في هذه اللحظات تمتلئ القلوب شوقا للاحتفال بعيد الأضحي المبارك لما في ذلك من متعة روحية لا تعادلها متعة.. فلماذا شرعت الأعياد في الإسلام؟ وما الحكمة من عيد الأضحي؟ وكيف نحتفل به دون أن نغضب المولي عز وجل؟ وكيف نستعمل الأعياد لإذابة الخلافات وتصفية النفوس؟ في البداية يوضح الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر مكانة الأعياد في الإسلام فيقول: للأعياد منزلتها الخاصة بين الأمم والشعوب. وفي الإسلام لا تعبر الأعياد عن ذكريات مضت وإنما يعيشها المسلم بوجدانه ومشاعره. فعيد الفطر يأتي ليفرح المسلم بأداء فريضة الصيام ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم في ذلك: ¢للصائم فرحتان يفرحهما. إذا افطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه¢. كما يأتي عيد الأضحي عقب أداء المسلم لفريضة الحج. فيستشعر نعمة الله عليه في تمام الإسلام وكمال الدين ولذلك سنت الأضحية في عيد الأضحي ليشارك المسلمون في هذه الفرحة بتقديم الأضحية عطاء ماديا وإرساء للتكافل الاجتماعي. ويضيف: لقد شرعت الأعياد حتي تكون مناسبة لانتفاع المحتاجين بمساعدة القادرين فشرعت زكاة الفطر كأحد أنواع المساعدة المطلوبة من القادرين ويتمثل ذلك أيضا في لحوم الأضاحي في عيد الأضحي. كما أن الأعياد فرصة عظيمة لاجتماع الناس وتبادل التهاني في هذا اليوم الذي يبدأ بتجمعهم في صلاة عامة هي صلاة العيد. وما يحدثه هذا اللقاء من تجديد المحبة والتآلف. ولو تصورنا أن الشرع لم يدع الناس إلي الاجتماع في أوقات متفرقة. كالاجتماع في كل يوم أثناء صلاة الجماعة. والاجتماع الأسبوعي أثناء صلاة الجمعة والاجتماع السنوي أثناء صلاة العيدين. والاجتماع العام بين الأجناس والألوان المختلفة في موسم الحج. إذا لم تكن هذه المناسبات موجودة لكانت أحوال الناس وعلاقاتهم اقرب إلي التقطع والجفاء. وابعد ما تكون من التآلف والمودة والرحمة المطلوبة بين المسلمين خاصة والناس عامة. ويشير الدكتور عثمان إلي أن سعادة المسلم وفرحه بالعيد يجب أن يظهر بشكر نعم الله علي الإنسان. وبمشاركته الاجتماعية. وبالتكافل بين أفراد المجتمع. وليس بمجرد اللهو والعبث أو ارتكاب المعصية أو الخروج عن الآداب. ضوابط للاحتفال بالعيد ويتفق معه الدكتور إسماعيل الدفتار. الأستاذ بكلية أصول الدين وعضو هيئة كبار العلماء. في أن المسلم مطالب في العيد كغيره من الأوقات بأن يظل متمسكا بالضوابط والآداب الأخلاقية التي قررها الإسلام من هدي القرآن والسنة.. ويقول: من واجب المسلم أن يغتنم هذه الفرصة الذهبية حتي يدعم الروابط الأسرية والاجتماعية مع أهل بيته أولا.. ثم مع الأهل والأصدقاء والأقارب والزملاء. فيترك الخلافات والمنازعات ويبدأ مع الجميع صفحة جديدة مليئة بالفرحة والسرور بالعيد لأن ذلك تجديد لحياته ودافع إلي النشاط والعمل حتي لا تسير الحياة علي وتيرة واحدة فيحدث الملل وتضعف الهمم. ويضيف: إن الأسرة المسلمة. بل والمجتمع المسلم بصفة عامة. في أشد الحاجة لبهجة الأعياد بعد أن أصبحنا في مشكلات اجتماعية ونكبات اقتصادية تلحق بنا هزائم نفسية الواحدة تلو الأخري. فيأتي العيد ببهجته وسروره ليخرجنا من هذه الهموم ويفتح أمامنا بارقة أمل. ويشير الدكتور الدفتار إلي أن الترويح عن النفس أمر مطلوب في الأعياد وغيرها. وفي هذا الشأن تتضح وسطية الإسلام واعتداله كما تتضح في جميع مبادئه. فهو لا يحرم ولا يجرم أي نوع من التسلية والترويح يستمتع فيها الإنسان بطيبات الحياة