دعا الرئيس المستشار عدلي منصور الناخبين للاستفتاء علي الدستور الجديد لمصر يومي 14 و15 يناير القادم. قال في كلمة وجهها أمس إلي الشعب إن مصر تمر بلحظة فارقة في تاريخها المعاصر. مؤكداً أن الدستور الجديد نتاج تطور طويل للمسيرة الدستورية في مصر والتي بدأت منذ عشرينيات القرن الماضي. أوضح الرئيس أن وثيقة الدستور خلاصة علم نخبة من أرفع قامات القانون الذين تفخر بهم مصر وأن مناقشات لجنة الخمسين الحيوية جسد الديمقراطية وحرية الرأي. أشاد بنسبة التوافق العالية التي تحققت حول وثيقة الدستور قائلاً: التوافق هو أصعب اختبارات الوطنية وأول دروس الديمقراطية. ووجه الرئيس الكلمة من مقر رئاسة الجمهورية في مصر الجديدة بحضور أعضاء لجنتي الخمسين والعشرة ورئيس الوزراء د.حازم الببلاوي والفريق أول عبدالفتاح السيسي النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع والإنتاج الحربي وفضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وممثل عن البابا تواضروس والوزراء وممثلي الأحزاب. وفيما يلي نص الكلمة: بسم الله الرحمن الرحيم "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين". صدق الله العظيم السيدات والسادة.. شعب مصر العظيم.. إنها بحق لحظة تاريخية.. لحظة فارقة في تاريخنا المعاصر.. لحظة حاسمة بالنسبة لمصر وخارطة مستقبلها. السيدات والسادة "أعضاء لجنة تعديل الدستور".. أتقدم إليكم بكل الشكر والتقدير علي إنجازكم لهذا التكليف الهام.. الذي آمل أن يلقي تقدير شعبنا الأبي. صاحب ثورتي 25 يناير و30 يونيو المجيدتين.. ومصدر سلطات وطننا الغالي. أتوجه إليكم.. وإلي أعضاء لجنة الخبراء الذين شاركوا في هذا العمل الوطني الجليل. بكل الامتنان والاعتزاز. وأقول لكم.. لقد وفيتم العهد لشعبكم. وكنتم خير معبر عن آماله وتطلعاته.. اجتهدتم بشرف.. وأديتم الأمانة بما يلزم من سمو وتجرد. لقد تابعت جلسات لجنتكم الموقرة.. وشاهدت حيوية النقاش بين أعضائها. وما جسده من ديمقراطية وحرية رأي. وما أبديتموه من حماس ووطنية.. مستهدفين إعداد الدستور الأمثل لمصر وشعبها. في ظل أوضاع وظروف استثنائية يمر بها الوطن. بيد أن ثَنَائي الحقيقي علي هذا الإنجاز ينصب علي نجاحكم بعد هذا النقاش المحتدم في تحقيق التوافق. وتغليب الصالح العام. والتسامي عن الرؤي الذاتية. للوصول إلي نقطة التوافق والتلاقي.. نقطة التوازن والوسطية.. التي ميزت شعب مصر دائماً. وكانت سر قوته. وخلود حضارته.. إن هذا التوافق هو أصعب اختبارات الوطنية. وأول دروس الديمقراطية. إن الوثيقة التي انتجتموها هي حصيلة جهد مخلص لكوكبة من أبناء مصر.. مثلوا كل فئات الشعب بأقصي قدر ممكن من العدالة والأمانة.. شاركهم فيها آلاف بل ملايين من أبناء الشعب الذين تفاعلوا مع أعمال ومناقشات اللجنة من خلال الإعلام ووسائل التعبير عن الرؤي المختلفة.. وهي المشاركة المجتمعية التي وجدت دائماً صدي واحتراماً من حضراتكم. هذه الوثيقة. هي أيضاً. خلاصة علم نخبة من أرفع قامات القانون وخبرائه.. الذين تفخر بهم مصر.. وتباهي بعلمهم الأمم. واسمحوا لي بهذه المناسبة أن أتقدم بشكر خاص لرئيس لجنتكم الموقرة.. السيد/ عمرو موسي الذي قاد مسيرتكم بكل حكمة واقتدار.. ونجح في تقريب وجهات النظر وصولاً لهذا الإنجاز الهام.. الذي