هل ثمة فرصة سانحة لكتابة نصوص دستورية تحقق المطالب الأزلية للجماعة الصحفية. وتضمن إعلاماً أكثر حرية وموضوعية واستقلالاً.. وهل تشغل هذه المسألة المفصلية بال المتحاورين في الصالونات والمنتديات الفكرية التي تعقد هنا وهناك.. وإذا كانت هذه الإشكالية غائبة في الحوارات المجتمعية المحتدمة - وهو ما يثير الاندهاش - فهل من المقبول أن تتغافل عنها الجهات المعنية. كنقابة الصحفيين والمجلس الأعلي للصحافة.. وهل يبادران بالدعوة لعقد مؤتمر وطني موسع. يضم خبراء وأساتذة في الإعلام والصحافة لصياغة عقد جديد ينظم علاقة الدولة ورأس المال والأحزاب بالمنظومة الإعلامية. ويضع صيغة تنهي علاقة التبعية المقيتة التي تكبل الإعلام. وتحرفه عن الحقيقة وعن جمهوره صاحب المصلحة الحقيقي في أي نهضة أو إصلاح أو تقدم. وهل لدي لجنة الخمسين النية والإرادة الكافيتين لإحداث نهوض حقيقي بالإعلام. كجزء أصيل من التنمية ومناهضة الفقر وتوظيفه بإيجابية لخلق مزيد من الثروة والموارد التي تحقق العدالة الاجتماعية دون اللف في دائرة جهنمية ضيقة تكتفي بمحاربة الفقر بالحديث فقط عن زيادة الدعم للفقراء وإعادة توزيع الثروة تحقيقاً للعدالة الاجتماعية دون البحث في صيغة أكثر فعالية تجيب عن السؤال الأهم: كيف تتحقق تنمية حقيقية بخلق مزيد من الثروة واستخدام أمثل للأرصدة الاقتصادية المتاحة أو الفرص المطروحة دون التركيز فقط علي السبل التقليدية لمعالجة المشكلات المزمنة كالفقر والأمية والمرض والتخلف.. تماماً كما ينبغي أن نبحث عن إجابة لإشكالية الإعلام وكيف نجعله قاطرة للتنمية. مبشراً بالنهضة وليس مجرد ظل للأنظمة أو لرأس المال أو للحزب أو انعكاس للوقائع ومجريات الأحداث..!! 1⁄4 علي الرغم مما شهدته مصر من ثورات أربع في القرن الأخير. وكلها نادت بالحرية والعدالة لكن جوهر الأوضاع بقي علي حقيقته بل ازداد سوءا. فازداد الفقراء فقرا. فلا نفعهم الدعم ولا أغني عنهم ما تقدمه الحكومة لهم من مساعدات التهمها الغلاء الفاحش أولا بأول في سوق عشوائية أخذت من الرأسمالية مجرد الاسم فقط مع غياب كامل لدور الدولة في الحفاظ علي الفقراء الذين تغول عليهم الأغنياء وقاسموهم الدعم وضبط منظومة الاقتصاد والسوق.. لكن للأسف لا حكومات ما بعد الثورة حققت رغبة شعبها الثائر في إنجاز حدين أدني وأقصي للأجور لتنهي التفاوت الرهيب في الدخول. بل جاءت الإجراءات مرتعشة. وبقي الاقتصاد ريعياً لا يخرج عن مصادره التقليدية المتمثلة في عوائد النفط وقناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين بالخارج.. وتراجعت في المقابل منذ السبعينيات اقتصاديات الصناعة والزراعة والخدمات والإنتاج..!! 1⁄4 ولم يكن الإعلام أحسن حالاً من الاقتصاد. بل كبلته نصوص دستورية وقانونية. عززت قبضة الأنظمة المتعاقبة علي وسائل الإعلام. وانحرفت بها عن مسار الحرية والإبداع والاستقلالية. فكانت النتيجة تخلفاً في الوعي. وتراجعا في الممارسة الإعلامية. واهتماما بالقشور. وإغراقاً في توافه الأمور. وعزوفاً عن اقتحام القضايا الكبري وخوض المعارك الحقيقية لتنمية البشر و الحجر. ومن ثم فنحن إزاء لحظة فارقة لن يرحمنا التاريخ إذا فرطنا فيها أو تقاعسنا عنها.. وإزاء مجتمع خارج لتوه من ضيق الاستبداد تواقاً لسعة الحرية خصوصاً حرية الصحافة والرأي والتعبير. وإقامة نظام ديمقراطي يصون الحريات. ويؤسس لدولة القانون ويحمي الحقوق وهو ما ينبغي أن يكفله صراحة دستور مصر الجديد. 1⁄4 لقد تجاهلت الأنظمة المتعاقبة من لدن ثورة يوليو وحتي سقوط حكم الإخوان مسألة تحرير الإعلام وتطويره وإطلاق حرياته. وإصلاح أحوال الصحف القومية وتليفزيون الدولة وإذاعتها. وتسوية ديونها المتراكمة. وإصلاح أوضاعها المترهلة إدارة وتحريراً.. بل لم يكتف نظام الإخوان بتجاهل تلك الأزمة بل أمعن في تكريسها بالإصرار علي أخونة هذه المؤسسات وتركها حتي تنهار عامداً متعمداً رغم أنها - أي وسائل الإعلام القومية - كانت بوقًا لكل نظام. تدافع عن سياساته. وتبرر أخطاءه. وتهاجم خصومه وأعداءه.. والكل تركها للأسف بلا حلول تعاني السقوط والانحدار..!! 