كل ما نفعله بالنسبة للمياه هذه الأيام أننا نفكر فيما ستفعله أو سنفعله نحن مع دول حوض النيل بالنسبة لحصتنا من المياه. ونحن لا نريد صداماً مع دول الحوض بل نريد تعاوناً. والدول التسع التي تشترك معنا في مياه النهر لا تريد سوي هذا التعاون فهي تعرف أن مصر تستطيع مساعدتها عن طريقين: الأول: خبرتنا في إقامة السدود وشق الترع والقنوات. والثاني: ثقل مصر ووزنها العالمي الذي تستطيع عن طريقه أن تجعل العالم يقدم منحا ومساعدات وقروضا وخبرات فنية للإفادة من مياه النيل وتوفيرها ومنع البخر إلي حد ما. ومن هنا نستطيع أن نقول إن عهدا جديدا قد بدأ مع دول النهر. وعند هذا الحد توقفت دراساتنا عن المياه. وبدأنا نتحدث عن ترشيد استخدام المياه. ولكن البحث توقف عند الحديث لا التطبيق العملي في الخارج يعرفون أن أزمة المياه عالمية. ويقولون إن حاجة العالم إلي المياه سترتفع من 4500 بليون متر مكعب سنويا إلي 6400 بليون متر مكعب أي بزيادة 40 في المائة عن الانتاج الحالي من المياه الحالية. ويقولون إن أمريكا ستفقد ثلث انتاجها أو ما يصلها من المياه خلال عشرين عاما. ويضيفون ان الفرد يحتاج 1240 مترا مكعبا من المياه في السنة بينما الفرد في أمريكا يحتاج .2500 ويؤكدون ان المياه التي تصل إلي سكان العالم عام 2050 ستكون قليلة. ومن هنا فكل الأبحاث التي تجري في موضوع المياه تتلخص في ضرورة إدارة استخدام المياه. وعلي هذا الأساس بدأوا يبحثون ضرورة استخدام كل قطرة ثمينة من المياه وكيف تستخدم. وجدوا أن ملعقة البن التي توضع في كل قدح من القهوة تحتاج 140 لترا من المياه. أما الهامبورجر الواحد فيحتاج 2400 لتر من المياه. وعلي هذا الأساس بدأوا يفكرون جيدا في كل ما يستخدمون المياه في انتاجه من محاصيل زراعية وغذاء.. وإطعام للمواشي. ويدرسون ما هو الغذاء الذي يتجنبون إنتاجه لأنه يحتاج مياها كثيرة يمكن استخدامها في محاصيل أقل حاجة للمياه. * * * من المياه انتقلوا للبحث في الزراعة في أغسطس الماضي قامت مشكلة دولية حول شركة سماد ومخصبات زراعية في كندا. رفضت الشركة عرضا لشرائها بمبلغ 30 بليون دولار. وهذه الشركة توفر السماد والمخصبات الزراعية الأخري لكثير من الدول. في الصين زاد استهلاك السماد بسبب الرواج ومنعت روسيا وأوكرانيا تصدير القمح لأن الانتاج انخفض نتيجة الجفاف. وكانت النتيجة ارتفاع سعر القمح. فقامت التظاهرات في دول نامية. وزاد الانتاج الزراعي نقصا بسبب تغير المناخ. في باكستان مثلاً الفيضانات التي لم تحدث منذ عام 1920 دمرت ملايين الأفدنة الزراعية وقتلت 1.2 مليون رأس من الماشية. وعلي ذلك بدأ العلماء يفكرون في انتاج محاصيل تقاوم الجفاف وتزيد انتاج الغذاء. وقدَّر معهد الغذاء الدولي حاجة العالم إلي سبعة بلايين دولار لانتاج محاصيل تتفق مع تغير المناخ العالمي. وقدروا ضرورة زيادة الانتاج الزراعي العالمي 70 في المائة عما هو عليه الآن. وقالوا: طفل يموت في العالم كل 6 ثوان بسبب الجوع. وأن الجوع الحقيقي أي نقص الفيتامينات في الطعام يؤثر عالميا في مليوني نسمة. وبدأ تطبيق هذه الأبحاث في مالي دعموا السماد والحبوب فأصبحت مصدرة للغذاء. وفي غانا زاد الانتاج الغذائي بنسبة 40 في المائة بسبب دعم الفلاحين. * * * لم تعد التجارة العالمية حرة بسبب نقص الغذاء وفرض القيود علي تصدير القمح والذرة مما أدي إلي ارتفاع أسعارهما. وارتفع لأول مرة في العالم شعار "الاستقلال الغذائي" أي أن تنتج كل دولة ما يكفي سكانها من طعام. وفرض القيود علي تصدير المحاصيل الزراعية ليس أمرا جديدا في أمريكا عام 73 أصدر وزير التجارة الأمريكي قرارا بفرض قيود علي تصدير فول الصويا بعد زيادة تكاليف انتاجه. وفي الأرجنتين هبط انتاج القمح بعد منع تصديره وارتفاع سعره. والهند أيضاً رفعت سعر القطن بعد ارتفاع السعر إلي أعلي رقم له منذ 15 سنة. * * * ظهر اتجاه جديد في العالم وهو شراء الأراضي الزراعية في الدول الأجنبية وبالذات في أفريقيا. ويطلقون علي هذه الظاهرة اسم "الاستعمار الجديد" وقد عرف العالم هذه الظاهرة عندما اشترت كوريا الجنوبية أراضي في مدغشقر. وتبعت كوريا الجنوبية دول أخري في شراء الأراضي الزراعية في أفريقيا. وبدأنا نحن نقلد هذه الدول في تأجير الأراضي الزراعية في أفريقيا مع أن هذه الظاهرة -أي شراء وتأجير الأراضي الزراعية في أفريقيا- بدأت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وقدر البنك الدولي حجم الأراضي الأفريقية التي بيعت حتي الآن بأنه 45 مليون هكتار. وأربعة ملايين هكتار بيعت هذا العام وحده. * * * الآن أين نحن من هذه الأبحاث في المياه والزراعة وشراء وتأجير الأراضي الزراعية. نتكلم عن ترشيد المياه ولا نقول للفلاحين إلا عن الأرز وحده. وما يتطلبه ويحتاجه من مياه. ونكتفي بالقول عن دول حوض النيل ولا نقلد ما يبحثه ويفكر فيه العالم من بذورتمنع صدأ عيدان القمح بينما في أمريكا في عام 1950 أنتجوا قنابل تنفجر في الجو فوق أراضي روسيا الزراعية تصيب محصول القمح وعيدانه بالصدأ. ولا نقول: افعلوا مثل أمريكا ولكن معاهد الأبحاث الزراعية في وزارة الزراعة كانت تنتج كل عام بذور قطن أفضل. ومطلوب أن تستأنف هذه المعاهد إنتاج بذور جديدة لكل المحاصيل.. اننا نتكلم عن زيادة انتاج المياه الجوفية وننسي انتاج محاصيل تقاوم الجفاف كما يفعلون وتناسب أرضنا. وخبراؤنا الزراعيون كثير عددهم ويستطيعون أن يفعلوا وأن يحققوا كثيرا من المعجزات الزراعية لو دعمناهم واهتممنا بهم وأوقفنا الخطب الوردية من كل مسئول!