تأمل الناس وحاول أن تقرأ ما تبوح به ملامحهم الوجوه خاصمتها الابتسامة.. استمع إلي أحاديثهم في وسائل المواصلات.. بالأسواق.. في البيت المشاجرات بين الزوجين.. الأزمة الاقتصادية بأعراضها.. بطالة.. عنوسة. فقر. أزمة اسكان. ارتفاع أسعار. مادة مشتركة في كل الحوارات سواء في برامج التوك شو بالتليفزيون أو في الكواليس أو حتي في الشارع. صفحات الحوادث ما الذي يحزن المصريين. وما الذي يسعدهم وماهي أحلامهم؟.. أنا شخصيا تأثرت وبكيت عندما شاهدت فقرة علاء مبارك في برنامج العاشرة مساء عندما كان يتحدث عن ابنه محمد بعد مرور عام علي وفاته. وكيف أن والده الرئيس علمه الرضا بحكم الله. واحتفائه بأن الله رزقه الزوجة الصالحة.. رأيت الدموع في عيني زوجته ووالدتها ووالدها.. اعترف انني حولت مؤشر القناة. وبعيداً عن هذه الفقرة الحزينة. وجدت شيئاً أكثر حزنا عندما قرأت تقريراً عن هموم واهتمامات المواطن المصري عن بحث للمركز القومي للبحوث.. الاجتماعية والجنائية.. أشرفت عليه د. نجوي خليل رئيسة المركز وقام بالاستطلاع مجموعة من الباحثين من المركز وكانت العينة 3562 مواطنا من 18 محافظة تشمل القاهرة والإسكندرية والقليوبية والشرقية وكفر الشيخ والبحيرة والمنوفية والغربية والدقهلية ودمياط.. والجيزة والفيوم وبني سويف والمنيا واسيوط وسوهاج وقنا وأسوان.. أكثر العينة مقيمة في الحضر والباقي في مناطق ريفية وتشمل ذكوراً وأناثاً.. ومتوسط الأعمار من 18 إلي 60 عاما.. والحالة الاجتماعية 63.3% منهم متزوجون و36.3% يعملون و63.7% لا يعملون. والغريب أن نسبة القادرين علي العمل والراغبين فيه والباحثين عنه ولا يجدونه ترتفع إلي 14.7% من العينة.. البحث شمل 46 سؤالاً عن اهتمامات المواطن وأهم مشكلات مصر.. وكيفية حلها وتقديره لقدرة الحكومة بمفردها علي حلها.. وجاءت المشكلات الاقتصادية بطالة ارتفاع أسعار فقر وقلة دخل في المقدمة.. وشكلت 81.4% وتراجعت مشكلة الزيادة السكانية 8.6% والمشكلات السياسية 2.7% وكانت مشكلة البطالة ثم ارتفاع الاسعار ثم الفقر وقلة الدخل أي أكثرها احساساً بأزمة اقتصادية وارتفاع اسعار وتدهور دخل المواطن العادي. وعلي رأي مجدي الجلاد رئيس تحرير المصري اليوم ان تصريحات الحكومة بأن التضخم انخفض وإن الحالة الاقتصادية في تحسن يشعر المواطن بعكس ما تقوله الحكومة. لقد اتفق كل من صلاح عيسي رئيس تحرير "القاهرة" ومجدي الجلاد رئيس تحرير "المصري اليوم".. أن المشكلة ليست في ضرورة تغيير الوزراء.. ولكن المشكلة في أنهم ينفذون سياسات.. ورؤي معينة وتوجهات وهذه هي التي لابد أن تنفذ.. وأعطي مثلا بأفكارهم عن قانون العرض والطلب.. فهذه ليست الرأسمالية كما يدعون.. فلابد من ضبط الأسواق.. والسيطرة علي الأسعار ومراعاة المواطن الغلبان وهذا يحدث في أعتي الدول الرأسمالية أمريكا مثلا فالاقتصاد الحر لا يتناقض مع سيطرة الأسعار جودة الحياة مهمة للمواطن ولا يهمه من يكسب من الأحزاب أو من يخسر. المهم أن يعيش في أمان ليومه واطمئنان علي الغد مستقبل أولاده وكان هذا شعار الحزب الوطني في انتخابات 2010!! وفي بحث مركز البحوث الاجتماعية والجنائية.. رداًَ علي سؤال كيف نحل المشكلة الاقتصادية كان رد عدد كبير من المواطنين ليس أمامنا سوي اللجوء إلي الله.. وفي الوقت الذي رأي فيه المواطنون أن مشكلة البطالة وارتفاع الأسعار هي المشكلة رقم 1 فانهم ذكروا ان المشكلة التي تهتم الحكومة بحلها هي الزيادة السكانية "التي لم تحل" واحتلت مرتبة متأخرة في المشكلات التي حددها المواطنون. مشكلة الدخل وارتفاع الأسعار هي المشكلة رقم واحد عند المواطن.. فالدخل لا يكفي. الطعام. وتكاليف الدروس الخصوصية والعلاج وارتفاع أسعار الادوية والطعام كان مشكلة 88.4% من الناس وهذا بالطبع يرد علي مقولة "ماحدش يبات من غير عشا". مشاكل ارتفاع أسعار الطعام ذكرها التقرير الأخير للارقام القياسية لأسعار المستهلكين عن شهر نوفمبر 2010 لجهاز التعبئة العامة والاحصاء برئاسة اللواء أبوبكر الجندي. ولكن التقرير يؤكد أن هناك انخفاضاً غير مسبوق لشهر نوفمبر وصل إلي 1% عن شهر أكتوبر. بينما نفس التقرير يذكر أنه مقارنة بأسعار نوفمبر 2009 هناك ارتفاع بنسبة 10.2%!! والسؤال الهام في بحث المركز "لو جيت توصف مجلس الشعب. توصفه بايه؟