صدم الرأي العام بالأنباء التي أعلنت في الأيام الأخيرة عن تخفيض قيمة الجنيه المصري قياسا إلي الدولار الأمريكي لست مرات متتالية استجابة لشروط ومطالب المؤسسات المالية الدولية والمستثمرين الأجانب وطبقة "رجال المال والأعمال" في الداخل والتي بموجبها يقترب سعر الدولار من سقف الثمانية جنيهات. بعد أن كان سبعة جنيهات وبضعة قروش. والمعني المباشر لهذا الإجراء هو انخفاض القيمة الشرائية للجنيه المصري بأضعاف التخفيض الرسمي له قياسا للخبرة المتراكمة فالتجار لن يألوا جهدا في استغلال هذا الأمر لاستنزاف المواطن المصري بالحجة التقليدية الدارجة: ارتفاع سعر الدولار الذي صار عملة شراء كل مستلزمات الحياة بعد أن تم تدمير الصناعة الوطنية وصرنا نعتمد في سد أغلب حاجاتنا الأساسية علي الاستيراد من الخارج ونتيجة لغياب آليات ضبط الأسعار وعدم تفعيل عمليات الرقابة علي الأسواق! الحجة الجاهزة التي تقدم دوما في تبرير وتسويغ مثل هذا الإجراء هي "العمل علي توفير بيئة جاذبة للاستثمار والمستثمرين والقضاء علي السوق السوداء والمتاجرين فيها بالعملة بتوحيد سعر الصرف في السوقين: الرسمي وغير الرسمي" وهي حجة طالما سمعناها من مروجي السياسات "النيو ليبرالية" لتسويق وتزيين سياسات الرأسمالية المتوحشة الذين انفردوا بإدارة ملف الاقتصاد المصري بعد اعتماد سياسة "الانفتاح الاقتصادي" في عام 1974 وبالذات في عهد حسني مبارك ومازالت هذه السياسات متبعة حتي الآن رغم فشلها الذريع المرة تلو المرة في إخراجنا من النفق الذي حشرتنا فيه ورغم تأكدنا من انها لم تأت يوما بمستثمرين ولا حاصرت انتشار السوق السوداء لتجارة العملة! والشاهد ان تطبيق هذه السياسات علي امتداد العقود الأربعة الأخيرة لم تحقق ما زعم مروجوها توخيه من تطبيقاتها بل العكس تماما ما تحقق! فقد انخفضت قيمة العملة المحلية سنة بعد سنة وأصبح اقتصادنا أكثر هشاشة وتبعية للعملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار الأمريكي وزادت معدلات إفقار الطبقات الأكثر فاقة وحاجة في المجتمع والتي تمثل نحو 50% من أبناء الشعب خاصة في ظل دفع هذه السياسات الدولة للتخلي عن دورها الاجتماعي الواجب في إسناد هذه الطبقات الضعيفة الأمر الذي فاقم أسباب الاحتقان ودواعي الغضب في المجتمع وأدي إلي توترات مجتمعية جادة وانتفاضات شعبية واسعة لعل أشهرها الانتفاضة الشعبية في 18 و19 يناير .1977 واللافت ان هذا الإجراء الذي سيترجم إلي رفع مؤكد في كل أسعار السلع الأساسية التي لا يستغني مواطن مصري عنها يأتي مواكبا لأكبر موجة انخفاض في أسعار السلع الأساسية عالميا مثل المواد الغذائية والبترول الذي انخفض سعره بأكثر من النصف وكان المنتظر أن ينعكس هذا التطور في إجراءات تصب في صالح الطبقات والفئات الأكثر فقرا والأشد معاناة والذين طال بهم الانتظار للفرج وللحظة راحة من الماراثون اليومي للجري وراء تدبير أبسط احتياجاته واحتياجات ذويه! والأخطر ان هذا التوجه في الافتئات المستمر علي قيمة وهيبة الجنيه المصري "الغلبان" ولصالح "الأخضر المفتري" والمدعوم بمئات الشواهد إنما تؤكد انه لا شيء جديد تحت شمس الاقتصاد المصري وكأن لا "ثورة" قامت في الخامس والعشرين من يناير 2011 ولا يحزنون! فقد عادت الوجوه الكئيبة لنظام مبارك المستبد الفاسد تطل برأسها ببجاحة منقطعة النظير وكأن الثورة غير كافية لإزاحتهم من الصورة كما مازال 10 بالمائة من المصريين يملكون ثلاثة أرباع ثروة الوطن علي حساب 90 بالمائة من أبناء الشعب الذين يتناحرون علي ربع الثروة المتبقية. في الذكري الرابعة لثورة 25 يناير 2011 المجيدة أهدي مسئولو الاقتصاد المصري تخفيضا سادسا للجنيه إلي الشعب المصري!.. "متشكرين يا باشاوات"!