يعاني كثير من شباب نقاد الأدب كثيرًا من المشاكل والمعوقات التي تحول دون تحقيق طموحاتهم للإسهام في نهضة مصر الثقافية. ولعل أبرز هذه المعوقات عدم تجديد دماء كثير من المؤسسات الثقافية الرسمية. وسيطرة فئات بعينها علي مفاصلها. مما يحول دون الاستفادة من هؤلاء الشباب "الجمهورية" فتحت أبوابها أمام النقاد الشباب ليبثون شكواهم قبل أن نسأل اين المواهب الأكاديمية الشابة. يقول الناقد د.عزوز علي إسماعيل: كثير من شباب النقاد في الوقت الحاضر يبحث -للأسف- عن مخرج للهجرة إلي أي مكان يجد فيه نفسه. ويجد فيه مكانته. ويجد من يقدره. ويتساءلون: كيف يظلون في مؤسسات يسيطر عليه مجموعة من النقاد الكبار الذين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعترفوا بأن دوام الحال من المحال. وأنه لا بد من تجديد الدماء. وأن يأخذوا بأيدي شباب النقاد والأدباء كما فعل يوسف إدريس مع صنع الله إبراهيم. وعلي الرغم من ذلك فإن في مصر عددًا غير قليل من النقاد الشباب الذين صنعوا لأنفسهم مجدًا بعد أن حفروا في الصخر. وكان من الأجدر أن ينظر إليهم الكبار. ليحنوا عليهم. ولكن ذلك لم يحدث علي الإطلاق ولن يحدث. ولم يعد هؤلاء الشباب في انتظارهم. بل ينظرون ويتساءلون: لماذا يتمسك هؤلاء الكبار بمواقعهم. ويكمل د.عزوز: الأمر ليس في الجامعات الحكومية فقط بل في وزارة الثقافة. ونظرة واحدة لتشكيل لجان المجلس الأعلي للثقافة تكشف عن هيمنة أسماء بعينها علي كل شيء. فهناك من ليس شاعراً وهو في لجنة الشعر ومن ليس بناقد وهو في لجنة النقد. ونقيس علي ذلك كل ما هو من شأنه الارتقاء بالقوة الناعمة. أي أن هناك من هم ليسوا بالكفاءات. بل أكاد أجزم أن هناك من تخطي عمره السبعين ويرأس لجانًا فكيف يدير هذا السبعيني "مع احترامي لسنه" لجانًا مهمتها التخطيط للمستقبل المتعلق بالثقافة والفكر والإبداع. الناقد الشاب د.معتز سلامة "دكتوراه في النقد كلية الآداب جامعة القاهرة" يقول: في الوقت الذي تعد الحكومة الثقافة إحدي قواها الناعمة. التي تعتمد عليها في بناء وعي أفراد هذا المجتمع ومواجهة حركات التطرف والإرهاب المحيطة بنا. وتتبني مشروعات تهتم بالشباب وتعقد لهم المنتديات والمؤتمرات التي ترفع من كفاءتهم. بوصفهم عصب هذا المجتمع وعماده. نجد أن شباب الباحثين يعانون الأمرين سواء أثناء إعدادهم بحوثهم العلمية. أو بعد إعدادهم تلك البحوث وخروجهم للواقع المؤلم» فبعد أن يقضي الباحث مدة قد تصل لعشر سنوات في إعداد رسالتي الماجستير والدكتوراه يفاجأ بعدها بأن الصورة الوردية التي رسمها لنفسه تبخرت بسبب الواقع المرير الذي نعيش فيه. بداية من أن الكليات داخل الجامعات الحكومية ترفض تعيينهم. بالرغم من أن برنامج الساعات المعتمدة المطبق داخل الجامعات الحكومية يقلص عدد ساعات المعينين داخلها ومن ثم يوفر فرص عمل لهؤلاء الشباب» لكن الحقيقة أن الموضوع عكس ذلك تمامًا. يضاف إلي ذلك أن هناك بعض الأساتذة والمدرسين في الجامعات يعملون في أكثر من كلية بحكم إشراف بعض الكليات مثل كليات الآداب ودار العلوم علي أخري مثل كليات التربية والتعليم الصناعي وغيرهما وبدلاً من أن تقوم الجامعات بتعيين كادر جديد من حملة الماجستير والدكتوراه في هذه الكليات يقومون بإسناد التدريس لأعضاء في هيئة تدريس كلية أخري. يضيف: ومن المعوقات أيضًا التي تقابل شباب الباحثين صعوبة نشر أعمالهم الأكاديمية أو أبحاثهم التي كتبوها بعد حصولهم علي الدرجة الأكاديمية. بسبب سيطرة المجاملات والوساطة داخل بعض مؤسسات النشر التابعة للثقافة الجماهيرية. كما أن الباحث إذا توجه لنشر أعماله إلي دور النشر الخاصة يقع فريسة لأصحابها الذين يجبرونه علي دفع تكاليف الطبع والنشر. تابع شاكيا: كما أن شباب الباحثين محرومون من التقدم للترقيات داخل المجلس الأعلي للجامعات لأنهم غير معينين داخل الجامعة. بالرغم من أن بعضهم له أبحاث منشورة في مجلات محكمة وشارك في العديد من المؤتمرات والندوات المعترف بها. فمن شروط الترقية التي وضعها المجلس الأعلي للجامعات أن يكون المتقدم للترقية يعمل في إحدي الجامعات لمدة خمس سنوات كل هذا وغيره يقتل الطموح داخل نفوس شباب الباحثين. ويثبط من همتهم في الإبداع والابتكار وخدمة مجتمعهم. ويري الناقد الشاب د.محمد صلاح زيد دكتوراه في النقد- كلية الآداب جامعة عين شمس أن المشهد الثقافي والنقدي لدينا الآن ضبابي. يسيطر عليه أجيال معينة تحول دون ظهور الشباب علي الساحة. ونحن نحاول جاهدين خلق فرص لنا وأخذ بعض الحقوق وكذلك أخذ مكان للكتابة. لكننا محتاجون إلي توصيل صوتنا للمسئولين. ويشير د.محمد إلي أنه من الأهمية بمكان طرح أفكار مهمة عن أهمية الثقافة ودورها في قيام مجتمع قوي. وأن الدول لن تنهض إلا بالاعتماد علي أهل الكفاءة من المثقفين حتي نقضي علي الإرهاب ونجتث الأفكار المتطرفة التي يبثها أنصار الفكر الظلامي. وبالجملة نحن محتاجون إلي إعادة الريادة لمصر ثقافيًا. والقضاء علي العشوائية. واستعادة مشروع البعثات العلمية التي أحدثت رواجًا حضاريًا وثقافيًا في العقود السابقة في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات. والتي مازلنا نعتاش علي ما تبقي منها من روافد معرفية مهمة.