أسوأ شيء يمكن ان يتعرض له وطن هو أن يصاب بالذعر اذا ما واجه مشكلة أو أزمة! المذعورون لا يقدرون علي التفكير، ناهيك عن التفكير السليم.. والذعر إما يصيبهم بالشلل والعجز عن الفعل، أو يدفعهم للتهور ويقودهم لارتكاب الاخطاء التي تزيد من حدة الازمة. وللاسف هذا ما حدث لنا بعد ان فاجأتنا اثيوبيا بالاعلان عن تحويل مجري النيل الازرق للبدء في تنفيذ مشروعها او حلمها القديم وهو سد النهضة الذي تعول عليه كثيرا لتحقيق نهضة تنموية واسعة.. لقد أصابنا الذعر، رغم اننا لا نجهل منذ سنوات نيه اثيوبيا لبناء هذا السد وغيره من السدود الاخري، ونعرف ان كل يوم يمر كانت اثيوبيا مستعدة عمليا لتحويل هذه النية القديمة الي واقع بعد ان مهدت لذلك باستقطاب معظم دول حوض نهر النيل في اتفاق عنتيبي الذي لا يعترف بالحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل. وقد ظهر هذا الذعر في مواقف متهورة للبعض كان أقلها الدعوة لمنع سفن الدول التي تساهم في بناء سد النهضة الاثيوبي من المرور في قناة السويس ومن بينها الصين وايطاليا والولايات المتحدةالامريكية، بينما كان اقصاها إما تحريك الجيش لغزو اثيوبيا او اعلان الجهاد الاسلامي ضدها اذا ما تقاعس الجيش عن ذلك! كما ظهر أيضا هذا الذعر في حالة من العجز المفاجيء اتسمت بها مواقف عدد من المسئولين تجاه ما قامت به اثيوبيا.. فهؤلاء المسئولون لم يعترفوا في البداية بالمشكلة حينما قالوا لنا ان تحويل اثيوبيا مجري النيل الازرق لن يضر بنا لانه لا يحجز مياهه عنا، وكأنه ليس الخطوة العملية الاولي لبناء سد شرعت اثيوبيا في بنائه بغير علمنا وبدون مراعاة أمننا المائي وحقوقنا في نهر النيل، بل حتي بدون الاطمئنان لسلامته الفنية من الناحية الانشائية.. وعندما بدأ هولاء المسئولون يعترفون بالمشكلة التي تواجهنا شرعوا للتهوين منها علي اعتبار انها مشكلة ليست أمنية! وكلا الامرين، العجز او التهور، ليس مجديا الآن، بل انه سوف يلحق بنا مزيدا من الاضرار اقلها منح الاثيوبيين الوقت الذي يحتاجونه للاستمرار في بناء سدهم بعيدا عنا وغير مكترثين بمصالحنا. نحن نحتاج الآن لفعل ولكن غير متهور.. وذلك يقتضي اولا ان نتخلي عن حالة الذعر التي فرضناها علي أنفسنا بعد الصدمة الاثيوبية بالتبكير بتحويل مجري النيل الازرق أربعة اشهر وقبل ان تنتهي اللجنة الثلاثية من دراساتها الاولية. واذا تخلصنا من هذا الذعر سوف نكتشف اننا لسنا عاجزين عن الفعل لحماية مصالحنا وأمننا المائي غير اعلان الجهاد ضد اثيوبيا او طرد سفيرها او اعلان الحرب علي الدول الممولة للسد. سياسة الاحتواء وليس الصدام هي الاجدي لنا.. والاحتواء يتحقق بمزيد من التواجد المصري النشط والفعال في منطقة القرن الافريقي، خاصة الصومال واريتريا.. والاحتواء يتحقق بربط مصالح دول حوض نهر النيل بما فيها اثيوبيا بمصالحنا.. والاحتواء يتحقق باستثمار علاقاتنا الاوروبية والصينية لضمان الا يتم تمويل السد الاثيوبي الا بعد الاطمئنان مصريا علي انه لا يضرنا. إذن نحن قادرون علي حماية أمننا المائي اذا تخلصنا من الذعر.