سيمثل بإذن الله أولي استحقاقات خارطة المستقبل. واسمحوا لي أيضاً أن أتقدم بكل الشكر والتقدير للسيد المستشار أمين عام مجلس الشوري وجميع العاملين بالمجلس علي ما قدموه من جهد مخلص لمساعدة اللجنة التأسيسية طوال فترة انعقاد جلساتها. السيدات والسادة.. تباينت رؤي قوي المجتمع بشأن بعض القضايا.. وهو ما قد يظن البعض أن فيه إضعافاً لقضية الوطن.. ولكني أقول لكم إن ثراء هذا الوطن في تنوع أفكار أبنائه.. وقوته تأتي من هذا الثراء إذا أحسن إدارته. السيدات والسادة "أعضاء اللجنة التأسيسية".. اختلفتم أحياناً من أجل الوطن.. ولكنكم لم تختلفوا عليه.. ندرك جميعاً أن هذا العمل الجليل الذي أنجزتموه.. لا يصل إلي درجة الكمال.. فالكمال لله وحده.. وذلك شأن أعمال العباد.. إلا أنه حقق إنجازاً وطنياً تاريخياً هاماً. بحصوله علي توافقكم في الرأي عليه. فلقد حققتم التوافق علي الرغم من أن قواعد تمثيلكم بتلك اللجنة تأسست علي تنوع انتماءاتكم للمجتمع المصري. إن مشروع دستورنا الجديد يمثل ثمرة تطور طويل للمسيرة الدستورية في مصر.. التي شرعت بلادنا فيها منذ عشرينيات القرن التاسع عشر. لقد خاض العشب المصري تجربة تلو الأخري.. لوضع دستور شامل يحمي حقوقه ويحدد سلطات ومسئوليات حاكميه.. استرشاداً بالتجارب الوطنية والقومية والدولية. لقد أخذ مشروع الدستور بأحدث ما عرفته الإنسانية.. من مواثيق ونصوص في مجال الحريات وحقوق الإنسان.. والفصل والتوازن بين السلطات. كما جاء في الوقت نفسه مجسداً لطبيعة شعبنا.. بإيمانه وعقائده.. باعتداله وتسامحه.. بتاريخه وثقافته.. بامتداداته الحضارية بدوائرها العربية والإسلامية والأفريقية.. ثم برسالته الإنسانية للعالم كله. السيدات والسادة.. الإخوة المواطنون.. أتوجه في هذه اللحظة إلي شعب مصر العظيم.. الذي عاني الكثير من الظلم خلال عقود طويلة.. ولم تتوقف معاناته خلال السنوات الثلاث الماضية. لقد أنجز الشعب ثورتين مجيدتين في ثلاث سنوات.. وكانت نفسه تواقة لكي يري تجسيداً أميناً لأهداف ثورتيه.. من خلال دستور عصري.. ومؤسسات حكم وطنية رشيدة تعبر عن إرادته. الإخوة والأخوات.. آن لنا أن نواجه دعاة الدمار والتخريب بالبناء والعمل الجاد.. وأن نتصدي لمن يؤمنون بالإرهاب وسيلة.. بالمزيد من الإصرار علي الحياة.. تلك الحياة التي وهبنا الله إياها. أمامنا تحديات ضخمة.. نحن قادرون علي التغلب عليها.. أوضاعنا الاقتصادية صعبة.. إلا أن لدينا كل مقومات النجاح. إن تلك اللحظة الاستثنائية.. هي لحظة المكاشفة والمواجهة والتكاتف والمسئولية. إن اقتصادنا راسخ في أسسه.. وواعد بقدراته.. ولكن بغير انتظام في مسئولية العمل الجاد المنتج.. نكون قد قصرنا في حقه. بغير قبولنا تحديات الواقع من محدودية الموارد الحالية.. وبغير مكاشفة لأنفسنا لمحدودية بعض القدرات والكفاءات.. سنضيف إلي تحديات ماض فرضت علينا. تحديات من عند أنفسنا.. لنصبح غير قادرين علي تخطي أزمات الحاضر.. بسوء ترتيب أولوياتنا.. وعدم الصدق مع أنفسنا. فلنبدأ في إعادة بناء هذه الدولة العريقة.. التي بدأت في استعادة هيبتها.. والتي لديها من الثروات والخيرات.. ما يحقق تقدمها في مستقبل قريب.. ويعوض شعبها عما قدمه من تضحيات كثيرة. فبعد أن أضعنا وقتاً طويلاً مر بطيئاً. ثقيلاً. قاسياً