الشماليون يرفضون انفصال الجنوب عن الشمال!! ست سنوات – هى المهلة التى حددها اتفاق نيفاشا عام 2005 – انتهت وضاعت هباء، وقادة الشمال ثابتون على رفضهم وصراخهم دون القيام بعمل جدى وصادق وفعّال ومثمر من أجل جذب أبناء الجنوب صوب خيار الوحدة ونبذ فكرة الانفصال.. ست سنوات مضت وأهل الشمال يعزفون على أوتار (المؤامرة)!! ثم يتخيل قادة الشمال ان الدنيا بأسرها تتآمر عليهم.. الركون إلى نظرية أو شماعة المؤامرة واستمراء ترديدها لتبرئة الذات لكيلا يتحمل الشمال مسئولية اخطاء اقترفت بحق الجنوب.. ونقول: المؤامرات موجودة ومرصودة منذ القدم ومازالت وستظل بين الأفراد أو الجماعات أو الدول أو التكتلات.. هناك مؤامرة ما إذن خلفها مصلحة ما، والمهم ان يستيقظ الشمال من عميق سباته وغيبوبته وأ ن يفكر ويعمل ويخطط ويجتهد ويحاور ويتعامل مع كل طرف بالكيفية التى تخدم مصلحة السودان الواحد الموحد.. هذا جانب من الصورة الكالحة والجانب الآخر: من المحزن والموجع فى آن أن الشماليين يتحدثون عن الانفصال وكأنه غاية المراد من رب العباد.. هناك صحيفة تصدر فى الشمال السودانى تسمى (الانتباهة) يرأس تحريرها (الطيب مصطفى).. هذه الجريدة دعت على صفحات أعداد متتالية ومازالت تدعو إلى انفصال جنوب السودان عن شماله، الجريدة المذكورة تبشر بالانفصال!! دأبت على إعلام القراء بأن الخلاف والاختلاف بين الجنوب والشمال حقيقة ماثلة.. الانتباهه تصب الزيت على نار مشتعلة وتحرض أبناء الشمال ضد أشقائهم فى الجنوب وتؤجج المشاعر هنا وهناك.. والعجيب، والغريب والمريب أن (الطيب مصطفى) هو شقيق والدة الرئيس السودانى عمر حسن البشير!! الشماليون غير مبالين بضخامة الكارثة أو قل إنهم فى غيبوبة مزمنة.. الكارثة ستلد كوارث أخرى.. تداعيات انفصال الجنوب عن الشمال موجعة ومفجعة.. منطقة (دارفور) وقضيتها مازالت ساخنة.. أبناء دارفور يترقبون وأبناء شرق السودان أيضا.. ومازلنا نصرخ: أنقذوا ما يمكن انقاذه فى السودان الشقيق. الجنوبيون يتهمون أهل الشمال بوجه عام وقادة السودان بعدم الاهتمام بتنمية الجنوب واللامبالاه تجاه مطالبه العادلة وان التمييز ضد أبناء الجنوب سياسة ثابتة وممنهجة.. يذكر أن تجارة الرق كانت سائدة بين الشماليين والجنوبيين فى القرن التاسع عشر وحتى الثلث الأول من القرن العشرين. فالرقيق أو العبد من أهل الجنوب و(السيد) من أبناء الشمال، ومازال تاريخ تجارة الرقيق ماثلا فى الأذهان.. الجنوبيون يتوارثون القهر الثقافى الذى مارسه الشمال بحقهم على مدار عقود مضت ومن أمثلته محو الثقافة والقيم الخاصة بالجنوبيين فضلا عن انتفاء المساواة والعدالة الاجتماعية فى دولة السودان بوجه عام. كل هذه المقدمات إلى جانب أسباب أخرى أدت – دون شك – إلى النتائج الكارثية التى حاقت بالسودان. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى جانب مضيء فى قضية السودان.. فقد تشكلت – مؤخرا – العديد من اللجان الشعبية من الجنوبيين فى 8 دول ترفع الشعار: (الجنوبيون وحدويون.. والانفصاليون ليسوا معنا).. أعضاء اللجان يؤكدون أن الوحدة سلام وكرامة، والانفصال ينذر بحروب أهلية هدامة.. اللجان المذكورة طالبت برقابة دولية محايدة وجادة وصارمة فى استفتاء تقرير المصير.. ويبرز السؤال: ماذا فعل العرب لتعضيد هذا الاتجاه العظيم ومساعدة اللجان سالفة الذكر صوب تحقيق أهدافها؟ وهناك القوى المتربصة بالسودان وفى المقدمة منها الولاياتالمتحدةالأمريكية وصنيعتها إسرائيل.. انه الاستعمار فى ثوبه الجديد وشعاره لم يتغير ولم يتبدل: (فرق تسد).. الشياطين يطرقون كل الأبواب ويستخدمون كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى غاياتهم فى زرع أسباب الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد وبين أقاليم الدولة الواحدة حتى يتسنى تفكيكها وتفتيتها ومن ثم الانقضاض على ثرواتها. من المعروف أن جنوب السودان غنى بالبترول لاسيما فى منطقة ابيى وغنى أيضا بالثروات الحيوانية والزراعية والمعدنية والسمكية.. وحسب احصائية أخيرة يمتلك الجنوب 17 مليون رأس ماشية، 200 مليون رأس حيوانات برية من النوع الأليف. ويمتلك موارد مائية هائلة من مياه النيل. الجدير بالذكر أن الأمطار تتساقط طوال العام فى السودان (لاسيما فى الجنوب) وان الغابات الكثيفة تنتشر بامتداد مساحة السودان التى تبلغ مساحة قارة أوروبا تقريبا. من أجل هذا تلعب أمريكا فى السودان.. الدور الأمريكى فى القضية السودانية هو الأقوى تأثيرا.. إدارة أوباما تتدخل بخبث ودهاء وتتسلل بذكاء فى قارة افريقيا بوجه عام وتلعب الآن فى السودان على وجه الخصوص.. المبعوث الأمريكى (سكوت جرايشن) قام بزيارات عديدة إلى اقليم دارفور أما زياراته إلى جنوب السودان فلا تعد ولا تحصى. الولاياتالمتحدةالأمريكية قدمت مساعدات إلى جنوب السودان زادت قيمتها على ستة مليارات دولار منذ توقيع اتفاق نيفاشا 2005 وحتى اليوم. السيناتور الأمريكى (جون كيرى) رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس الشيوخ قال – بنبرة لها مغزاها – خلال زيارته للخرطوم يوم 25-10 – 2010: (نريد من حكومة السودان أن تعالج قضية الاستفتاء وان تحترم قرار الجنوب). (سوزان رايس) مندوبة أمريكا لدى الأممالمتحدة صرحت خلال هذا الشهر: (ان جنوب السودان يخشى ان يكون الشمال يستعد للحرب قبل الاستفتاء على استقلال الجنوب). (هيلارى كلينتون) وزيرة الخارجية الأمريكية ما انفكت تردد: (إن على الخرطوم ان تلتزم بإجراء الاستفتاء فى موعده وقبول نتائجه). الإدارة الأمريكية وعدت بحوافز للخرطوم فى حال إنهاء مسألة أبيى واحترام إرادة الجنوب). الرئيس الأمريكى باراك أوباما أعلن أكثر من مرة (ان إدارته تنتهج مجموعة من الوسائل الدبلوماسية لضمان إجراء استفتاءين سليمين فى السودان فى يناير المقبل حول انفصال الجنوب ومنطقة ابيى الغنية بالنفط)..