أري أن عظائم الأمور قد تكالبت علينا وغاب عنا العقل السديد والقلب الرحيم والحكمة ضلت طريقها فأصبحنا نتخبط ونسرع الخطوات نحو الهاوية. فالوقت الذي تتهدد فيه حياتنا بانخفاض حصتنا من مياه نهر النيل.. هو نفس الوقت الذي تتناحر فيه القوي الدينية والسياسية من أجل السلطة! الوطن ممزق بين انقطاع للمياه التي هي شريان الحياة وبين تجييش كل تيار سواء دينيا أو سياسيا لإعلان الحرب علي الطرف الآخر! هناك خطط لتدمير الوطن صاغها من لا يريدون بنا خيراً بدأت بالخطب الحماسية التي يتوعد كل تيار فيها الآخر واشتباكات في بعض المحافظات كمقدمة لما قد يحدث يوم 30 يونيو. وسط هذا الهياج الكلامي واتهام البعض للآخر بأنهم خارج ملة الإسلام والآخر يرد بأنه مسلم وأن التيارات الدينية المتشددة هي التي خارج عباءة الإسلام نجد أنفسنا وسط نيران ستندلع وستحرق الأخضر واليابس وستقتل الحب ولن نجد ماء نطفيء به الفتنة. بث الكراهية هي عنوان كل ما تتداوله وسائل الإعلام بجميع أنواعها وأن بلدنا يتعرض لفتنة بين أبنائه وكأني أري الفتنة الكبري تطل برأسها وأن قميص عثمان استبدل وحل محله الشرعية لمن؟! التيار المدني يجمع علي أن الرئيس المنتخب فقد شرعيته مدعين أنه حنث باليمين ولم يحترم الدستور والقانون ويفرض أهله وعشيرته علي مفاصل الدولة تحت عنوان »أخونة الدولة» .. ناهيك عن ارتفاع أسعار السلع وأزمات الوقود والكهرباء وعدم الإحساس بالأمن والأمان. والتيار الديني بدوره يرد أن هذه المآسي هي نتائج حكم مبارك وعصابته التي أحلت البلد دار البوار وأنها تركة مثقلة مشتعلة انفجرت في وجه الرئيس المنتخب وليس هو السبب في إشعالها بل انه يبذل كل جهده في خفض لهيبها. هذا الاحتدام اللفظي لم يعد كلاما «وفض مجالس» بل أصبح له أنياب شرسة وسلاحا مشهرا وتوعدا بين الفريقين.. فريق يدافع عن شرعية الرئيس ويؤكد أن الموت في سبيل تمكين الرئيس من قضاء مدة رئاسته شهادة وأن الفريق الآخر ما هو إلا مجموعة تيارات كافرة ومنافقة تدعي أنها تتمسك بالديمقراطية مادامت في السلطة وعندما تخرج من المشهد السياسي تدعي أن الرئيس وجماعته استغلوا الثورة واستولوا علي السلطة ليصنعوا بها ما يشاءون. والفريق المدني يدعي أن الشعب مصدر السلطات وشرعية بقاء الرئيس في الحكم هي رهن برضاء الشعب عن أدائه فإذا غضب أو شعر أنه مقصر في أداء واجباته نحوه.. فمن حق الشعب أن يخلعه تحت عنوان انتخابات رئاسية مبكرة. سبحان الله.. مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعاوية يلوح في الأفق وقميص الفتنة يجوب المدن والقري ليشعل النيران في أرجاء الوطن وخطب التعصب والتهديد والوعيد والاستعداد القتالي بين أبناء الوطن الواحد تجد من الفضائيات والصحف والمواقع الإليكترونية متنفسا لتبث منه سمومها لتحرق قلب الوطن الذي يحتاج إلي الحب والرحمة بين مواطنيه. غدا مليونية التيارات الإسلامية تحت عنوان «لا للعنف» وهي مليونية استباقية علي مليونية «تمرد» والتيارات السياسية وكنت أتمني أن يعقبها كلمة «وأهلا بالحب» فنحن أخوة ولسنا أعداء ومعا نطفيء نيران الفتنة فالوطن يحتاجنا جميعا فلنقف صفا واحداً والميدان يسعنا جميعا حتي نكون صورة يتحدث عنها العالم فيخشانا من يريد بنا ضرراً ويحترمنا العالم ويقدرنا فيمد لنا يد العون لنخرج من كبوتنا الاقتصادية.