلال الشرقاوى وكرم مطاوع ، وسعد أردش ، وأحمد عبد الحليم , ومما لا شك فيك أنه على الصعيد الغنائى نجد أن أغانى الثورة التى قدمها عبد الحليم حافظ متواجدة بيننا وبقوة حتى الآن , كما أثرت أيضا على الصناعة فمصر فى عهد الثورة كانت تنتج سيارات وأنشىء السد العالى الذى لولاه لتعرضت مصر للغرق تماما أكثر من مرة، فبكل المقاييس ثورة 52 أضافت لمصر كثير فنحن مازلنا نعيش على آثار ومكتسبات هذه الثورة العظيمة حتى الآن، وأتمنى فى النهاية تقديم عمل سينمائى عن ثورة يوليو ومكتسابتها بمنظور مختلف.