1⁄4 تقدم الدول يقاس بما تملكه من معلومات وأفكار خلاقة تنتجها مراكز أبحاث متطورة ترصد وتحلل كل شاردة وواردة في جميع مجالات الحياة.. تتيح لصانع القرار والسياسات مرونة في الحركة وعمقًا في الرؤية وفق منهج علمي لا يأتيه الهوي من بين يديه ولا من خلفه.. ولا أبالغ إذا قلت إن لمراكز الأبحاث والدراسات واستطلاعات الرأي دورًا رياديًا ليس في قيادة الدول فحسب. بل في قيادة العالم أجمع» إذ صارت هذه المراكز أداة لإنتاج العديد من المشروعات الإستراتيجية الفعالة.. والسؤال: هل تملك مصر مثل هذه المراكز.. وإذا وجدت فهل تتكامل وظائفها في تقليل حجم الفجوة بيننا وبين العالم المتقدم.. وهل تساعد في تنوير المجتمع وسد احتياجاته من المنتجات والسلع والأفكار والمعلومات الضرورية التي تمكن أفراد هذا المجتمع من تكوين تصورات ومفاهيم صحيحة للظواهر المختلفة لاتخاذ المواقف والقرارات المناسبة حيالها؟! والسؤال الأهم: لماذا لم يقم مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء -إذا كان لا يزال موجودًا برصد وتسجيل أهم منجزات الحكومة. ليقدم للناس بالأرقام والوثائق حجم ما أنجزته هذه الحكومة بالفعل. وكذلك ما أنجزه مجلس النواب في الأشهر الماضية من تشريعات وقوانين..وماذا فعل الجانبان الحكومة والبرلمان لمواجهة الغلاء الفاحش وأزمة الدواء والدولار والأرز وتسريب الامتحانات وغيرها من ظواهر توجع لها قلب مصر. وإذا كانت مراكز المعلومات الحكومية قد تقاعست وغابت عن الساحة العامة فهل تقدمت المراكز الخاصة لتسد النقص وتجبر القصور.. هل قدم لنا مركز ¢بصيرة¢ مثلاً قياسًا للرأي العام باستطلاع رأي شامل يجيب فيه -كما تعودنا منه- عن أسئلة اللحظة.. ما طبيعة المزاج العام هذه الأيام.. وما أسباب انبساطه أو تعكره.. ما أهم القضايا التي تشغله.. وكيف يفكر.. هل يرضي عن أداء الحكومة والبرلمان.. أم أن رئيسه انشغل بمنصبه الجديد كرئيس لمجلس إدارة المصرية للاتصالات التي ساءت خدماتها بصورة ملفتة. رغم ما يتقاضاه قادتها من أجور فلكية ¢ مليونية ¢ لا تتناسب مع ما تحققه ¢ المصرية للاتصالات ¢ من مكاسب وموارد» كشركة مملوكة للحكومة بنسبة 80%.. وهو ما يطرح سؤالاً آخر: لماذا تقف الحكومة عاجزة عن وقف مثل هذه المهزلة..؟! توقعت أن أجد أثرًا لهذين المركزين الحكومي والخاص فيما يجري من أحداث مهمة حولنا.. كنت أتوقع أن أجد لديهما إجابة علمية لأسئلة كثيرة تشغل المواطن العادي. وتهم صانع القرار في الوقت ذاته.. فلهذا خُلقت مراكز الأبحاث واستطلاعات الرأي.. وبهذا تتقدم الدول الحية المؤمنة بالعلم.. لكن يبدو أننا نفتقد مثل هذه المراكز. ونفتقد.من ثم. أي تقدير موقف مبني علي أسس علمية.. اللهم إلا ما تملكه أجهزة ومؤسسات أخري في الدولة قد لا يكون ملائمًا طرح ما توصلت إليه علي الرأي العام..وهنا يُحرم هذا الرأي العام من معرفة حقائق ما يجري حوله نتيجة غياب المعلومات.ومن ثم الرؤية والبوصلة نحو الحقيقة والمستقبل. مراكز الأبحاث والمعلومات. أو ¢مراكز الفكر¢ كما يسميها الغرب لم تعد ترفًا ولا وجاهة بل فريضة العصر. فما من شركة عالمية متقدمة إلا ولها مراكز بحثية ترصد وتحلل كل صغيرة وكبيرة في مجالها ضمانًا للمنافسة والهيمنة علي السوق.. فما بالنا بالدول والحكومات.. كيف يمكنها أن تعيش دون قرون استشعار تضع العالم بين يديها. وتجعلها علي بينة من أمرها فتعرف موقعها بين الدول..