علي العديد من بسطاء وفقراء مصر.. آن الأوان لاستكمال ثورتنا. وإعادة بناء هذا الوطن تحقيقاً للتطلعات والطموحات الشعبية.. لنجني الثمار الاقتصادية لما حققناه من نجاح ونضج سياسي. وكما كان تكاتفنا.. شعباً ومؤسسات.. في كسر شوكة ماض لم يع قيمة هذا الوطن.. وفرط في مقدراته بسوء نية.. أو بسوء تقدير.. أصبح لزاماً علينا أن نتكاتف من أجل بناء دولة حديثة.. تصون للشعب حقوقه.. وترعي مصالحه.. وهو ما لن يتأتي إلا من خلال العمل والمثابرة والإيثار.. وتحمل المسئولية الوطنية.. وفي ذلك جوهر الثورة وحقيقتها. صبرنا وقاسينا وثرنا من أجل مستقبل نحيا فيه كلنا أحراراً في كنف دولة ترعي حقوق ومصالح مواطنيها.. ولن نتنازل عن حريتنا.. اعتقاداً وتعبيراً وإبداعاً. لكن ما ثرنا من أجله كان حريتنا المسئولة.. التي تبني ولا تخرب.. والتي تجمع ولا تفرق. ولنعلم جميعاً أن مصر وطن لا يتحمل فرقة.. ومستقبله لا يقبل الانقسام.. هذا هو قدره قبل أن يكون اختياره. الإخوة والأخوات.. علينا أن نتذكر دائماً أن مشروع دستورنا هذا.. هو حصاد لدماء الشهداء.. الذين بذلوا أرواحهم علي درب النضال.. من أجل الحرية للوطن وللشعب.. في ثورات متتابعة. منذ وقفة أحمد عرابي الشجاعة في وجه الاستبداد والطغيان.. ثم ثورة 1919 التي وحدت مطلب استقلال الوطن بمطلب الحرية والديمقراطية.. ثم ثورة 23 يوليو عام ..1952 ثورة التحرر الوطني.. والنهضة الشاملة.. والعدالة الاجتماعية.. وصولاً إلي ثورتي 25 يناير و30 يونيو.. اللتين جسدتا إصرار الشعب علي بناء دولة تستأصل الفساد وتغلق أبواب الاستبداد.. وترسخ حقوق الإنسان.. تبني دولة عصرية عزيزة قادرة.. تعلي من قيم الوطن والمواطنة. الإخوة المواطنون.. لا يمكن أن ننسي شهداء تحرير الأرض والإرادة في حروب مصر المتتالية.. وهم نفس الرجال الذين يضحون بحياتهم كل يوم جيشاً وشرطة في سيناء وفي كل أنحاء مصر.. لحماية أمن الوطن. وكرامة المواطنين في مواجهة إرهاب بغيض.. يستهدف حياة البشر واستقرار البلاد.. ويهدد الحرث والنسل. السيدات والسادة.. الإخوة المواطنون.. إن الوثيقة التي بين أيدينا اليوم.. هي نص يفخر به كل مصري.. ونقطة بدء صحيحة لبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الحديثة التي نتطلع إليها جميعاً. إن الشعب بعد كل التضحيات التي قدمها.. قد سئم من طول انتظاره لإنجاز عملي.. يضع حداً لهذه الدائرة المفرغة. وها نحن اليوم.. نقدم لشعبنا هذه الخطوة الكبري علي طريق تحقيق أهدافه.. لكن أقول لهذا الشعب العظيم.. مقتبساً ما قاله الصحابي العبقري عمر بن الخطاب لقاضيه "واعلم أنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له".. أقول إن هذه الوثيقة الهامة التي كانت نتاج عمل لجنة الخمسين.. لا نفاذ لها إلا بأصواتكم المؤيدة.. فأنتم مصدر السلطات.. وأنتم من سيجعلها ترسي أسس دولة المستقبل.. وتنشئ البناء التشريعي الذي سيبلور الحقوق والحريات التي تضمنتها هذه الوثيقة علي أرض الواقع.. حقوق وحريات ثورتي 25 يناير و30 يونيو. شعب مصر العظيم.. ها قد حان دوركم.. لكي تبهروا العالم مرة أخري.. ولكي تجعلوا من الخروج للاستفتاء.. يوم تعبير عن إرادتكم الحرة.. يوم عزة لشعب جدير بالديمقراطية وباحترام الدنيا كلها. إن هذا الشعب الأبي الواعي