أنا شخصيا واثق من أن محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي ستكون محاكمة عادلة تؤكد نزاهة وعدالة القضاء المصري وتضيف رصيداً جديداً من الثقة الشعبية والدولية فيه. واثق من أن مرسي - رغم اخطائه الكثيرة وتجاوزاته ضد القضاء واستهانته بقضاء مصر - لن يقع عليه ظلم من هيئة المحكمة وسينال الحكم العادل الذي يستحقه وأتمني أن يكون البراءة. واثق من أن القيادة المؤقتة للبلاد لا تتطلع إلي الانتقام من مرسي والتنكيل به وان تبرئه ساحته - لو حدثت - لن تكون مزعجة لها وسيتم إطلاق سراحه ليعيش حيث يريد وكيفما يشاء. واثق أن الشعب المصري الذي ثار معظمه ضد مرسي وخرج إلي الميادين والشوارع يطالب برحليه ومحاكمته لا يتطلع إلي "ظلم" هذا الرجل الذي كان مغلوباً علي أمره وضحية جماعة لا تجيد فنون السياسة وليست خبيرة بشئون الحكم. لكن كل ما يشغلني الآن ويتطلع إليه كثيرون من المصريين والعرب أن محامي مرسي الأول "د. محمد سليم العوا" أحد مستشاريه حتي وقت عزله ماذا سيقول في جلسات محاكمته التي ستعرضها وسائل الإعلام علي العالم تأكيدا للشفافية وكشفا لحقائق يجهلها الجميع عن حقيقة الاتهامات الموجهة للرئيس المعزول. لقد عرفنا د. العوا مفكراً إسلامياً متميزاً كان قبل الثورة يحظي بثقة شعبية كبيرة ويحتل مكانة مرموقة بين المفكرين الإسلاميين.. كما عرفناه محامياً مفوها لا ينطق من ساحات المحاكم أمام القضاة إلا بما يراه حقاً وصدقا ويدافع عن المتهمين المظلومين ولا يدخل في قضايا خاسرة.. فهل تنطبق هذه المعايير التي كان العوا يحرص عليها في قضاياه علي قضية الرئيس المعزول؟ *** من يتابع تعليقات د. العوا من خلال وسائل الإعلام وخاصة قناة الجزيرة - لسان حال الإخوان - ومن خلال صفحته علي الفيس بوك منذ الثورة علي مرسي والإطاحة به يصاب بصدمة بالغة فليس هذا هو العوا الذي عرفناه - مفكراً ومحامياً - فهو يردد ما يردده قيادات الإخوان الهائجة من مغالطات واتهامات عشوائية كانت في الواقع محل سخرية كثير من المصريين ونال العوا بسببها ما نالته القيادات الإخوانية من سخرية وانتقادات وسباب من كافة فئات الشعب المصري. لقد كان العوا المستشار المدلل لمرسي وكان يرجع إليه وقت الأزمات ويجتمع به عندما تكثر السهام الموجهة إليه وكنا نتوقع أن يغير مرسي من مواقفه وقراراته بعد كل لقاء له بالعوا لامتصاص الغضب الشعبي وتهدئة المصريين الغاضبين من مواقفه وقراراته ولكن لم نكن نري جديداً في مواقف مرسي وهذا يعني أحد أمرين: إما أن يكون العوا قد نصحه بما يراه حقا وعدلا ولم يأخذ به مرسي ولم يلتقت لما قال وهنا كان من واجب العوا أن يعتذر عن لقائه ثانية حرصاً علي اسمه وسمعته خاصة بعد أن تعددت سهام النقد والتجريح لكل مستشاري مرسي وقدم معظمهم استقالته ووجهوا انتقادات لاذعة له.. وهذا لم يفعله العوا بل ظل يلتقي بمرسي حتي قبيل عزله بأيام. وإما أن يكون العوا مقتنعاً بقرارات وسياسات ومواقف مرسي ومساهماً فيها وهذا سر عدم تقديمه لاستقالته كما فعل غيره من المستشارين.. وهذا هو الاحتمال الأكبر. ومن هنا لن ننتظر من د. العوا في جلسات محاكمة مرسي أي جديد حيث سيردد ما سبق وسمعناه ونسمعه الآن من جماعة الإخوان المسلمين من أن مرسي لم يحرض ولم يخطئ ولم يخالف القانون ولم يفرط في واجبات وظيفته وأنه مازال الرئيس الشرعي للبلاد وأنه الوحيد منقذ العباد.. إلي غير ذلك من الشعارات الإخوانية التي ملأوا الدنيا بها ضجيجا وصخباً دون أن يقنعوا الناس بأنها الحق والعدل. *** ليس مطلوباً من رئيس فريق الدفاع عن مرسي أن يكون إخوانيا مخلصاً. بل عليه ان يكون محامياً محترفا يدرك جيداً مواطن الدفاع عن موكله.. ليس مطلوباً من د. العوا ان يردد أمام القضاة في ساحة المحكمة ما ردده من وجهات نظر خاصة مؤيدة ومساندة لجماعة الإخوان المسلمين ولا أن يوهم شباب الإخوان بأن فرج الله قريب وأن عودة مرسي لقيادة البلاد ليست مستحيلة. المطلوب من العوا أن يختار كلماته ويوظف عبارات الدفاع عن مرسي توظيفا جيداً دون مبالغات أو خطب منبرية إذا كان بالفعل يتطلع من خلال هذه المحاكمة التاريخية أن يؤكد قدراته كمحام يعرف مواطن الدفاع الحقيقي عن موكله. أمام د. العوا فرصة تاريخية لتصحيح أوضاعه والرد علي الاتهامات الموجهة إليه فقد سبق وقدم انتقادات لاذعة لجماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة وطالبها بترك العمل بالسياسة والتفرغ لما ينفع الناس من عمل اجتماعي وخدمات إنسانية وجهود دعوية ولم يلتفت أحد من قيادات الجماعة لنصائحه بل أهملوه وانتقده بعضهم. الآن.. أدرك العوا عمليا أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن بالفعل جديرة بتحمل مسئوليات سياسية كبري مثل حكم مصر وأن الاخطاء التي ارتكبتها طوال عام كامل اعتلت فيه عرش مصر كانت كارثية حيث استعدت كل الدول العربية دون مبرر واستعدت قبل ذلك معظم طوائف الشعب المصري بإقصائها لكل المخالفين لها والحرص علي أخونة الدولة بكل الوسائل. يدرك د. العوا أن مرسي لم يكن صاحب قرار حقيقي في إدارة البلاد وأن القرارات المصيرية كانت تأتي جاهزة من مكتب الإرشاد وأن العناد والصلف قد تمكن من هؤلاء القوم فلجأوا إلي كل ما يخيف الناس منهم ويهدر الثقة فيهم. فماذا سيقول العوا في محاكمة مرسي؟