فجأة أصبحنا جميعا قضاة.. نصدر الاحكام بكل بساطة ونحن جالسون علي الكراسي.. دون ان نعلم - وهذه هي الكارثة - ان ما نفعله هو جريمة في حد ذاته! الرأي العام من حقه ان يعرف ماذا يدور في محاكمات الفاسدين.. ولكن هل من حق برامج التوك شو وبعض الصحف ان تنصب محاكمات موازية تستضيف فيها رجال القانون ليستبقوا الاحكام ويتوقعون العقوبة؟!.. للأسف هذا ما يحدث وبكل فجاجة - دون ادني مسئولية بان القضاء هو الميزان الذي يحقق العدل! المستشار أيمن محمد عبدالحكم القاضي بمحكمة جنايات شبرا الخيمة يصف ما يحدث في بعض الصحف وبرامج التوك شو من محاكمات موازية -بالمهزلة - التي يجب ان تتوقف الآن! وإلي نص الحوار..! يبدأ المستشار أيمن عبدالحكم كلامه.. قائلا: بداية القضاة مستقلون لاسلطان عليهم في قضائهم لغير القانون وليس لأحد كائن من كان التدخل في القضاء.. ولكن ماذا يقصد باستقلال القضاء؟!.. يقصد باستقلال القضاء، عدم جواز التدخل والتأثير من قبل الغير علي ما يصدر عنه من إجراءات وقرارات وأحكام والتدخل والتأثير مرفوض سواء كان ماديا أو معنويا وسواء تم بكيفية مباشرة أو غير مباشرة، وبأية وسيلة من الوسائل ويدخل في نطاق الممنوع من التدخل، السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وغيرهما من أشخاص القانون العام والخاص، ويقتضي استقلال القضاء من جهة أخري وجوب امتناع القضاة من الاستجابة أو القبول أو الخضوع لأي تدخل أو تأثير، وتبعا لذلك فان القضاة لايمكن أن يستجيبوا ويخضعوا إلا لصوت القانون والضمير. محاكمات موازية! كيف تري الإعلام في تغطيته للقضايا؟! الاعلام سلطته وآلياته في تناول القضايا المجتمعية.. فمثلا نقرأ في الصحف تغطية خبرية لقضايا منظورة امام المحاكم.. ثم تتلو هذه التغطية الاعلامية كتابات وتعليقات في الصحف وبرامج الفضائيات.. بل والمنتديات والشبكات الاجتماعية.. وان من القضاة الآن من يطالب وبحق بتغليظ عقوبة نشر أمور من شأنها التأثير الاعلامي علي القضاة المنوط بهم الفصل في دعاوي مطروحة امامهم - بما يؤثر بالقطع علي حيادية القاضي - لكونها جريمة مؤثمة قانونا بموجب المادي »781« من قانون العقوبات! ونصيب المستشار أيمن عبدالحكم مثلا بالانظمة القضائية في أوروبا.. قائلا: انظروا يا أولي الألباب في الانظمة القضائية التي يعتمد حكم الادانة فيها علي المحلفين وليس علي القاضي - كالنظام الامريكي - ففيه تلجأ السلطات الفضائية إلي عزل المحلفين بشكل كامل عن الاعلام طيلة أمد نظر القضية المعروضة لضمان عدم تأثرهم في تكوين قناعتهم بأي مؤثر خارجي. ويمضي المستشار أيمن عبدالحكم.. قائلا: ففي الوقت الذي يلتزم القضاء بحياديته واستقلاله.. فإنه يسعي إلي تحقيق العدالة دون تغليب طرف علي آخر معتمدا في ذلك علي ما يتوفر امامه من أدلة وأسانيد في القضية ولايمكن للقاضي بأي حال ان يعتمد أو يستند لما تعرضه وسائل الاعلام من طرح بشأن قضية ما أو حتي يعتقدها صحيحة.. كما لايمكن ايضا اعتماد وجهات النظر والأراء التي يقوم الاعلام بالتركيز عليها - لانها خارج اطار الدعوي المنظورة. المادة »781«! ما هي حدود الاعلام في نشر القضايا حسب نص المادة »781« من قانون العقوبات؟! من الضروري معرفة الاعلام بواجبه في هذا الشأن وتجنب الخوض في تفاصيل القضايا المطروحة أمام القضاء وتقع علي عاتق الاعلام الالتزام بالمهنية تجنبا للتأثير علي ضمانات واجراءات المحاكمة العادلة، ومن هنا يتعين وتقع علي عاتق الاعلام الالتزام بالمهنية تجنبا للتأثير علي ضمانات واجراءات المحاكمة العادلة، ومن هنا يتعين حجب المعلومات عن الاعلام تجنبا لتلك النتائج التي تؤثر ليس علي مسار القضية المطروحة فحسب، وانما علي القاضي بشكل غير مباشر وتمثل نوعا من الإكراه المعنوي عليه، بل وعلي العدالة بشكل مباشر. ووفق ذلك ينبغي أن تكون المعلومات المتوفرة أمام القضاء بعيدة - مؤقتا - عن الإعلام، وهذا الحجب من واقع الاستقلالية التي يتمتع بها القضاء، وهو أمر واجب التقدير والاحترام والالتزام به من الكافة، لأن التحليلات والاستنتاجات التي تنشرها وسائل الاعلام في تناول قضية معينة لم تزل معروضة ومنظورة أمام القضاء ستؤثر سلبا في تكوين قناعة ووجدان القاضي، وتتعارض أيضا مع الاعتبارات والضمانات التي وفرها القانون للمتهم من كل تشهير يقع عليه، فالمتهم بريء حتي تثبت ادانته وأن نشر أي معلومات متعلقة بتحقيقات النيابة العامة قد تضر بمصلحة طرف من الاطراف، ولهذا جعل القانون جلسات التحقيق سريةب ينما جعل جلسات المحاكمة علنية، بعد أن توافرت الأدلة، وقد تعقد المحكمة جلساتها بشكل سري خلافا لمبدأ العلنية في بعض الاحوال المنصوص عليها قانونا، ومن مقاصد العلنية هنا أن يثق الجمهور بحسن سير وأداء القضاء في تحقيق العدالة والتطبيق السليم للقانون بما يحقق الردع العام. ويضيف المستشار أيمن عبدالحكم: وأخيرا فإن ترسيخ هيبة السلطة القضائية واحترام استقلاليتها لايكون بانغلاق القضاء كليا علي الاعلام.. إذا ما نظرنا إلي الجانب الايجابي لدور الاعلام المتوازن - الذي لاينتهك المحظورات.. فقد بات من الضروري وجود تنسيق اعلامي بين عمل السلطة القضائية والمؤسسة الاعلامية.. مثلما نجد ان رقابة الإعلام تعزز قوة القضاء باعتبار ان الاعلام بوابة المعرفة في نشر الثقافة الانسانية.