لم يتخلف يوماً عن تلبية نداء الوطن.. واليوم يا أبناء مصر.. مصر تناديكم.. فقولوا كلمتكم بكل حرية.. فأنتم مصدر السيادة.. وأنتم مانحو الدساتير شرعيتها.. فما هذا المشروع سوي محاولة لترجمة طموحات الشعب. واستلهام حكمته. وصياغتها في نصوص مكتوبة.. أما القول الفصل.. فهو لصاحب الكلمة الأولي والأخيرة.. لشعب مصر منبع السلطات وأصل الشرعية.. الذي علينا جميعاً الانصياع لإرادته. لنبدأ في إرساء دعائم أولي لبنات بناء مصر المستقبل.. مصر التنمية الحقيقية.. التنمية الشاملة لكافة ربوع هذا الوطن.. دون تهميش أو إجحاف لحقوق مستحقة.. حرم منها كثير من أبناء هذا الوطن. ولهذا العالم من حولنا أقول.. بعد أن أدركتم حقيقة ما جري في مصر منذ 30 يونيو 2012 وحتي الآن.. وبعد أن راجعتم أنفسكم في مواقفكم من مصر الثورة وإرادة الشعب المصري.. من خلال ما نلمسه من تحول في المواقف.. وجهود للعودة بالعلاقات إلي طبيعتها. أقول لكم إن مصر بمشروع هذا الدستور.. تؤكد أنها تسير علي الطريق السليم في تطبيق خارطة المستقبل.. التي توافقت عليها إرادة ملايين المصريين في أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو.. وهي خطوة ستتلوها خطوات واستحقاقات أخري نحو نظام ديمقراطي حقيقي. وإني لعلي ثقة في أن الشعب المصري صاحب الحضارة الإنسانية العريقة سيؤكد لكم مرة أخري وعلي نحو لا يمكن لكم أن تخطئوه.. أن مصر ستظل دوماً فجر ضمير الإنسانية وأمله. السيدات والسادة.. الإخوة المواطنون.. لا أريد أن أنهي هذه الكلمة. دون أن أتحدث إلي أولئك الذين كانت لهم آراء ومواقف مختلفة خلال الفترة الماضية.. إنني أدعوهم للتحلي بالشجاعة.. والتخلي عن العناد والمكابرة.. التي نعلم جميعاً كم هي كُلْفَتُها علي أمن الوطن ومصالح الناس.. أدعوهم للحاق بالركب الوطني.. والتوقف عن السعي وراء سراب وأوهام. فلنجعل هذا الدستور بمثابة "كلمة سواء".. تجمع ولا تفرق.. تؤلف قلوب الجميع.. فالبغضاء لا تبني.. والكراهية أداة هدم للأواصر الإنسانية بين أبناء الوطن.. وأما الاختلاف فهو مشروع.. مادام تم في إطار سلمي يراعي صالح الوطن. السيدات والسادة.. الإخوة المواطنون.. لقد قال الشعب كلمة مدوية في 30 يونيو.. وأقول لكم لا عودة للوراء.. فخارطة مستقبل هذا الوطن الأبي و"مصر المستقبل".. "المستقلة القرار" ماضية في استحقاقاتها.. من خلال دولة حريصة علي إنفاذ القانون.. واستعادة هيبتها وتلبية احتياجات شعبها.. الذي ضحي كثيراً من أجلها.. وآن الأوان لأن تتحقق له طموحاته وتطلعاته. فاثبتوا للوطن أنكم حماته.. ولا تجعلوه يفتقدكم حيث يريدكم.. الوطن يريدكم أن تتموا وعدكم لأنفسكم.. بدستور تستحقونه.. فكونوا علي قدر ثقته. شعب مصر العظيم.. لقد اتخذت قراري بدعوتكم للاستفتاء علي مشروع تعديل الدستور المعطل الصادر سنة 2012. وذلك يومي الرابع عشر والخامس عشر من يناير ..2014 فلنمض علي بركة الله.. عشتم وعاشت مصر.. وطناً لنا متلاحماً شعباً وحكومة وجيشاً وشرطة.. بمسلميه وأقباطه.. بشبابه وشيوخه.. بنسائه ورجاله.. عزيزة أبية قادرة علي مواجهة أي تهديدات أو تحديات.. بعون من الله.. ثم بعزيمة وسواعد أبنائها. "وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون". حفظ الله مصر... السلام عليكم ورحمة الله...