َ" أجاب عنه حوالي 2340 مواطنا وجاءت الأوصاف السلبية كالتالي بأنه "غير فعال" وبأنه لا يؤثر في التنفيذ.. ووصفه البعض بأنه يعمل لمصلحة أعضائه.. وأنه تابع للحكومة وصورته هي التصفيق والنفاق.. والأوصاف السلبية نسبتها أكبر بكثير من الصفات التي قال البعض عنها انها ايجابية.. مثل الدفاع عن الشعب والصراحة وتشريع القوانين. أما الأسئلة الخاصة بالشرطة. البعض رفض الاجابة والبعض بسبب الخوف والتشكك أعطي اجابات غير محددة.. ولكن الأوصاف السلبية انخفضت إلي 15% مثل القهر والظلم والاستفزاز واستغلال السلطة والانحراف واستخدام العنف. ولكن مازالت صورة القضاء بالنسبة للمواطنين هي الأكثر نزاهة وهي الأفضل أما الصورة السلبية للقضاء فتعلقت بالبطء في الاجراءات.. أما صورة الأحزاب بالنسبة للمواطن العادي فقد جاءت في مكانها الصحيح.. فقد وصف 15% أن الحزب الوطني حزب الحكومة.. و13.2% وصفوه بأنه بلا دور واضح و2.7% قالوا إنه يضم منتفعين.. وبالنسبة لصورة أحزاب المعارضة رأي 46.9% انها بلا دور أو صوت و5% رأوا انها تهتم بمصالحها وأجمع الكل علي غياب دور الاحزاب بشكل عام.. الجديد في البحث هو سؤال المواطن المصري عن أخيه المواطن؟. أغلب الاجابات ايجابية وصفوا المواطن بأنه طيب جدع.. مكافح أصيل.. مسالم صبور.. راض وشهم.. والصفات السلبية أنه يرضي بالظلم والقهر.. وسلبي ومتواكل.. أما وصف الشباب فقد جاءت الاجابات السلبية بأن صورت الشباب بأنه ضائع.. مقهور.. فاقد الأمل.. تقع مسئوليته علي الدولة.. صورة المدرس في أذهان المواطنين.. صورة سلبية بسبب الدروس الخصوصية وإساءة معاملة الطلبة أما الايجابية فكانت بسبب مرتبه الضئيل وانه مكافح ويستحق الاحترام لصبره. وصورة رجال الأعمال كانت تدعو للدهشة ففي رأي الموطنين كلهم لصوص. محتكرون. وفاسدون. أما الناحية الايجابية فكانت أن منهم عصاميون ويخدمون الوطن.. أما صورة رجل الدين فلم تكن ايجابية تماما فالبعض منهم يحرص علي الدنيا أكثر من الآخرة ويحللون ويحرمون وفقا لأمزجتهم.. وعن أحلام وطموحات المواطن المصري فكانت أكثر الأجوبة علي استفتاء البحث متعلقة بالحياة الاسرية الزواج وتربية الابناء.. الحصول علي مسكن. أداء الحج والعمرة.. وحب الناس وكان هذا بنسبة 84%. وكان السؤال المواطن هل تعيش راض وفي سعادة فالمواطن العادي أجاب "أشعر بالسعادة عند نجاح ابني". وجاءت اجابات أخري مثل "عندما أجد عملاً" "عندما ألبي مطالب الأسرة" وخدمة الناس ورعاية الوالدين.. والبعض قال انني أشعر بالسعادة عند فعل الخير.. والعبادة والالتزام الأخلاقي ورضا الله. والجديد ما قالته د. ناهد صالح بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. عن شعور الناس بالسعادة ما يقرب من نصف مواطني البحث ذكرت انها لا تعتبر نفسها سعيدة أو تعيسة ونسبة قليلة جدا تعتبر نفسها غير سعيدة.. واكتفي البعض بالتعبير "الحمد الله". في نهاية البحث كان المضمون الذي قاله المواطنون ليس أمامنا سوي اللجوء إلي الله. انخفاض الدخل وارتفاع الاسعار همنا الأول.. أكثر من نصف العينة لا يشعرون بالسعادة.. 84.6% لم يحققوا طموحاتهم وأحلامهم الستر والأمان. في النهاية يعلن العالم كله سياسة التقشف بسبب آثار الأزمة المالية الدولية.. ونحن في مصر في ديسمبر نستعد للاحتفال بالكريسماس ورأس السنة بالهدايا القيمة لتوزيعها هنا وهناك وتبحث المؤسسات عن نوعية الهدايا وقيمتها.. مع العلم أنه ممكن بتلك الملايين اسعاد ملايين الاسر بمساعدتهم علي عيشة كريمة تحفظ ماء وجهها أو استثمار تلك الأموال في مشاريع نوظف بها ملايين الشباب الذين يبحثون عن عمل. وهذا العمل الخيري سيكون أحسن دعاية في الدنيا وفي الآخرة!! تعليق أخير ويختفي محجوب أفندي عبدالدايم الذي يبحث عن عمل في العشرينيات ويضطر لبيع شرفه وكرامته من أجل لقمة العيش والسمك الكبير يأكل الصغير وهذا ما شاهدناه كلنا في "القاهرة 30". والذي أعاده التليفزيون "نايل سينما" عرضه هذا الاسبوع. [email protected]