كانت البداية داخل أحد استوديوهات السينما ذهب محمد كامل حسن لحضور تصوير أحد أفلامه.. جلس إلى أحد المقاعد القريبة من الكاميرا.. الجميع يعرفونه.. فهو أحد نجوم المجتمع البارزين.. لمع اسمه بسرعة الصاروخ في السينما حتى أصبح واحدا من أكبر مؤلفي الأفلام.. تجاوز رصيده خمسين فيلما في زمن قياسي.. كاد- ايضا- أن يحتكر مسلسلات الإذاعة وسهراتها، بينما مؤلفاته تزدحم بها المكتبات المصرية والعربية.. كما قفز نجمه كمحام بارع في ساحات المحاكم.. وعلى صفحات الحوادث والقضايا في الجرائد والمجلات.. كانت مرافعاته قطعا أدبية وفنية تطرب لها الآذان.. يتسابق إلى مكتبه الموكلون يعرضون عليه اتعابا لم يسبقه إليها محام من قبل رغم أن المؤلف الكبير لم يكن يتسع وقته لقبول كل القضايا المعروضة عليه.. فهو عضو بارز في الصالونات الأدبية والفنية التي يحضرها كبار نجوم المجتمع المصري. وبينما هو جالس إلى جوار الكاميرا.. جذبت انتباهه حسناء صغيرة رشحوها لبطولة فيلمه الجديد.. جميلة الملامح، رشيقة القوام، خفيفة الظل، جسدها ينطق بالأنوثة الصارخة.. وصوتها يترامى إلى مسامعه كأنه شدو عصفور فى أول أيام الربيع. تأملها المؤلف الكبير في دهشة.. كان يسمع عنها كثيرا.. سهير فخري.. النجمة السينمائية الصاعدة.. لكنه يراها لأول مرة.. وجد نفسه يتلفت ليراها من كل الاتجاهات.. منذ سنوات طويلة لم تلفت امرأة انتباهه.. عاش حياته طولا وعرضا لم يرتبك، مثلما ارتبك تلك اللحظة.. ربطته الصداقة الحميمة بحسناوات المجتمع ونجمات السينما وفاتنات الفن فلم يفكر في احداهن.. ولم ينطلق خياله مثلما انطلق الآن.. لقد بدت سهير فخري وكأنها هبطت على حياته من كوكب آخر. هجرت نظراته كل الموجودين بالاستديو وراحت تطارد النجمة الصغيرة حيثما ذهبت.. أدهشه أنها لم تلتفت اليه.. لم تعره اهتماما.. ولم تذهب إليه تقدم فروض الطاعة والولاء مثلما تفعل النجمات الكبيرات.. تحسس الشعر الأبيض في رأسه.. أنه الآن في قمة النضج.. وهي في قمة المراهقة.. عمره يزحف نحو النهاية.. وعمرها يبدأ.. زوجته هي امرأته الوحيدة، .. أما هي فلابد أن لها عشرات المعجبين من الشباب.. لابد أن حياتها أيضا نهر عذب لاتنقطع السعادة من بين ضفتيه. طلب المؤلف الكبير من صديقه المخرج أن يعرفه على النجمة الصغيرة.. حضرت إليه بعد لحظات.. جلست إلى جواره.. تأمل وجهها عن قرب، مازالت صغيرة.. ربما تصغره بربع قرن من الزمان.. لكنها اجمل من رأت عيناه.. اطال النظر في ملامحها؛ فقاطعته الصغيرة بسؤال لم يتوقعه.. سألته في براءة وطفولة عن سر الحزن الذي يعشش في عينيه.. ويتوارى في نبرات صوته.. وينطلق في تنهيداته!.. لم يتردد.. حكى لها كأنه يعرفها من عشرات السنين: سأحكي لك ياعزيزتي.. من حقك أن تعرفي الجواب لأنك أول من اكتشف هذا الحزن الدفين في عيني.. أنا يا صغيرتي أعيش حياة روتينية .. .. .. أشعر من سنوات أننى بحاجة إلى امرأة ملهمة .. امرأة تفجر فى اعماقى البراكين الخامدة ....امرأة غير كل النساء ليست ضيقة الأفق.. ولا ضحلة الثقافة.. ولا ركيكة الحديث.. ولا مملة اللقاء..