البرقيات التي سربها ويكلي ليكس تثير كثيرا من الشكوك والريب وتطلق أسئلة كثيرة. عدد البرقيات 250 ألفاً كلها أرسلتها السفارات الأمريكية إلي وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن بصفة سرية. ومع ذلك استطاع "ويكلي ليكس" الحصول عليها ونشرها علي موقعه ونقلتها صحف العالم. أول ملاحظة أن كل البرقيات لا تؤذي إسرائيل ولا تضر بها. ولا تلحق بالعلاقات الأمريكية- الإسرائيلية أي أزمة أو حتي مجرد توتر في هذه العلاقات. والصحفي الأمريكي الشهير بوب ادوارد الذي أذاع كل أسرار فضيحة "ووتر جيت" وأدي إلي استقالة الرئيس الأمريكي نيكسون قال: كل التسريبات لا تتضمن معلومات كثيرة الخطورة وهي قليلة المضمون .. وذلك رغم أن سفراء أمريكا في فرنسا وموسكو أطلقوا أوصافا تثير السخرية عن الرئيس الفرنسي ساركوزي والرئيس الروسي ميديفدف.. ولكن ما أكثر البرقيات الصادرة من السفارات الأمريكية في العواصم العربية. في هذه البرقيات يكتب سفراء أمريكا رأي الزعماء العرب في الزعماء العرب. وهذه الآراء فيها ما فيها من قذف وسب. لا يعرف أحد ما إذا كان الزعماء قد قالوا هذه الآراء أم انها استنتاجات السفراء أو أكاذيبهم. المهم أن نشر هذه الآراء يؤدي إلي الوقيعة بين الزعماء العرب. وهذا هو الهدف من اذاعة البرقيات عن طريق "الويكلي ليكس"! * * * النقطة الأهم في هذه التسريبات خاصة بإيران. والبرقيات عن إيران كثيرة كثيرة وكلها تدور حول هدف واحد. سفراء أمريكا يقولون -في هذه البرقيات- إن ما يقوله الزعماء العرب في المؤتمرات الصحفية وفي المجالات العلنية يختلف تماما. تماما. عما يقولونه في الغرف المغلقة. وفي حواراتهم مع سفراء أمريكا. الزعماء العرب يقولون علنا انهم يعارضون قصف إيران بالصواريخ. ويعارضون أن تشن أمريكا حربا علي إيران لمنعها من الحصول علي قنبلة نووية. ويريد الزعماء العرب -علنا- من أمريكا أن تصل إلي حل سلمي مع إيران بالنسبة لما تقوم به من تخصيب اليورانيوم تمهيدا لحصولها علي قنبلة نووية. أما ما يقوله العرب سرا لسفراء أمريكا فهو أن علي واشنطن أن تقصف إيران بالقنابل وأن تدمر مفاعلها النووي وأن تمنعها من الوصول إلي انتاج هذه القنبلة. ويقول الزعماء العرب سراً لأمريكا: اقطعي رأس الحية. أي إيران. ويلح العرب في ذلك بشدة. ومعروف أن العرب لم يبدوا مخاوفهم من تسليح إيران النووي إلا مرة واحدة وعلي لسان سفير إيران في واشنطن وقد حاولت وزارة الخارجية حينئذ تخفيف أثر هذا التصريح وأنه فهم علي غير حقيقته. أما في أحاديث الزعماء العرب مع السفراء الأمريكيين فهم واضحون تماما ويرغبون في ضرب إيران. وهدف النشر من ذلك الوقيعة بين العرب وإيران وأن تبقي إيران منعزلة ومعزولة ويعرف العالم ان إسرائيل والعرب علي السواء يريدون قصف إيران. أما أوباما -الرئيس الأمريكي- فهو يرفض ذلك ويتمسك بفرض العقوبات. وتقول البرقيات التي تسربت إن أمريكا أقنعت السعودية بأن تمد الصين بما تحتاج إليه من البترول لأن الصين تحصل من إيران علي 12 في المائة من حاجتها من البترول. وبهذه الطريقة صوتت الصين مع الدول الأخري في مجلس الأمن لتشديد العقوبات علي إيران. وواضح أن الهدف من هذا النشر الوقيعة بين السعودية والصين. وهكذا نجد أن هدف تسريب الوثائق ضد إيران من ناحية وضد العلاقات العربية - الإيرانية. * * * وهناك هدف آخر لا يقل أهمية دول الخليج اشترت أسلحة من أمريكا. أو تعاقدت علي شراء أسلحة من أمريكا بمائة بليون دولار. ولكن العرب لا يريدون أو لا يرغبون أو عاجزون عن استعمال هذه الأسلحة ويطلبون من أمريكا أن تقوم نيابة عنهم بضرب إيران. وبطبيعة الحال سيتساءل الشعب العربي: لم انفاق هذه البلايين؟! ولماذا تكون ميزانية إيران العسكرية ربع ميزانية السعودية العسكرية. فالهدف إثارة الشعوب ضد حكوماتها. * * * مؤسس "ويكلي ليكس" استرالي اسمه جوليان أسانج عمره 39 سنة وليس له عنوان معروف حتي لا يقاضيه أحد. وهو يتنقل بين الدول. ويوجد حاليا في إنجلترا. وعنوانه ورقم تليفونه معروفان للبوليس الإنجليزي. والسويد تطلبه للتحقيق معه في اغتصاب سيدة سويدية والتحرش بأخري. ويقول أسانج إنه يتلقي البرقيات السرية من متطوعين له في كل مكان. ولا يدفع ثمناً لها. وأمريكا قبضت علي مجند أمريكي يعمل في تحليل برقيات السفارات وتتهمه بأنه سرب وثائق كثيرة لأسانج. وتدرس أمريكا إحالة أسانج إلي المحاكمة بتهمة التجسس وقد قبض عليه البوليس البريطاني بناء علي إذن قضائي من السويد لمحاكمته هناك .. ولم يحاكم حتي الآن في أمريكا التي لم تطلب من بريطانيا ترحيله. والواضح -حتي الآن- ان أسانج بهذه الطريقة يتمتع بنوع من الحصانة ليتم مهمته في تسريب الوثائق التي لا تضر إلا العرب!! * * * وبعد ألا يدفعنا ذلك إلي أن نتساءل: كيف تصمت أمريكا وهي أقوي دولة في العالم. وكيف لا تجد حلا لتسريب ربع مليون وثيقة سرية عن تسريب أسرارها وتعجز عن وقف استرالي شاب يعبث بتقارير سفرائها السرية علي هذا النحو. لابد أن سرا في الأمر. ولابد أن اذاعة الأسرار يحقق هدفا لأمريكا. هذا إذا لم تكن الحكومة الأمريكية نفسها هي التي تمد أسانج ببعض أو كثير من الوثائق. إن في الأمر لغزا سيكشفه الزمن!