لم يعد التعامل الفني والدرامي مع مناسبة الهجرة النبوية الشريفة صالحا أو ملائما بل أصبح لونا من المعالجة الفظة والمشاهد العنيفة التي سجلت في الأفلام التي أعدت لتلك المناسبة أو غيرها من المناسبات الدينية علي وجه العموم. حيث يظهر الممثلون بمظهرهم وردائهم المعروف في تلك الأفلام والذي لا يعلم أحد مدي صحة هذا المظهر الذي يقدمه المخرجون وهل كانت صورة العرب وقت نزول الإسلام أو عند الهجرة بذلك الملبس الرث حيث تبدو المشلحة المخططة وهي تتطاير خلف صاحبها ويده مرفوعة بالسيف يهدد به في صوت أجش وألفاظ خشنة بقطع الرقاب والتنكيل بمن لا يخضعون له بمجرد الإشارة حتي ترسخت في أذهان الناس والشباب صورة بليدة لذلك المظهر المنسوب للمسلمين الأوائل وما يصاحبه من تلك الأصوات الفظة المرتفعة التي تلقي في روع من يسمعها بأن أصحاب هذا المسلك أجلاف قساه لا يحترمون الحياة ولا يحبون الآخرين لذلك تراهم في جل تلك الأعمال لا يكفون عن التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور ولا يفارق السيف أيديهم ولا يخرجون من معركة حربية بالخيول التي تجري يمينا ويسارا والسيوف المشرعة ليلا ونهارا إلا ويدخلون في معركة أخري أو مواجهة تالية حتي لكأن تاريخ المسلمين ليس فيه إلا تلك المعارك والغزوات. هذه الأعمال الفنية والدرامية أصبحت كالبقعة الداكنة الكريهة في الثوب الإسلامي الذي لا يمكن أن يكون بتلك القسوة ولا بتلك المظاهر الموغلة في الغل والتشفي والانتقام والتي يتم إذاعتها في تلك الأعمال البالية كلما حلت إحدي المناسبات الدينية حتي أصبحت تلك الأعمال وسيلة لما يناقض الغرض الذي أعدت من أجله وهو الإشادة بمجد الإسلام وشجاعة المسلمين وتحملهم مصاعب الحروب والمواجهات حتي نشروا الإسلام في ربوع الأرض ووصلت دعوته إلي شرق العالم وغربه لقد تغيرت الثقافات وتبدلت أساليب المواجهات ولم تعد الحروب بتلك السهولة التي تصورها هذه الأعمال بل أصبحت عملا عسيرا في علاج المنازعات الدولية لا تجيء إلا في آخر المحاولات وبعد أن تفرضه الظروف فرضا لا يمكن الفرار منه أو البعد عنه وأصبحت لغة الحوار والسلام هي لغة الخطاب الدولي في فض المنازعات والمسلمون ليسوا دعاة حرب كما أنهم ليسوا بتلك القسوة وحب الحروب التي تجسدها تلك الأعمال وأتصور أن كثيرا من الاتهامات الظالمة للمسلمين بالعنف والميل إلي القتال والاستهانة بالحياة والاستخفاف بالآخرين سببها تلك الأعمال الفارغة البعيدة عن مضمون رسالة الإسلام التي تتجسد في التعامل بين الناس وقت السلم وأن الحروب بين المسلمين وغيرهم لم تكن أصلا ولا أسلوب حياة ولكنها كانت أعمالا عارضة لا تحدث إلا حين تفرض علي المسلمين فرضا لا يمكن الفكاك منه. إن من يشاهد الأعمال الفنية الدينية يكاد يظن أنه لا يوجد في الإسلام غير الحروب والمواجهات والتربص والقتال مع أن ذلك الجانب كان أمرا عارضا في حياة المسلمين وليس أصلا لها لقد كان نوعا من الدفاع عن النفس في الحالات التي حدث فيها اعتداء علي المسلمين ولكن عباقرة الفنون جعلوا ذلك الاستثناء أصلا وأساءوا بأعمالهم إلي سمعة الإسلام في العالمين.