ليلة.. لاتنسي.. شهدتها المنطقة الأثرية بالاهرامات! شاب في الرابعة والعشرين من عمره صعد قمة هرم خفرع منذ الثانية ظهرا.. وعجز عن النزول!.. وتخيلوا الموقف.. عشرات السياح ومئات المواطنين شخصت أبصارهم في اتجاه قمة الهرم.. قوات الأمن تحاصر المكان بأحدث المعدات والأجهزة.. القلوب تكاد تنخلع.. والأنفاس تتلاحق.. وكل الاحتمالات قائمة.. ربما يسقط الشاب من هذا الارتفاع الشاهق.. ربما يلقي بنفسه متعمدا.. والمفروض ان الجميع يعملون من أجل الحفاظ علي سلامته.. بينما اتصالات علي أعلي مستوي تدور بين كبار المسئولين في وزارتي الداخلية والدفاع لمتابعة الموقف لحظة بلحظة! البداية، كانت آخر ما يتوقعه الموجودون في المنطقة الاثرية سواء من قوات الأمن او المواطنين او السياح، فتسلق الاهرامات ممنوع ومحفوف بالمخاطر ولا يفكر اي مغامر في تسلق الاهرامات هكذا.. وفجأة.. وبلا استعدادات، مثلما فعل هذا الشاب الذي رفض كل التحذيرات من رجال الامن وراح يصعد درجة بعد درجة، وصخرة بعد صخرة فأسرع أمن المنطقة الاثرية بإخطار اللواء محسن حفظي مساعد أول وزير الداخلية لأمن الجيزة بينما الشاب يوالي التسلق في اصرار غريب وعجيب! لحظات ويأمر مدير الأمن اللواء أحمد العسقلاني بسرعة الانتقال إلي موقع الحادث وانقاذ الشاب قبل ان يتعرض لأية اخطار واستخدام أحدث الأجهزة التي يتطلبها الانقاذ.. وبالفعل ينتقل اللواء أحمد العسقلاني مدير ادارة الحماية المدنية بالجيزة والعقيد هاني سعيد والرواد أحمد رجب وكريم صلاح واحمد ابو شادي. .. ويالها من ساعات شهدها نهار الخميس الماضي.. قوات الحماية المدنية تخاطب الشاب بالميكرفونات في محاولة لاثنائه عن هذه المغامرة غير المحسوبة.. لكن الشاب يمضي إلي هدفه وكأنه علي موعد فوق قمة هرم خفرع ولا يريد ان يتأخر عنه! تستخدم قوات الحماية المدنية السلالم الهيدروليكية والتي تصل إلي أرتفاع خمسة وخمسين مترا، لكن الشاب يتجاوز هذا الارتفاع بمسافة كبيرة حتي يستقر فوق قمة خفرع!.. الضباط يناشدون الشاب من آخر ارتفاع للسلالم الهيدروليكية بان يتجاوب معهم حفاظا علي روحه وسلامته، لكنه يرد باشارات من يديه رافضا الا ان يكمل المغامرة! قائد الحماية المدنية وضباطه وجنوده ينتشرون حول المكان تحسبا لأية احتمالات، ولا هدف سوي انقاذ الشاب الذي يبدو أنه غير متزن وقد وصل وسط ذهول الجميع الي قمة خفرع بالفعل بينما تميل الشمس الي الغروب في مشهد مثير اعتبره السياح اعظم فقرة غير معدة سلفا في برنامج زيارتهم لمصر.. فالحدث يستحق المتابعة والغاء كل المواعيد ونسيان مواعيد الطعام وفقرات الزيارة الاخري للمعالم السياحية.. شاب يغامر بروحه ويضع نفسه في ورطة بالغة، وقوات الأمن لا هدف لها سوي انقاذ هذا العابث! يتابع السيد حبيب العادلي وزير الداخلية الموقف لحظة بلحظة، وتصدر التعليمات بعدم اغلاق المنطقة الاثرية مع تواصل محاولات الانقاذ حتي لا ترتبك برامج السياح الذين أشادوا بجهد قوات الامن الذين وصلوا الليل بالنهار وعيونهم واعصابهم واجهزتهم تتابع وتحاول بكل السبل الوصول إلي الشاب. تعليمات اخري باضاءة المنطقة الاثرية بأكملها بعد ان حل الليل وفرض عباءته فوق مصر.. لكن الاضواء المبهرة تحيل المنطقة إلي نهار ويظهر الشاب عن بعد وهو يقوم بأداء الصلاة بعد ان ظل يستمتع بالمشهد من فوق قمة الهرم ليري مصر من هذا الموقع الفريد، وبهذا الاسلوب غير المسبوق، الا انه حينما يحاول