استكمالا لما بدأته الاسبوع الماضي هنا عن الفروق الجوهرية بين إعلام ما قبل الثورة وإعلام ما بعدها وموجات النفاق التي تتصاعد في الفضائيات الخاصة أؤكد دون مجاملة ان الإعلام القومي أو الرسمي في مصر ممثلا في التليفزيون المصري بكل قنواته والصحف القومية المصرية قد أصبح أكثر توازناً والتزاما بالمعايير المهنية حيث يقوم بواجباته الإعلامية الوطنية دون محاباة لمسؤول أو مجاملة لشخص ولذلك اكتسب هذا الاعلام مصداقية كبيرة لدي المشاهد والقاريء والمستمع المصري الواعي الذي يفرق بوعي الآن بين الغث والسمين فيما يتلقاه يوميا من وسائل الإعلام المختلفة والتي أصبحت مثل الهم علي القلب. منذ أيام سألني صديق: هل تشاهد برنامج "......" وهل تستمع الي نفاقه الممجوج يوميا علي الفضائية الملاكي التي يعمل بها والتي يمتلكها أحد رجال الأعمال ويحصل منه علي الملايين سنويا ثمنا لجرعة النفاق اليومي التي أصبحت مفروضة علي هذا البهلوان؟ قلت له: لا أتحمل الاستماع إليه أكثر من دقيقة واحدة. فهو يعود بالإعلام الفضائي المصري إلي أبشع عصور النفاق ويسيء لكل الإعلاميين بحركاته البهلوانية. بل ان العصور السابقة لم تشهد هذا النفاق اليومي الذي ينشر اليأس والإحباط بين المشاهدين. قال: هل تعتقد أنه بهذا الأسلوب المستفز يخدم الدولة ويثبت أركانها؟ قلت له: هو ومن يدفع له راتبه الكبير يعتقدان ذلك. فمصيبة بعض رجال الأعمال الذين لجأوا الي الفضائيات أن نواياهم ليست خالصة لوجه الله ولا تشغلهم مصلحة هذا الوطن. فهم يدفعون الملايين شهريا للعاملين في فضائياتهم ليس حبا في هذا الوطن ولا قناعة بأهمية تطوير الإعلام ليقوم بواجباته الوطنية في الظروف الصعبة التي تعيشها مصر والتي يتعرض فيها عقل ووجدان المواطن المصري لإعلام مضلل تنفق عليه جماعات ضالة. لكن هدف أصحاب الفضائيات من رجال الأعمال هو حماية أموالهم واستثماراتهم وبعضها من مصادر مشكوك فيها حيث حصلوا علي أراضي الدولة بملاليم وأقاموا عليها مشروعات باعوها بملايين. وهم يعتقدون ان هذه الفضائيات وتلك الصحف الخاصة ستنفعهم حتما في ظروف صعبة قد تأتي في يوم قريب. *** نعود الي قضيتنا الأساسية هنا وهي الفارق الكبير في الالتزام المهني والأخلاقي بين وسائل الإعلام الخاصة ووسائل الاعلام القومية وخاصة الإعلام الفضائي لنؤكد ان الإعلام القومي يكسب.. فالتليفزيون المصري علي سبيل المثال- والذي يتهمه بعض العاملين في الفضائيات الخاصة بالتخلف- قد استطاع رغم ضعف الامكانات المادية والفنية ان يكسب ثقة المواطن المصري. وأن يعيد هذا المواطن لمشاهدته والتعرف علي حقيقة ما يحدث داخل الوطن وخارجه من خلال نشرات أخباره التي أصبحت مصدرا مهماً لوسائل إعلام خاصة: مصرية وعربية ودولية. ومما ساعد علي هذه المصداقية تخلص التليفزيون المصري من موجات النفاق الاعلامي الممجوج التي تعودنا عليها في عصور حكم سابقة. وانفتاح التليفزيون علي الشعب يستمع الي هموم الناس ومشكلاتهم اليومية بحرية ونزاهة بعد ان زالت الخطوط الحمراء من أمام المذيعين ومعدي البرامج وأصبحت تستمع في قنوات التليفزيون المصري علي تنوعها انتقادات للحكومة ومطالب شعبية لم نتعود علي سماعها من قبل. من هنا نطالب وسائل الإعلام الخاصة وفي مقدمتها الفضائيات ان تعيد النظر في سياساتها الاعلامية وان تتخلص من هذه النوعية المستفزة من الإعلاميين الذين لا يجيدون إلا النفاق. فقد أصبحوا عالة علي رجال الأعمال ملاك هذه الفضائيات: ماديا ومهنيا وأخلاقيا. *** ينبغي أن يدرك رجال الأعمال الذين "يتاجرون في الاعلام" ان التجارة الرابحة هي التي تقوم علي المصداقية واحترام عقول الناس ومشاعرهم. وان الاعلام الرخيص الذي ينفقون الملايين عليه الآن سيجلب لهم غضب الشعب وسخطه بعد غضب الله وعقابه. وأن موجات النفاق التي يرونها حامية لأموالهم واستثماراتهم الآن والتي تنطلق من فضائياتهم ستكون وبالا عليهم. ينبغي أن يعلم هؤلاء أن نفاق أدواتهم الإعلامية لن يحقق لهم أهدافهم ولن يحمي تجاوزاتهم. فنحن نعيش في زمن مختلف لم يعد نفاق كبار المسئولين في الدولة مربحا ولا حاميا ولا مسهلا للحصول علي ما تبقي من ثروات هذا الوطن. نفاقكم- أيها الأغبياء- لن يحميكم يوم حساب قادم في الدنيا. ولن يحميكم من عذاب أليم في الآخرة.. نفاقكم القبيح سيكون وبالا عليكم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم.. عودوا الي صوابكم وتعلموا من أخطائكم وتجاوزاتكم وتذكروا دائماً قول الحق سبحانه: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار".