للعام الثاني علي التوالي وجهت لي الدعوة لأكون أحد المشاركين في منتدي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بفيينا وموضوعه هذا العام "متحدون لمناهضة العنف والتطرف باسم الدين" ولم أكن قد أعددت شيئاً للمشاركة في المؤتمر ولمكانة الأزهر الشريف في قلوب المفكرين والعلماء في العالم. فوجئت بمقدم الكلمات في المؤتمر يدعوني لإلقاء كلمة للحاضرين لم تكن مدرجة في جدول الأعمال. وأمام إصرار المنظمين علي إلقاء الكلمة تقديراً للأزهر الشريف وجهوده في خدمة قضايا المسلمين ومنها مكافحة التطرف والإرهاب. ألقيت كلمة ارتجالية حازت إعجاباً كبيراً من الحاضرين. تلقيت بعدها الكثير من عبارات الثناء من المشاركين من دول عديدة. ولعل ما لمسته من الحضور والثناء علي الأزهر الشريف ودوره جعلني أقف أمام عدة حقائق تدور كلها في فلك مواجهة الأزهر الشريف لقوي التطرف والإرهاب في العالم وكذا دوره في خدمة ورعاية الحوار الذي يسعي لخدمة الإنسانية. والتي تؤكد جميعها علي أن جميع الرسالات السماوية وفي مقدمتها الإسلام والأعراف الانسانية تنبذ التطرف والعنف والإرهاب بكافة أشكاله الفكرية والحسية وتتبرأ من فاعليه. والأزهر الشريف في مقدمة المؤسسات تصدياً للإرهاب والإرهابيين. والجهود المكثفة التي يقودها فضيلة الإمام الأكبر أ.د. الطيب شيخ الأزهر بنفسه متعددة ومتنوعة منها وثيقة الأزهر للحريات. وبيانات الأزهر التي تدين العنف والتطرف أياً كان فاعله أو المستهدف به. وهو ما أدركته كثير من الدول الإسلامية ومنها المملكة العربية السعودية وجهودها في خدمة الإسلام وقضايا المسلمين بإنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار في فيينا. في قلب أوروبا ليعرف العالم سماحة الإسلام والمسلمين العارفين بتعاليم دينهم معرفة صحيحة. كما تؤكد تلك الجهود علي ان الدين الإسلامي دين إنساني يهدف إلي تحقيق الأمن والسلام للعالم بأثره وليس لاتباعه فقط. ولذا فإن شيخ الأزهر قرر إنشاء بيت العائلة المصرية. الذي يجمع بين علماء الأزهر الشريف ورجال الكنائس المصرية. في قلب مشيخة الأزهر. لترسيخ التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين. ولنجاحه المنقطع النظير في ذوبان حالات احتقان كثيرة بين المسلمين والمسيحيين تولدت عنده فروع في المحافظات المصرية. ووصلت قمة نجاحاته في تسيير قوافل مشتركة من علماء الأزهر ورجال الكنيسة يخاطبون المصريين في ندواتهم ويصغي إليهم الناس من المسلمين والمسيحيين علي السواء. ومنها تسير القوافل الدعوية في كافة محافظات مصر. تبصر الناس بحقيقة العنف والإرهاب وتحذر من الانخداع بكلمات براقة ماكرة تصدر من أفواه من باعوا ضمائرهم للشيطان مهما رفعوا من رايات وشعارات باسم الإسلام فهو من أعمالهم براء. فلسنا بأحرص علي إسلامنا من رسول السلام القائل في حق غير المسلم: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفاً" فكيف بمن قتل مسلماً؟ كما أن رسولنا الكريم تعايش مع اليهود في المدينةالمنورة وعقد معهم معاهدات سلام لم ينقض واحدة منها. كما يجب ان ننوه إلي دور علماء الأزهر من الوعاظ والمعلمين المنتشرين في كافة الدول الإسلامية وغير الإسلامية التي يوجد بها مسلمون يعلمون الناس الدين الصحيح. ويدعونهم للتعايش السلمي وعدم نبذ الآخر ليكونوا قدوة في مجتمعاتهم وسفراء لدينهم الحنيف دين السلام. فضلاً عن أبناء المسلمين من أكثر من مائة دولة الذين يدرسون ويقيمون علي حساب الأزهر الشريف يتعلمون سماحة الإسلام ووسطيته ليعودوا هداة في أوطانهم. كما أن شيخ الأزهر الشريف يترأس مجلساً لحكماء المسلمين أعلن عنه مؤخراً. والذي هدف إلي حل النزاعات قبل اشتعالها. ويعمل علي إخمادها في أي مكان شبت فيه. وفي الختام يجب ان اشير إلي ان الأزهر الشريف سيعقد في الثالث والرابع من ديسمبر الحالي مؤتمراً حاشداً لأبرز علماء المسلمين ووممثلين عن الكنائس. والمضطهدين والمهجرين في الأزهر الشريف وبرئاسة فضيلة الإمام الأكبر لتوجيه بيان للناس برفض العنف وتبرئة ساحة الأديان منه. وسنبين المفاهيم الصحيحة للدولة والخلافة والجهاد.. وغير ذلك مما يلبسه هؤلاء الملبسون الإرهابيون علي الناس لكشفهم وفضحهم. ولذا فإن علينا جميعاً ان نتكاتف لاقتلاع العنف والإرهاب من جذوره. وأن علي الدولة الراعية له والتي تستخدمه كسلاح للنيل من الإسلام والمسلمين خاصة ان تعلم بأنها أول من سيكتوي بنيرانه. وأنها ليست بمأمن منه.