واللهو البريء مادام لا يتجاوز حدود ما شرعه الله وظل محكوما بالاعتدال. فقواعد الترفيه التي لا تخرجنا عن المنهج الإسلامي ضرورية. بشرط ألا تلهينا عن الواجبات الشرعية. كالصلاة في وقتها ودراسة العلم والتفوق فيه. لأن التعليم واجب شرعي سواء كان لعلوم الشريعة أو لعلوم الحياة. وألا يدفع الترفيه بالإنسان إلي التكاسل عن العمل أو السعي في تحصيل الرزق. ولذلك ينصح د. الدفتار جميع المسلمين بأن يتخذوا من هذا العيد مناسبة أو فرصة لتجديد المحبة والمودة والتزاور والتلاقي بين الأقارب والأصدقاء. ويقول:علينا أن نجعل من هذا العيد فرصة لتصفية خلافاتنا وزيارة مرضانا ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: ¢من عاد مريضا. أو زار أخا له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك. وتبوأت من الجنة منزلا¢. علينا أن نجعل من العيد فرصة لمساعدة المحتاجين. وتفريج كرب المكروبين وإدخال السرور علي المحزونين ورسولنا الكريم يقول: ¢من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه¢. فرحة جماعية أما الشيخ علي أبو الحسن. الرئيس السابق للجنة الفتوي بالأزهر. فيؤكد علي أهمية أداء صلاة العيد تحقيقا لقول المولي عز وجل ¢فصلَّ لربك وانحر¢ ويقول: كان الرسول صلي الله عليه وسلم يصلي العيدين. ويستحب في ليلة العيد إظهار التكبير في المساجد والبيوت والطرقات للمقيمين والمسافرين. وما إلي ذلك من إظهار شعائر الإسلام وتذكير الآخرين. ويستمر تكبير الناس من غروب الشمس في ليلة الفطر إلي خروج الإمام إلي الصلاة. ويستحب للمسلم عند الخروج لصلاة العيد أن يغتسل ويلبس أحسن الثياب ويتطيب. ويؤكد الشيخ علي أبو الحسن علي ضرورة أن تكون فرحة العيد فرحة جماعية تتم بروح الأسرة والجماعة ومن ذلك دعوة النبي صلي الله عليه وسلم للنساء بحضور صلاة العيد حتي لو كانت صاحبة عذر من حيض أو نفاس. فلها أن تشهد هذا الجمع وهذه الفرحة. والأولاد والصبيان يستحب إحضارهم لهذا الجمع ليعيشوا هذه الفرحة مع التوسعة عليهم بما يناسب سنهم. كل علي قدر استطاعته. وهنا يطالب الشيخ أبو الحسن المسلمين جميعا بأن يفهموا المقاصد الحقيقية من العيدين "عيد الفطر وعيد الأضحي" وأن يحتفلوا بهما وفق الضوابط والالتزام بالقيم والأخلاقيات الإسلامية. ويقول: من يفعل ذلك فهو قادر علي إدخال السرور والبهجة علي نفسه وعلي كل المحيطين به دون تجاوزات أو مخالفات. والأعياد في الإسلام لها أهداف ومقاصد سامية. وحكم عالية. ومنافع كثيرة. فهي فرصة للترويح عن النفس الإنسانية خاصة وأن العيدين يأتيان بعد أداء عبادتين. فعيد الفطر يأتي بعد أداء عبادة شاقة وهي الصوم. وعيد الأضحي يأتي مع أداء عبادة شاقة أيضا وهي الحج.. والمسلم مطالب بالاحتفال بالعيد بكل ما هو مباح ومشروع. والمباحات من وسائل الترفيه والبهجة كثيرة.. لكن للأسف تضيق الدنيا بالبعض ولا يحلو لهم العبث والفوضي إلا في الأعياد. وهذا أمر مرفوض شرعا ويجلب لصاحبه غضب الله وعقابه. محطة ارتياح نفسي وبعيدا عن نصائح وتوجيهات علماء الدين يؤكد أطباء النفس أهمية الأعياد باعتبارها مناسبات جيدة للترفيه مما ينعكس إيجابيا علي الصحة النفسية. وقد أكدت دراسة نفسية إن لقاء الأهل والأصدقاء وتبادل الفرحة والتهاني بالعيد يعد تحررا من قيود الروتين اليومي الذي يستغرق الإنسان علي مدي شهور عديدة. فينطلق في مرح وبهجة مستمتعا بمكافأة النفس علي التزامها بأداء شعيرة الحج أو مشاركتها الوجدانية للحجاج في عيد الأضحي.