النزول والعودة يفشل تماما، وهو ما كان متوقعا! تعليمات أخري تقوم ادارة الحماية المدنية معها بالاتصال بالمستشار العسكري لمحافظة الجيزة لتشارك القوات المسلحة في عملية الانقاذ.. ويسود احساس عميق بالتفاؤل لان قواتنا المسلحة دائماً ما تتفوق علي نفسها، كما أنها وقوات الامن الدرع الواقي لكل المصريين في الداخل والخارج.. الجميع يعمل من أجل هدف واحد حماية المواطن من أي خطر داخلي أو خارجي.. وكثيرا ما رفع لهم الوطن القبعة في مناسبات عديدة. الغريب والمثير ان الشاب نام فوق قمة هرم خفرع.. هكذا يبدو من بين الاضواء المبهرة بينما ضباط مصر وجنود الامن وقادته بالجيزة علي اعصابهم تمضي بهم الساعات وكأنها دهر تتحرك عقارب ساعته في بطء شديد.. وهذا شيء لا جديد ولا غريب علي أجهزة الأمن المصرية.. هكذا يضحي الضابط من جميع الرتب والجنود والافراد من اجل شاب مستهتر، عابث، غير عابيء بما قد ينجم عن مغامرته من أضرار بالغة تصيب أول من تصيب صاحب المغامرة نفسه! .. وتنفسوا الصعداء! بات واضحا ان انقاذ الشاب لن يتم الا باستخدام طائرة هليوكبتر.. لكن عملية الانقاذ لابد من تأجيلها بعض الوقت احتراما للقوانين التي تحظر الطيران ليلا فوق المنطقة الاثرية.. وبالفعل ينتظر الجميع حتي تنهزم ظلمة الليل امام غزو النهار المنظم وتنسحب فلول الظلام امام قوات الفجر التي تجلي المكان من آخر معسكرات الليل! تظهر الطائرة الهليوكبتر.. تحلق فوق هرم خفرع.. السياح يلتقطون الصور ويحبسون انفاسهم ويتابعون الحدث المثير الذي لم يخطر علي بال وربما يعتبرونه أجمل وأروع ما في زيارتهم لمصر! تدور الطائرة حول قمة خفرع عدة مرات حتي تثبت نفسها فوق الشاب.. انها لحظة يندم عليها كل صحفي لم يسعده الحظ بالتواجد في هذا المكان وقتها.. الطائرة تقوم بعملية انزال.. يصفق الجميع.. يظهر جنديان ممسكان بحبل سميك.. يهبطان فوق القمة.. يقوم احدهما بربط الشاب في الحبل ويبقي الجندي فوق القمة بينما يسحب قائد الطائرة الحبل وبه الجندي الاول والشاب وقد تعلقا به.. يصل الشاب الي الطائرة.. يتنفسي الجميع الصعداء.. يهبط الحبل من الطائرة مرة اخري، يمسك به الجندي الذي بقي علي قمة الهرم ويعود به الحبل السميك إلي قلب الطائرة. تنجح عملية الانزال بامتياز.. لكن الشاب الذي يبدو عدم اتزانه يطلب طعام الافطار قبل ان يتكلم .. بالفعل قدموا له الطعام الذي طلبه! اسمه حسين فاروق عنتر.. عمره 42 سنة.. عامل.. من المنصورة محافظة الدقهلية.. يسألونه لماذا غامرت بروحك.. ويجيب: أردت أن أدعو الله من أعلي مكان لان عندي بعض المشاكل والهموم.. وان أصلي في هذا المكان.. وأري مصر من هذا الارتفاع!! اللواء صلاح زيادة مدير شرطة السياحة يتسلم الشاب ويبدأ التحقيق.. والسؤال الذي يتمني الجميع معرفة اجابته الان هو كيف تجاوز الشاب المنطقة الملساء قبل الوصول لقمة الهرم!؟.. لقد حاول بعض المهرة في التسلق الوصول إليه قبل اتمام عملية انقاذه.. وصعدوا بالفعل حتي عجزوا عن عبور هذه المنطقة الملساء! المهم ان الشاب لم يتعرض لأية اخطار.. والاهم نجاح قواتنا المسلحة وأجهزة الامن المصرية في احتواء الموقف الخطير.. والجميل ان السياح التهبت أياديهم من التصفيق مع جموع المواطنين لوحدة البحث والانقاذ فرع الانقاذ الجوي بالقوات المسلحة.. ولقوات الامن التي ظلت عشرين ساعة في موقع الحدث ليثبت الجميع ان مصر جيش وشرطة علي أعلي مستوي.. وامسكوا الخشب!