ولا هى كسول لاتقرأ.. ولا تتطلع.. لا تحركها رغباتها الحسية فإذا جاعت تأكل. وإذا تثاءبت تنام.. واذا ظمئت تشرب.. اذا استيقظت تفرغت لأعمال المنزل.. واذا غربت الشمس تفرغت لتنويم الأطفال ثم تغط في نوم عميق.. امرأة تتوحد معى ..ربما انشغلت زوجتى عنى بأعباء الأمومة حتى جعلتنى دون أن أدرى فى رحلة طويلة للبحث عن حبيبة تعيش فى شرايينى وأعيش بين جفنيها !! ضحكت سهير من أعماقها.. كأن الدنيا كلها ضحكت معها.. وصمت المؤلف الكبير خجلا.. لكنها عادت و شجعته على الحديث.. اعتذرت عن ضحكتها التي لم تتحكم فيها.. وصفت حديثه بأنه شائق وجذاب لدرجة نست معها الاستديو بمن فيه!.. اقتربت من مقعده أكثر.. منعته في دلال من إشعال سيجارة جديدة.. بعض الرجال يعجبهم هذا السلوك الأنثوي.. ألحت عليه ليكمل حديثه.. استطرد يحكي لها عن همومه.. وأشجانه.. وأجمل سنوات عمره التي عاشها قبل أن يهاجمه الشعور بالوحدة رغم أن فى حياته زوجة ! فجأة.. سمعت سهير فخري صوت المخرج يناديها.. هبت واقفة.. قبل ان تستأذن طلبت من المؤلف الكبير أن يحدد لها موعدا آخر!.. طار محمد كامل حسن من الفرحة.. نسي أنه أكبر منها شهرة ومكانة وتألقا.. أسعده أن تطلب رؤيته ثانية وأن تصر على لقاء جديد .!!! أحس أن الخريف انقلب ربيعا.. والورود تفتحت.. والسماء صفت.. ونسمة عليلة تصافح وجهه المكفهر.. هل هى أولى لحظات الحب التى تفقد الرجل توازنه.؟! ربما.. وربما شعر أيضا أنه لو كان بيده لخلع تاج حياته وشهرته ومنحه لها قبل أن تنصرف! وبالفعل تقابلا !! ... و تكرر اللقاء ثلاث مرات! وفي المرة الرابعة حدثت المفاجأة التي لم يتوقعها.. صارحته بأنها تتمنى لو ظلت إلى جواره للأبد.. لكنها تخشى أن يتهمها بالمراهقة.!. سألها وهو يرتجف: ((هل تقبلين الزواج من عجوز مثلي؟)) صمتت سهير لحظة مضت كالدهر على المؤلف الكبير.. ثم همست له: ((مع بريق عينيك ..وحنانك ونجوميتك.. أشعر أنك أكثر منى شبابا ! أمسك يدها لأول مرة.. طبع فوقها قبلة احترام ..وعدها ألا يفترقا ابدا! تزوجها محمد كامل حسن وسط دهشة المجتمع! لكن سهير اخرست كل الألسنة.. كانت تحبه بجنون.. وجدت فيه قلبا يفتقده الشباب التافه.. عاشت معه رومانسية حالمة.. أضاءت أصابعها العشر لترضيه.. لم يكن يؤرقها في حياتها سوى تلك اللحظات التي يغيب فيها عنها!.. فشلت كل محاولات الايقاع بينهما.. لم يعد هو الآخر يطيق السهر خارج المنزل.. إذا خرج في الصباح عاد مهرولا.. وإذا تحدث مع اصدقائه راح يحكي بإسهاب عن جنة سهير وحبه لها.. وتمضي سنوات قليلة.. تنجب له سهير طفلين يملآن جنتهما بهجة.. اصبح منزل الزوجية للعاشقين كعش بلابل يختبيء بين الأغصان.. حتى فاجأت سهير زوجها بقرارها الخطير.. أصرت على إعتزال السينما وهجر الأضواء والفن.. صارحت زوجها بأنها تتمنى أن تحقق نجوميتها كزوجة وام.. ضمها المؤلف الكبير إلى أحضانه، ويصارحها هو الآخر بأنه كان ينتظر هذا اليوم بفارغ الصبر! لكن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهي السفن! والأيام الحلوةعمرها قصير ! لم تكن سهير تدري سر الزيارات المفاجئة التي بدأت تحرص عليها زميلات الوسط الفني.. اللاتي انقطعت علاقتها بهن منذ سنوات.. أصبحن يترددن عليها يوميا.. وفي فترات غياب زوجها.. يبذلن محاولات مستميتة لإقناع