وكيف يفكر شعبها. وكيف تبني توافقًا ورأيا عامًا داعمًا لسياساتها. مؤيدًا لإجراءاتها ومواقفها. وفي مصر تشتد حاجتها إلي مثل هذا النوع من المراكز العلمية بعد ما يقرب من 6 سنوات حراكًا سياسيًا واضطرابات وتفاعلات عاصفة لما عرف بثورات الربيع التي عصف بعضها باستقرار دول ومزقها شر ممزق. الناس في مصر يهمها أن تعرف حالة اقتصادها القومي في ظل ما يُتداول من أرقام خطيرة عن حجم الديون " 2.5 تريليون دينًا عامًا محليًا.و53.4مليار دولار ديونًا خارجية حتي مارس 2016. ناهيك عن فوائد تلك الديون التي تلتهم وحدها ثلث الموازنة العامة بنحو 292 مليار جنيه سنويًا ". الناس يشغلها مستقبل أبنائهم وتعليمهم الذي يرونه مصابا بعلل خطيرة تجلت في تسريب امتحانات الثانوية العامة حتي بات يهدد مستقبل هؤلاء الأبناء. ويضرب مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص والمصداقية في مقتل.. وإلي متي سيظل نظام الثانوية العامة ومكتب التنسيق علي هذا الوضع العقيم..الناس يهمهم أن يطمئنوا علي مستقبل الصحة..وهل وفرت الحكومة ما نص عليه الدستور من مخصصات مالية لدعم الصحة والتعليم.. وماذا ستفعل الحكومة لوقف نزيف الجنيه أمام الدولار. وما نتج عنه من غلاء فاحش طال كل شيء وأي شيء مما نستورده من سلع ومنتجات وما ننتجه محليًا أيضًا.. الكل رفع الأسعار بحجة الدولار.. والفقراء- وما أكثرهم- هم الأشد تضررًا..فماذا فعلت الحكومة لطمأنة السواد الأعظم علي حياته.. وهل ستكتفي بطرح مزيد من السلع الأساسية بأسعار مخفضة في منافذ المجمعات الاستهلاكية ووزارة الزراعة أم ستمنع الاحتكار والغش وزيادة الأسعار من المنبع لتوفر أجواء تنافسية عادلة ترحم الفقراء وتوفر في الوقت ذاته هامش ربح مناسبًا للتجار والمنتجين.. وهل الاقتصاد بحالته الراهنة قادر علي تحمل مزيد من الأزمات..وإلي متي يظل عرضة لها.. أما آن الأوان للاحتكام لأفكار مبتكرة من خارج الصندوق.. وأين وجهت الموارد الإضافية للموازنة العامة.. ومتي يشعر الناس بتحسن مستوي الخدمات المقدمة لهم وعوائد المشروعات الضخمة التي أنجزتها الحكومة.. وماذا عن الارتفاع المستمر في عجز الموازنة الذي جاوز 240 مليار جنيه.. وإلي متي يستمر التفجر السكاني المتزايد بلا ضوابط وبلا موارد تقابل هذه الزيادة البالغة مليون نسمة سنويًا.. وماذا عن العشوائيات التي زحفت لتلتهم نحو 160.8 ألف فدان تمثل نحو 38% من الكتلة العمرانية لمدن الجمهورية وتحتاج المناطق الخطرة منها لنحو 215 ألف وحدة سكنية جديدة لاستيعاب ساكنيها. الناس يهمها أن تعرف حجم تدفقات الاستثمارات الخارجية..وهل تراجعت في عهد الوزيرة داليا خورشيد.. وما أسباب هذا التراجع.. وماذا فعلنا لجعل مصر بيئة أكثر جذبًا لرءوس الأموال.. وماذا عن السياحة والطيران من الحوادث الأخيرة..وماذا فعلنا لاحتواء التداعيات السلبية واسترداد معدلات ما قبل ثورة يناير. الرأي العام يريد أن يعرف معدلات الإنفاق العام.. هل زادت أم نقصت.. وما الأسباب في الحالتين.. وماذا عن الصادرات المصرية وقدرتها التنافسية في الأسواق العالمية..وكيف يسير الميزان التجاري لمصر مع الدول المختلفة.. وماذا عن عوائد الضرائب..