1⁄4 ثمة ضرورة قصوي الآن لإجراء حوار موسع. يضم متخصصين وعاملين بالإعلام القومي المكتوب و المرئي والمسموع حول سبل إنقاذ تلك المؤسسات. وألا نكتفي بجلدها وتوجيه نقد لاذع لأدائها. واتهامها تارة بافتقاد المهنية. وتارة أخري بالمبالغة والشطط في التناول مثلما جري في تضخيم تهديدات الإخوان حين دعوا للتظاهر داخل محطات المترو دون النظر في عواقب ذلك وتداعياته التي تصب في صالح هذا الفصيل دون غيره..!! 1⁄4 صيانة مؤسسات الإعلام من الانهيار. وخصوصاً الصحف القومية ينبغي أن تكون أولوية قصوي علي أجندة الحكومة ولجنة الخمسين والإعلاميون والمجتمع المدني كافة.. ولتكن البداية بفك الاشتباك بين الحكومة والإعلام من جهة. وبين الأخير وجمهوره من جهة أخري. ولابد من النص صراحة في الدستور علي ضرورة تشكيل مجلسين وطنيين. أحدهما يختص بالصحافة والآخر بالإعلام. من أعضاء منتخبين من الجمعيات العمومية والنقابات المهنية ذات الصلة. إلي جانب شخصيات ذوي خبرة في الإعلام. تتولي مهمة الإدارة بصورة ذاتية تضمن النجاح والاستقلالية. والابتعاد نهائياً عن أي انتماء حزبي أو أيديولوجي للتمكين لحرية الرأي والتعبير في مجتمعنا. 1⁄4 صحيح أن تغييرات ملموسة طرأت علي توجهات الصحف القومية إبان ثورة يناير. فاقتربت من القاريء. وابتعدت عن السلطة لكنها سرعان ما عادت لسيرتها الأولي فور وصول الإخوان للحكم تأييدا ودفاعاً عنهم. ثم ما فتئت تناصر الشعب في ثورته ضدهم في 30يونيو بحسبان ذلك واجباً وطنيا عليها. 1⁄4 لا شيء يعصم الصحافة من الوقوع في براثن السلطة وغوايتها إلا بدسترة استقلالها عن أي نظام حاكم. وقوننة حريتها. فتحرير الإعلام هو تحرير لوعي الشعب وضمانة لاغني عنها لأي تقدم أوإصلاح أوتغيير إيجابي. فالاستقلال يضمن الموضوعية ويحقق الشفافية والمحاسبة. ويبدد سحب الخوف وبواعث الطمع. وينبغي أن ينص الدستور الجديد صراحة علي أن ¢تكفل الدولة استقلال الصحف ووسائل الإعلام المملوكة لها عن مختلف السلطات والأحزاب السياسية ورأس المال وتهيئة الظروف المناسبة لتصحيح أوضاعها¢.. وإلا عادت الأمور أسوأ مما كانت نفاقا للحاكم وإهمالاً للقاريء وتضليلاً له. وطمساً للوعي وهوما لايليق بشعب قام بثورتين عظيمتين في أقل من 3سنوات. لتكن البداية أوالمدخل للإصلاح بصياغة مباديء دستورية تفصل بين ملكية الصحف وتحريرها. وتلغي الحبس والمصادرة في قضايا النشر وتلزم الحكومة وغيرها بإتاحة المعلومات. وتعديل قانون تنظيم الصحافة الذي لم يعد ملائما لا لروح الثورة والحرية والعدالة. ولا لثورة المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا والميديا الاجتماعية المتفجرة.. فليس مقبولا أن تتحول الدولة من الاشتراكية إلي الرأسمالية وحرية السوق دون تحول مماثل في تشريعات الصحافة وتنقية القوانين من القيود والمعوقات. وليس من اللائق كذلك بقاء قانون نقابة الصحفيين ولائحته اللذين لايفرقان بين نقابة للرأي وأخري لعمال النظافة مع كامل احترامنا لهم. لا تغيير جذريا لأوضاع الإعلام والصحافة دون ثورة حقيقية في التشريعات والقوانين المنظمة. ولابد من وجود كيانات مستحدثة يكون ضمن مهامها متابعة الأداء وإعادة هيكلة وسائل الإعلام القومية وفق معايير مهنية موضوعية. والعمل علي إصلاحها مالياً وإداريا وتحريرياً. ووضع ميثاق شرف فعال تتولاه نقابة الصحفيين والمجلس الأعلي للصحافة. وإعادة تقييم جاد لأصول المؤسسات الصحفية القومية وطرح نسبة لا تزيد علي 49% من قيمتها في صورة أسهم يتملكها العاملون فيها ليكونوا ملاكها الحقيقيين الذين تتشكل منهم جمعيات عمومية قادرة علي انتخاب مجالس إدارتها وتحريرها ومحاسبتها وتغييرها إذا لزم الأمر.. فهل نري أسلوباً جديداً وحلولاً ناجعة لإنقاذ الصحف القومية وإعلام الدولة.. والأهم متي نري إعلاما حراً..؟!