سهير بالعودة الى الأضواء.. فكانت ترد بأن نوربيتها أثمن عندها من كل أضواء الدنيا.. كن يحرضنها ضد زوجها العجوز.. فترد بأنها تحبه!.. صارحن سهير بأن مسئولا كبيرا شاهدها قبل أن تعتزل مرة واحدة.. ومن حسن حظها ان أوامره صدرت للمنتجين بأن تلعب سهير دور البطولة في الفيلم الجديد (حسن ونعيمة). فأجابت بأن أعظم ادوارها في الحياة هو بطولتها كأم لأولاد تحبهم وكزوجة لرجل تعشقه! فشلت محاولات الصديقات وزميلات الوسط الفني في استمالة سهير.. وإعادتها إلى البلاتوهات وشاشة السينما.. لم يجدن عندها آذانا صاغية لكل الإغراءات التي يسيل لها لعاب المرأة! ذات ليلة عاد زوجها فوجدها تبكي! حاولت أن تخفي عنه الأسباب.. لكنه ظل يلح عليها حتي حكت له عن صديقاتها اللاتي لاتنقطع زياراتهن لها لاعادتها إلى الفن من جديد.. سرح الزوج وشرد خاطره.. سألته سهير عما يحزنه وجعله شاردا .. صارحها بضغوط اصدقائه هو الآخر ليطلقها.. اخبرها أن قلبه يتوجس.. وهمست له بأن قلبها منقبض.. تعانقا كطفلين.. بكيا في وقت واحد.. اختلطت دموعهما.. انتبهت سهير على زوجها يقول لها: ((.. حتى كامل الشناوي ياسهير.. اعز صديق إلى قلبي.. نصحني بان أطلقك.. عيناه كانتا تنطق بكلام كثير لم يبح به.. كأنه كان يحذرني من استمرار زواجنا.. لولا ثقتي المطلقة في حبك لي لظننت أنه لايريد اخباري بأنك تخونيننى !!)) .. هكذا وصلت بي الأوهام من كثرة ما أحسست به من غموض في حديث كامل الشناوي! ضمته سهير إلى صدرها أكثر.. أحتوته بين ذراعيها.. همست له في دعة:لو طلقتني يا محمد فسوف انتحر!.. ورد عليها في براءة.:الموت أهون من طلاقك ياسهير!.. احتضنته بشوق كاد يعتصره.. كأنها تخشى ان ينفلت من بين ذراعيها.. اطفأت الأنوار.. وعادت لترتمي بين ذراعيه! اقترب الفجر.. ومازال الزوجان يذوبان عشقا! دقات عنيفة على باب الشقة!! هب الزوجان في ذعر.. اسرع المؤلف الكبير إلى باب الشقة يفتحه.. رجال أقوياء يقتحمون الشقة.. ينتشرون في كل الحجرات.. يصرخ الأطفال في هلع.. تمتد الأيادي القوية لتكمم أفواه الأطفال.. الزوجة الحسناء تنتفض من سريرها بقميص نومها.. تجري نحو زوجها.. الأيادي القوية تمنعها من الاقتراب.. المؤلف الكبير يقف مذهولا مما يجري.. يصيح في زواره.. من أنتم؟ ماذا تريدون؟.. أحد الزوار يقدم له بطاقته ومهنته.. يصرخ الكاتب الكبير بأنه عاش عمره كله بعيدا عن السياسة.. لم يقترب منها يوما.. ولم يتحدث في أمورها.. ولم يصادق فرسانها.. لكن الزوار لايسمعونه.. يقبضون عليه.. يشلون حركته.. يطلبون اليه الهدوء لأن الفضيحة ليست في صالحه.. يخبرون زوجته بأنه سيعود في الصباح لو اجاب في التحقيقات بصراحة!!.. يجذبون المؤلف الكبير من ملابسه كالذبيحة.. يصرخ الأطفال.. وتجهش سهير بالبكاء.. بينما يختفي زوجها وسط أجساد العمالقة الذين يعملون بأحد الأجهزة الأمنية.. لحظات، ينغلق بعدها باب الشقة في عنف.!. يدوي صوت سهير بين جدران شقتها تصيح باسم زوجها.. ثم يغشى عليها إلى جوار أطفالها الصغار الذين يلطمون خدودهم.. لايفهمون شيئا مما يجري!.. بينما تنطلق سيارة تتبع جهازا امنيا كبيرابالمحامى الكبير إلى حيث لا يدرى ! البقية الاسبوع القادم