لا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات الحديثة أو القديمة من مظاهر الفساد ليست وليدة اليوم وليست مرتبطة بزمان أو مكان معين. وتتجلي ظاهرة الفساد في مجموعة من السلوكيات والممارسات غير الشرعية والتي تحد من نزاهة مؤسسات الدولة ونظمها وقوانينها ويشترك في ممارستها عدد من الأفراد داخل المجتمع ممن يتولون المناصب العامة. ويتخذ الفساد أشكالاً مختلفة تتمثل في قائمة من الأعمال تشمل الرشوة. المحسوبية. المحاباة. الواسطة. نهب المال العام. كما يشمل أيضاً الابتزاز واستغلال الممتلكات العامة واستغلال النفوذ وإساءة استخدام السلطة والتهرب الضريبي والجمركي وتهريب الأموال. وقد أشار تقرير منظمة الشفافية الدولية إلي تراجع مصر إلي المرتبة رقم 94 من بين 177 وذلك عام 2014 بعد أن احتلت المرتبة رقم 118 عام 2012 وهو ما يشير إلي تراجع ظاهرة الفساد في المجتمع المصري ويعطي مؤشراً حول الجهود الإيجابية التي تبذلها الدولة في التصدي لهذه الظاهرة واستمرارية هذه الجهود نظراً لمخاطر هذه الظاهرة علي الأمن الاجتماعي والنمو الاقتصادي والأداء الإداري. وترجع ظاهرة الفساد إلي بعض الأسباب الاقتصادية والمتمثلة في ضعف الأجور والمرتبات وارتفاع التكاليف المعيشية من جانب والرغبة في تحقيق أقصي قدر من المصالح الشخصية من جانب آخر. كما ترجع هذه الظاهرة إلي بعض الأسباب الأخلاقية والاجتماعية والمتمثلة في ضعف القيم الأخلاقية والإطار القيمي للأفراد والجماعات في المجتمع الأمر الذي يؤدي إلي انتشار اللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع وسيادة قيم تعلي من المحاباة والواسطة والمحسوبية. وتبرز بعض الأسباب الأخري والتي تتضمن غياب قواعد العمل والإجراءات المكتوبة ومدونات السلوك للموظفين وكذلك زيادة الإجراءات الإدارية لدي استخراج التراخيص لبعض الخدمات مما يؤدي إلي استخدام الأفراد لبعض الوسائل غير الشرعية للحصول علي الخدمات. وبالإضافة إلي ذلك نجد بعض الأسباب الخارجية والتي تشمل استخدام بعض الوسائل غير القانونية من قبل شركات خارجية للحصول علي امتيازات واحتكارات داخل الدولة. وعلي ضوء هذه الأسباب تبدو أهمية العمل علي وضع استراتيجية لمواجهة هذه الظاهرة تبرز بعض ملامحها في العناصر الآتية : 1- تفعيل البرامج الالكترونية ليتمكن المواطن من متابعة الخدمات التي يحتاج إليها علي شبكة المعلومات. 2- وضع أدلة إرشادية للمواطنين لتحديد المستندات المطلوبة للخدمة. 3- تفعيل دور أجهزة الرقابة والتي تتمثل في الرقابة الإدارية والنيابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة المالية وكذلك الإدارات واللجان الفنية والتفتيشية في الوزارات والمصالح الحكومية. 4- تحصين الأجيال بثقافة نبذ الفساد من خلال برامج مدرسية وتربوية مدروسة. 5- العمل علي تنقية القوانين والتشريعات من خلال لجنة الإصلاح التشريعي وذلك حتي لا يلتف الأفراد حول هذه القوانين. نخلص من ذلك إلي أن ظاهرة الفساد قد أصبحت مشكلة عالمية شديدة الانتشار تختلف من مجتمع إلي آخر وأن تراجع مصر إلي المرتبة رقم 94 لعام 2014 يعطي مؤشراً حول مدي جدوي الجهود التي تبذلها الدولة في التصدي لهذه الظاهرة. غير ان مواصلة هذه الجهود يقتضي الإفصاح عن البيانات والمعلومات ووضع الأدلة الارشادية للمواطنين مع تنقية القوانين والتشريعات.