الغش فى بيع خرفان الأضحية ومواشيها من أقبح أنواع الغش, لأنه يتضمن افساد العبادة وضياع معناها، والاستهانة ممن شرع الأضحية وهو الله سبحانه فإن هذا الإله العظيم لا يجوز ان يتقرب الناس إليه إلا بما هو جميل ونظيف من العيوب، وكان من سنن الأضحية أن يكون الذبيح منها خاليا من العيوب الظاهرة، فلا يجوز ذبح الاعرج أو الاعمى أو الاجرب أو مقطوع الأذن، أو مجدوع الأنف، لأن الحيوان المصاب بتلك العيوب يثير الضحك والسخرية لو ان الإنسان ذبحه لنفسه، فكيف يقبل على نفسه ان يقدمه لخالقه وهو الله العظيم سبحانه مالك الملك، وملك الملوك ومن بيده الرزق والضر والنفع والمنح والمنع؟، إن تقديم مثل هذا الحيوان المعيب لله ينطوى على سخرية بمقام الخالق العظيم سبحانه, وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى طيب لا يقبل الا طيبا)، والطيب من الاشياء هو الخالى من العيوب، والذى تقر العين بجماله، قبل ان يشعر اللسان بمتعته ولهذا فإن العين تعشق الطعام قبل تذوقه. والذين يغشون الذبائح يفسدون العبادة على المضحين، ويحولون الأضحية إلى مثار للتهكم والسخرية، وبسبب ذلك تحول تعظيم الناس لشعائر الله إلى استخفاف بها، وقد قال الله تعالى «والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير» ، ثم قال سبحانه وتعالى:(ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، وليس فى غش الأضحية تعظيم للشعائر, بل سخرية منها، بل إنها سخرية ليس بعدها سخرية، تأمل هذه الأضحية عند ذبحها وهى تبدو سمينة منتفخة كأن فيها لحما يطعم حيا بأكمله، فإذا ما تم ذبحها وسلخها، وتخلصت من السوائل التى فيها،أصبحت مسخا هزيلا ليس فيه من اللحم ما يكفى مسكينا أو فقيرا، ولم يكن تجار الماشية يصنعون مثل هذا الصنيع المقيت من قبل, وانما هى محدثة من محدثات عصرنا الذى انتشر الغش فيه حتى شمل الطعام والنبات والحيوان، الحيوان يدخله الغش باعطائه طعاما ينفخه كالبالونة ويدفعه إلى شرب الماء الكثير حتى يثقل وزنه ويغلو ثمنه وبعض الناس يطعمونه علفا مخلوطا بالملح حتى لا يشعر بالارتواء من الماء مهما شرب منه، وإذا ما ذبح نزل الماء وتسربت السوائل من بين عروقه فلا يلبث ان يظهر على حقيقته، ويفاجأ المضحى انه قد وقع فى خدعة كبرى، وحيلة من امكر حيل الغش والخداع. ان الذين يخدعون المضحين بالملح والماء الذى يطعمونه لبهيمة الانعام قبل ذبحها, انما يخدعون انفسهم وما يشعرون، لقد أكلوا مالا حراما عندما فعلوا تلك الفعلة الشنعاء وقبضوا مقابل ما فى وزن الخروف من الماء بسعر كيلو اللحم، أليس من الاجرام ان يقبض جزار أو تاجر ماشية ثمن كيلو الماء بما يعادل ثمن كيلو اللحم وهو ثلاثون أو اربعون جنيها؟، وهل تظن من يفعل ذلك انه سوف يفلت بما صنع، أو ان الله سيتركه يستمتع بعائد جريمته ؟ إنه لواهم من يظن ذلك أو يعتقد أنه سوف يفر بجريمته،إن غاية الغش فى المطعومات افساد ابدان الناس أو صحتهم، أما فى الأضحية, فإنها تفسد العبادة وتدفع الناس لأن يسخروا من شعائر الله، ويتخذوا آيات الله هزوا، إن حربهم مع الله، ومن يدخل فى حرب مع ربه فلن يفلح ابدا، ولن يشعر بالراحة أو الطمأنينة فى حياته، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.