في دورته السادسة عشرة بدأ مهرجان الإعلام العربي بالقاهرة في استخدام تقنية جديدة لتحكيم الأعمال الإعلامية سواء في مجال الإذاعة أو في مجال التليفزيون وهي طريقة البث عبر شبكة الانترنت وموقع خاص بالمهرجان مما أتاح فرصة كبيرة للسادة المحكمين لمتابعة الأعمال وتقييمها بهدوء وروية لكن المثير للدهشة هو اعتذار بعض البلدان العربية عن المشاركة في فعاليات المهرجان بصورة رسمية وكانت البداية من دولة الكويت والتي رفضت دعوة المهرجان بأن تكون ضيف شرف الحفل والمهرجان مما أثار تساؤلات عدة حول حيثيات رفض الدعوة والأسباب الواهية غير المقبولة والتي تعد إهانة ليس في حق مصر ولكن في حق الإعلام والإبداع والفن لأن هذا الرفض غير المبرر من دولة عربية تعد شقيقة يسيء إلي عدة مفاهيم منها القومية العربية والوحدة والأخوة والتاريخ وكل تداعيات ما يسمي جامعة الدول العربية بالإضافة إلي أن هذا الموقف يضرب فكرة الإعلام المفتوح والسماوات الرحبة والتبادل الإعلامي والفن بين الدول العربية فحتي اليوم لم نسمع عن دولة في الاتحاد الأوروبي ترفض التعامل فنياً أو إعلامياً مع دولة تجمعها وإياها عملة معدنية تدعي "اليورو" فما بالك و الوحدة الإسلامية والتاريخية والجغرافية إلا إذا كان كل هذا وهماً!!! الجزائر وسوريا والإمارات: الأكثر إيلاماً أن ينتقل التعصب والتحيز وهذا العنف الشعبي من مجال الكرة ولعبتها إلي مجال الفن والإعلام فالجزائر وما حدث منا ومنها في مجال كرة القدم وتدخل "الفيفا" والضرب والإهانات والتشاحن الإعلامي والسياسي والاقتصادي وصل بكل أسف إلي مجال الإبداع والثقافة حيث رفضت الجزائر أن تكون ضيف شرف بديلاً للكويت وأيضاً رفضت المشاركة الرسمية بالأعمال في المهرجان حتي بالوفود ولجان التحكيم وهي مقاطعة غريبة ومثيرة وتستدعي دراسة الحالة النفسية للمسئولين في الجزائر وكذلك المبدعون لأنه من غير المنطقي أن تصبح مصر دولة معادية أو دولة مرفوضة بكل تاريخها وبكل حضارتها وبكل حاضرها من قبل دولة إسلامية عربية شرق أوسطية فإذا كانت الجزائر ترسل الوفود والفنون إلي فرنسا البلد التي احتلت الجزائر وقتلت عشرات الآلاف من الجزائريين والذين وصلوا وفق احصائياتهم الثورية إلي مليون شهيد. فهل يعقل أن تصدر بلد المليون شهيد ثقافتها وأبناءها إلي بلاد الفرنجة الفرنساويين وتضع مصر في القائمة السوداء وتعاملها بهذا التعالي والغضب وعدم اللياقة السياسية والبعد الثقافي؟!! نضيف إلي تلك القائمة سوريا والتي هي الأخري لم تشارك رسمياً في المهرجان وإنما كانت المشاركة هي والإمارات العربية عبر الشركات الخاصة ولكأن ذلك المهرجان حلبة للصراع السياسي وليس ساحة ثقافية إبداعية يتجاذب بها المبدعون كل أطراف الفكر والفن والإبداع وليس معني تواجد الدولة رسمياً أن تصبح الجوائز وتقسيمها ومنعها وفق الجغرافيا ووفق الخريطة السياسية أو القوة الاقتصادية ولكن هناك معايير إبداعية ولجاناً في مجملها ومعظمها حيادية وتخصصية لكن أن تمتنع دول عربية عن المشاركة في المهرجان بصورة رسمية وتقلل من حجم التواجد العربي الإعلامي في كل المجالات بدعوي الجوائز والتحيز لمصر فإن في هذا تجنياً وظلماً وتحطيما للإبداع وللثقافة. لأن تاريخ الفنون والثقافة والإعلام في مصر يسبق كما وكيفاً كل البلدان العربية ولأن مصر هي التي علمت ودرست وقدمت المثل والنموذج للأخوة العرب سواء في الإذاعة أو في المسرح أو في السينما أو في التليفزيون والعديد من رواد تلك المجالات درسوا في مصر أو علي أيدي مدربين ومعلمين وإعلاميين وأكاديميين مصريين أو علي أقل تقدير تعرفوا علي منافذ المعرفة والإبداع عبر الشاشات المصرية سواء سينما أو تليفزيون أو ميكرفون الإذاعة أو الصحف والكتب والمراجع. إن هذا التباعد والتجافي العربي والذي وصل إلي مجال الفكر والثقافة والفن يؤثر سلباً علي مستقبل الثقافة العربية وعلي مستوي الأداء الإعلامي سواء في مجال الدراما أو الأخبار أو التحقيق لأن الفجوة بين الإعلاميين سوف تمتد آثارها إلي الفجوة بين المتلقي والآخر في أرجاء الوطن العربي وتمنع البث الأمثل والإبداع الأفضل أن يصل إلي المشاهد العربي بغض النظر عن موقعه الجغرافي وتوجهه السياسي ومكانته الاقتصادية. فإذا كان العالم الغربي يسعي إلي العولمة وإلي إذابة الحدود بين الدول الكبري اقتصادياً فإنه ينجح في كل لحظة في رسم حدود جديدة بين الأخوة العرب وفتح منافذ عميقة بين الأشقاء وضرب الوحدة التي باتت ماضياً نتغني به وحاضراً لا ندركه ومستقبلاً يقبع في دائرة السراب.. ومع كل الاحترام ستظل مصر رائدة وحامية للماضي والحاضر والمستقبل. [email protected]