سيرة الجوع هي رواية للكاتبة الفرنسية إيميلي نوثومب والتي تعد سرداً لسيرتها الذاتية.. الجوع هنا لا يؤخذ بمعناه الأشمل : فلو كان مجرد جوع إلي طعام لكان التعامل معه أيسر مثالاً. ولكن هل هذا النوع من الجوع موجود حقا؟ هل يوجد جوع هو فقط جوع البطن وليس مؤشراً علي جوع أعم؟ فالجوع يعني في نظري تلك الحاجة الفظيعة التي تمس الكائن كله. ذاك الفراغ الأيسر. وذلك التوق لا إلي الامتلاء العشوائي بل إلي تلك الحقيقة البسيطة : فحيث لا يوجد شيء أتطلع لأن يكون هناك شيء ما.. أول ما خيل لي أن الكاتبة تحكي عن سيرتها وصراعها مع الشره "La boulimie" هل يحدث لأحدكم أن يحمل كتابا ثم يتخيل له سيناريوهات كثيرة عن المواضيع التي قد يتطرق لها ابتداء بما قد يوحي إليه العنوان ثم تغيرات الصورة التي تخيلتها حين قرأته. كنت أعود كل حين لآخر الكتاب لأقرأ "الجوع هو أنا".. قرأت الكتاب ببطء شديد خوفاً من أن أنهيه بسرعة وأجد أن الجوع قد سكنني. أظنه الجزء الثاني لسيرة أميلي رغم أنه كتب علي غلافها رواية. الأول هو "Metaphysique des tubes". أشعر بجوع شديد لقراءة كل ما قد كتبته آميلي فعناوينها مغرية ومشاهدة صورتها قد تزيد فضولك لا أدري إن كان السبب جمالها أم غرابتها؟ أنهيت قراءة هذا الكتاب وأظنني في النهاية قد اقتربت نوعا ما بتكهني من الحقيقة. حقيقة أن الكاتبة صارعت الجوع أو لنقل نقيضه حيث إنها عانت من فقدان الشهية المرضي "l anorexie" أحببت هذا الكتاب جداً. أحببت الزاوية المختلفة والخارجة عن المألوف التي نظرت بها الكتابة للحياة والأشياء من حولها. أحببت آخر سطر من الحوار والذي ختمت به حديثها كتابها : "ما المحزن في الأمر؟ مازلت علي قيد الحياة".. أريد أن اعتبر الكتاب سيرة لها بدل اعتباره رواية لأنه جعلني أعقد مقارنات بين حياتي وحياة أقرأ وآخذ باسترجاع ذكريات دفينة من عمري الفائت. أحببت حديثها عن ولعها بالقاموس والأطلس. حبها الصادق لمربيتها اليابانية ولليابان الذي اعتبرته وطنها.. افتتانها بأمها. باختها وبمربيتها البلجيكية.. حديثها الساخر وكيف كانت تقدم نفسها للضيوف علي أنها باتريك "والدها". شرهها تجاه الماء والسكاكر والشراب. حبها للقراءة حديثها الممتع عن نيويورك.. آلمني حديثها عن مشهد اغتصابها وكيف صورته ببرودة وكأنه لوحة يا إلهي أيما متعة رافقتني حين قراءة الكتاب وذلك الشعور المتزايد بالنهم والرغبة الملحة لقراءة كل ما كتبته أميلي هذه الغريبة الأطوار التي اختصرت سيرتها بسيرة للجوع.