وهل هي نتاج إنتاج حقيقي يكسبه المواطن أو رجل الأعمال أم هي مجرد جباية تزيد أعباء الناس. وتفضي إلي تآكل الثروة والممتلكات والأصول بمضي الوقت؟! لا شك أن قوة الدول تتحدد بقوة اقتصادها. والأخيرة مستمدة مما يتحقق فعليًا من الزيادة الحقيقية في الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي. ولا يتحقق شيء من هذا إلا إذا توفرت له منظومة تعليمية ناجحة وصحة عفية وبحث علمي مثمر ورؤية قادرة علي توظيف كل عناصر المنظومة بكفاءة ونجاح. المواطن يريد أن يعرف هل يؤدي البرلمان دوره في الرقابة والتشريع بكفاءة.. هل يحاسب الحكومة فعلاً إذا قصرت.. وهل يقومها إذا اعوجت أم أنه غارق في الإجراءات وغابة التشريعات.. هل اختفي نائب التأشيرات والعلاج علي نفقة الدولة وغيرهما من ظواهر سلبية طفحت علي سطح الحياة البرلمانية في السنوات الأخيرة..؟! الناس تريد أن تري تقييمًا حقيقيًا لأداء الوزراء الذين لا يعرفون بالقطع أسماء كثير منهم. فما بالك بإنجازاتهم..وهل توجد تقارير أداء فعلاً يجري علي أساسها استبعاد المقصرين منهم.. أم أنهم قدرنا الذي علينا تحمله حتي تحين لحظة التغيير.. وهل تتغير طريقة الاختيار وخريطة الأداء..أم تبقي هي هي وما يتغير هو شخوص المسئولين دون أن ندري فيم كان اختيارهم وفيم جري استبعادهم.. وهل يتواصل الوزراء والمحافظون مع الجمهور ميدانيًا أو حتي إلكترونيًا.. وكم واحدًا فعل ذلك.. وكم مرة فعلها.. ومن هو الوزير الأعلي مصداقية وحبًا لدي الناس.. ومن هو أقلهم..وكم وزير يدرك الفارق بين وجود الحقائق وإدراك الناس لهذه الحقائق.. وماذا عن تصريحات الوزراء.. وهل تعلموا الدرس من بعض التصريحات المسيئة أو المنفلتة التي أطاحت ببعض أسلافهم.. وهل يصرون علي أن كله تمام أم يعترفون بالأخطاء ويبادرون إلي تصحيحها من تلقاء أنفسهم دون انتظار لتدخل الرئيس.. فالإنجازات موجودة بالفعل لكنها لم تصل بعد إلي واقع الناس ومدركاتهم..كم وزيرًا يملك رؤية سياسية تعامل بها مع الأزمات والمشاكل.. وكم وزيرًا أدار ظهره للناس. واكتفي بالإجراءات الروتينية ودولاب العمل التنفيذي والتقارير المكتبية معزولاً عن الناس. كم وزيرًا نجح في تعظيم موارد وزارته.وأضاف إليها بأفكاره الخلاقة وجهوده ومتابعاته الدءوبة. ولم يكن عبئًا عليها كسابقيه؟! هل يهتم الوزراء بما تنشره الصحف ووسائل الإعلام. وما تمور به مواقع التواصل الاجتماعي.. هل تجاوبوا معها أم تجاهلوها واستخفوا بها.. وهل ينشط الوزراء لمتابعة مواقع الإنتاج حفزًا للعاملين وتنشيطًا لهممهم وعزائمهم..؟ هل تحسنت خدمات الإنترنت والمحمول رغم الإعلانات المسفة المستفزة لشركات الاتصالات أم أنها مجرد سباق للشو الإعلامي بينما يشهد الواقع برداءة الخدمات وتراجعها لأقصي درجة.. وماذا لو أن شركات الاتصالات وفرت ما أنفقته علي الإعلانات لصرفه علي تطوير حقيقي للخدمات..أليس ذلك أكثر نفعًا لها ولجمهور المستخدمين..؟! الناس تريد أن تعرف هل حدث تغير إيجابي في أداء الأجهزة والمرافق والمحليات.. ولماذا تتكرر انقطاعات المياه في بعض المناطق خصوصًا في الصيف الحار.. الأسئلة كثيرة وكان يمكن لاستطلاع رأي موضوعي أو دراسة علمية جادة أن يكشفا لنا بواطن الواقع وظواهره بشفافية وصدق..ويقدما لنا مؤشرات الأداء ومدي رضا الناس عليها.. لكن لا هذا حدث ولا تلك.. وهو ما أراح وزراءنا ومسئولينا الذين يزعجهم مثل هذه الدراسات والاستطلاعات لأنها ببساطة تكشف عن مواطن قصورهم أمام الرأي العام.. وإن كنت موقنًا أنها تفيد ولا تضر بل تساعدنا في فهم ما يدور حولنا وتضع أمام صانع القرار بدائل عديدة لاتخاذ القرارات السديدة بما توفره من مادة علمية ثرية استقصائية لاتجاهات الرأي العام ومتغيرات وتحديات العالم من حولنا. بدءًا بالاقتصاد. مرورًا بالتعليم وليس نهاية بمحاربة التطرف والإرهاب أو بناء الدولة.. إنها بوصلة الجميع نحو الحقيقة. ولا شيء غيرها.